البحث

التفاصيل

104 سنوات على "وعد بلفور".. ما زال للقصة بقية

الرابط المختصر :

104 سنوات على "وعد بلفور".. ما زال للقصة بقية

 

أكد خبراء ومراقبون فلسطينيون أن "وعد بلفور" لم يكن إيذانا بإقامة قاعدة حربية استيطانية لبريطانية في الشرق الأوسط فحسب، إنما كان أيضا إشارة لبدء هجرة يهود أوروبا إلى فلسطين بتواطؤ مع الدول الأوروبية لتأسيس "وطن قومي لليهود" يسيطر على المنطقة بعد دعمه وتسليحه.

ويحيي الفلسطينيون، اليوم الثلاثاء، الذكرى الرابعة بعد المائة، لصدور "وعد بلفور" الذي منح الحركة الصهيونية وطنا قوميا لليهود على أرض فلسطين التاريخية، وتسبب بتشريد الشعب الفلسطيني، وعدم تمكنه من تأسيس دولته المستقلة، وعاصمتها القدس.

وتشهد مختلف المدن الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة والداخل المحتل، مسيرات وفعاليات للتأكيد على حق الفلسطينيين بأرضهم التاريخية، والتذكير بأن "وعد بلفور" تسبب بنكبات متتالية لعدة أجيال.

كما تشهد العديد من الدول الأوروبية خروج مسيرات منددة بهذا "الوعد" أمام السفارات البريطانية، لتحميلها المسؤولية عن مآسي الفلسطينيين، وإسقاط ما أسموه "تزوير التاريخ وتداعياته، وإنكار حقهم في تقرير مصيرهم على أرضهم".

رسالة "الوعد"

واستعرضت الباحثة والمختصة في تاريخ فلسطين، ناريمان خلة، المراحل التي مر بها "وعد بلفور" منذ إعلانه وحتى اليوم، والذي اعتبرت أنه "غيّر مجرى تاريخ الشرق الأوسط".

وقالت خلة: "في الثاني من تشرين ثاني/نوفمبر 1917، بعث وزير خارجية بريطانيا في تلك الفترة، جيمس بلفور، برسالة إلى اللورد ليونيل والتر روتشيلد، أحد زعماء الحركة الصهيونية آنذاك، لتُعرف فيما بعد باسم وعد بلفور".

وجاء في نص الرسالة إن "حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل عظيم جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، وعلى أن يُفهم جليا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن يُنتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى".

موافقات دولية

وأوضحت خلة أنه بعد مرور عام على هذا الوعد؛ أعلنت كل من إيطاليا وفرنسا موافقتها عليه، لتتبعها موافقة أمريكية رسمية عام 1919، ثم لحقت اليابان بالركب في العام ذاته.

وأشارت إلى أنه على المستوى العربي؛ اختلفت ردود الفعل تجاه هذا الوعد بين "الدهشة، والاستنكار، والغضب"، في حين أطلق الفلسطينيون على وعد بلفور وصف "وعد من لا يملك (بريطانيا) لمن لا يستحق (العصابات الصهيونية)".

نكسة الفلسطينيين

وأضافت: "عدّ الفلسطينيون هذا اليوم يوماً أسودَ في تاريخ البشرية بأكملها، ونكسوا فيه أعلامهم بقرار رسمي، مؤكدين أنه يعتبر ضربة للعدالة الدولية، وأن تداعيات هذا الوعد كارثية عليهم".

وشددت خلة على أن الوعد كان بداية اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، وتحويلهم إلى ضحايا اللجوء والتشرد والقتل، مشيرة إلى أن بريطانيا قامت أثناء احتلالها لفلسطين (1920- 1948) بتطبيق الشق الأول من وعد بلفور بإنشاء "وطن قومي لليهود في فلسطين"، لكنها لم تلتزم بشقه الثاني الذي يتضمن عدم الإضرار بحقوق الفلسطينيين الذين كانوا يشكلون في ذلك الوقت نحو 92 في المائة من السكان وفق التقديرات البريطانية نفسها".

الدور البريطاني

وقالت خلة: "بعد سنوات قليلة من وعد بلفور، وتحديدا في عام 1920، احتل الجيش البريطاني فلسطين بشكل كامل، وتم انتداب بريطانيا عليها من قبل عصبة الأمم (الأمم المتحدة حاليا) حيث تمت إدارة الانتداب بفلسطين من خلال المندوب السامي البريطاني الذي مارس بالكامل جميع السلطات الإدارية والتشريعية فيها".

وأضافت: "في عام 1948، خرجت بريطانيا من فلسطين، وسلّمت الأراضي الفلسطينية لمنظمات صهيونية مسلّحة، والتي ارتكبت مجازر بحق الفلسطينيين، وهجّرتهم من أراضيهم؛ لتأسيس دولتها عليها".

تقسيم فلسطين

وأكدت خلة أنه "بعد نكبة عام 1948 كان ما نسبته 75 في المائة من أرض فلسطين واقعة آنذاك تحت السيطرة الإسرائيلية، في حين حكمت الأردن الضفة الغربية، وخضع قطاع غزة للإدارة المصرية".

وأضافت أنه "بعد 19 عاما، وتحديدا في العام 1967، احتلت إسرائيل الضفة الغربية (بما فيها شرقي القدس) وقطاع غزة مع شبه جزيرة سيناء، ومرتفعات الجولان السورية؛ لتسيطر على كامل الأرض الفلسطينية، وأجزاء من الدول العربية المجاورة".

رفض الاعتذار

وشددت خلة على أن بريطانيا "لم تلقِ بالاً للمطالبات بتقديم اعتذار رسمي عن الكارثة التي لحقت بالفلسطينيين جرّاء هذا الوعد"، مشيرة إلى أنه في عام 2017، عبّرت بريطانيا عن فخرها بالدور الذي مارسته في إيجاد دولة إسرائيل، رافضة تقديم أي اعتذار عن الوعد".

وقالت: "وعد بلفور كان بداية مأساة الشعب الفلسطيني، بل هو يوم النكبة الحقيقي، عندما أعطى وطن شعب حي ومعروف؛ إلى مجموعة من الأشخاص الذين أتوا من كل أصقاع الأرض، خلافا لكل الأعراف والقوانين منذ بدء الخليقة".

فرص إعادة المحاكمة

وأضافت خلة أن "الشعب الفلسطيني لا يزال لديه الحق في محاكمة بريطانيا، ووريثتها الولايات المتحدة، والدول الأوروبية التي شاركت في هذه الجريمة، باعتبارهم مسؤولين عن المأساة التي حلت به، وما نجم عن هذا الوعد من تهجير وجرائم بحقه".

وأكدت أن بريطانيا سعت من خلال هذا الوعد إلى تحقيق عدة أهداف لمطامعها الاستعمارية في منطقة الشرق الأوسط، وإعطاء اليهود وطن قومي لهم، وإضعاف الشعب العربي، وتقسيم الشرق الأوسط، لأنها تدرك ألا استقرار في المنطقة في ظل احتلال هذا الجزء من الوطن العربي، حتى لو باتت كل الأقطار متحررة.

وقالت خلة إن "بريطانيا إحدى دول الاستعمار القديم التي سيطرت على العديد من دول العالم مطلع القرن الماضي، لذا فإن دافعها الأول هو الحفاظ على مصالحها وحمايتها، فهذا الوعد يمثل خنجرا في خاصرة أي مشروع نهضوي عربي".

"وعد" باحتلال فلسطين

من جهته؛ قال الباحث والخبير في الشؤون الأوربية والدولية، حسام شاكر، إن "صدور تصريح وعد بلفور جاء عمليا ضمن الترتيب البريطاني لاحتلال فلسطين، وبالتالي الحاجة إلى تثبيت هذا الاحتلال لإيجاد تجمع استيطاني دائم؛ يحقق المصالح البريطانية في هذه المنطقة المهمة جدا استراتيجيا، وبشكل مستقر ودائم".

وأضاف شاكر أن "هذا كان مرتبطا بطبيعة التفكير البريطاني الذي يحتاج إلى إيجاد مكونات مصطنعة في بعض المناطق الحساسة؛ بمعنى أن بريطانيا كانت معنية باحتلال فلسطين ضمن الترتيبات التي تمت لوراثة الدولة العثمانية".

وأوضح أن فرنسا وبريطانيا اتفقتا على تقسيم المنطقة بينهما، مبينا أنه من هذه النقطة جاء تصريح بلفور لكي يؤسس هذه القاعدة الحربية الاستيطانية في تلك المنطقة.

تهجير بغرض الاستيطان

أما الظروف التي أدت إلى تهجير اليهود من أوطانهم ومن أوروبا، أكد شاكر أن هذه "الظروف تشاركت فيها جملة من الأحداث والأدوات الطاردة للمكون اليهودي ومنها الدور الألماني في العهد النازي بشكل خاص الذي كان له الدور الأساسي في تهجير كتلة بشرية كبيرة جدا كانت حاسمة لنهوض مشروع كيان الاحتلال".

كما تحدث شاكر عن الدول التي عملت على توجيه هذا المكون النازح صوب فلسطين من خلال إغلاق الأبواب الهجرة في وجه بعض الأعداد من اليهود، معتبرا أن هذا معطى آخر وينطبق على دول أوروبية غربية.

تخليص أوروبا من اليهود

وقال: "طبيعة تصريح بلفور الذي كان ليس فقط بمثابة وعد بإقامة دولة للصهاينة ولكنه كان بمثابة إشعار لترحيل اليهود من أوروبا سواء أكان هذا مقصود أم غير مقصود، ولكن بمجرد مجاراة الحركة الصهيونية في مشروعها كان على حساب مصالح الاستقرار اليهودي في أوروبا في الأوطان الأوروبية لليهود وهذا أيضا يؤخذ بعين الاعتبار".

وأضاف: "مشروع دعم الاحتلال في فلسطين تعاقبت عليه جملة من المصالح المتعددة حيث حظي المشروع برعاية أقطاب النفوذ الدولي في مراحل عدة بشكل كبير وبالتالي هو عبارة عن نسخة استعمارية محدثة، ومن جانب آخر يعبر عن مصالح قوى النفوذ الدولي في المشهد العالمي وفي السياق التاريخي، وبمجرد انتفاء الدور البريطاني، صعدت أدوار أخرى خاصة دور الولايات المتحدة الأمريكية".

بريطانيا والحركة الصهيونية

وتابع: "الوعد وعد بريطاني وجاء لمصالح استراتيجية بريطانية بالشراكة مع الحركة الصهيونية، ولا بد أن يكون واضحا أن لبريطانيا دورا في انتقال الفكرة الصهيونية الكلاسيكية التقليدية إلى منظمة ناشطة في نهاية القرن التاسع عشر على النحو الذي كان من انعقاد مؤتمر الحركة الصهيونية في بازل عام 1897، والذي كان بدعم واضح من قوى في بريطانيا المعبرة عن التيار البروتوستانتي الصهيوني".

وفيما يتعلق بإصدار الوعد ذاته، أكد شاكر أن الوعد كان ترتيب بريطاني بحت وليست مسألة شراكات دولية ولكن تمكين هذا الوعد في التنفيذ كان واضحا من خلال الإشارة إلى هذا الوعد أو مضامينه في وثيقة الانتداب كان كذلك تعزيز للانتداب البريطاني لهذا المشروع من خلال عصبة الأمم.

وأشار إلى "التواطؤ الدولي مع هذا المشروع البريطاني من وقت لآخر واستصحاب فكرة خطة "سايكس بيكو" عمليا كان لها اثر مهم جدا في هذا الترتيب، لأن نهجها هو تقاسم منطقة بين جهتين استعماريتين هما الأبرز في ذلك الوقت وضمن هذا الترتيب جاء صدور وعد بلفور الذي عمليا كان قبل احتلال فلسطين بوقت وجيز للغاية".

حق الشعب الفلسطيني

وحول مقاضاة بريطانيا على هذا الوعد، رأى الخبير في الشؤون الدولية والأوربية أنه من "حق الشعب الفلسطيني أن يطالب بحقوقه بشكل كبير وثمة عبء تاريخي كبير واقع على بريطانيا من وجوه عدة لا يتعلق الأمر فقط بصدور هذا الوعد ولكن بوجود مشروع دؤوب جدا بإقامة مشروع إحلالي في فلسطين".

وقال: "بريطانيا بصفتها الدولة المحتلة التي أشرفت على مشروع تغيير التركيبة السكانية بشكل منهجي لصالح وجود استعماري احلالي مسلح، وفي الوقت ذاته كانت نكبة فلسطين عمليا تصنع بشكل متدرج إلى أن حانت لحظة المغادرة الفلسطينية لفلسطين وكانت هذه لحظة تتويج للمشروع وقيام نكبة 1948".

بريطانيا والمسؤولية القانونية

وأضاف شاكر أن "بريطانيا عليها مسؤوليات مغلظة على الشأن الفلسطيني تتعلق بالوعد بما جرى خلال 30 عاما من الاحتلال البريطاني أو ما سمي لاحقا بالانتداب وبما يتعلق بالنكبة الفلسطينية وترك الشعب الفلسطيني مكشوفا لهذا التوسع الذي تم وهذا القضم للأراضي وهذا الاحلال وكان هذا احد تجليات الثقافة الاستعمارية ".

وتابع: "الجانب القانوني لهذه المسألة يبقى قائما وهذا يحتاج إلى جهود قانونية تخصصية سواء تعلق الأمر بعموم القضية أو خصوصية بعض الملفات وذلك لوجود ملفات تفصيلية خاصة في هذا الأمر".

ويرى المختص في الشؤون الأوروبية والدولية، أن هذه القضايا قابلة لأن تُنظر وتُحلل، قائلا: "لا يجب الاختصار على قضية عامة اسمها صدور وعد بلفور ولكن بالأساس ثمة حاجة إلى النظر في تفاصيل طبيعة الممارسات في العهد البريطاني وهذا ينبغي أن يتجاوز مجرد التفكير القانوني للمساءلة التاريخية إلى فتح الملفات إلى تشكيل لجان دولية متخصصة".

وأكد شاكر أن هناك خبراء قانونيون بحثوا في ملفات ذات صلة، مطالبا بجهود منهجية أكثر من أجل التنقيب عن تفاصيل الأدوار الاستعمارية في فلسطين بما فيها الدور البريطاني لوضع الحقائق بيد الأجيال وإحداث الإنصاف التاريخي، وكذلك إيجاد نوع من الاستعادة لفلسطين التي ينبغي أن تكون ضمن جهود العدالة الدولية.

فعاليات في الذكرى الـ104

من جهته أعلن رئيس مؤسسة مؤتمر فلسطيني أوروبا أمين أبو راشد، عن سلسلة تحركات ستقوم بها مؤسسته في ذكرى مرور 104 سنوات على جريمة بلفور في العديد من العواصم الأوروبية لإيصال رسالتها عن مدى الظلم الذي وقع على الشعب الفلسطيني جراء هذا الوعد.

وقال أبو راشد إن "الشعب الفلسطيني عانى وما يزال يعاني كل أشكال القتل والتهجير والتشريد والحصار، ومصادرة كافة الحقوق التي تحفظها له عموم القوانين الدولية والشرائع الإنسانية بسبب هذا الوعد المجحف".

وأوضح أن مؤسسة مؤتمر فلسطيني أوروبا أحيت هذه الذكرى في عموم قارة أوربية من خلال وقفات احتجاجية أمام السفارات البريطانية في عشر دول أوروبية في ذات التوقيت وهي: ألمانيا، أوكرانيا، إيرلندا، إيطاليا، بلجيكا، بولندا، الدانمارك، السويد، سويسرا، وهولندا.

وقال إن "هناك مذكرات ورسائل تم توجيهها إلى الحكومة البريطانية بمطالبتها بالاعتذار عن تصريح بلفور وتعويض الشعب الفلسطيني، وكذلك سيتم مخاطبة المسؤولين الأوروبيين حول تبعات تصريحات بلفور الكارثية على الشعب الفلسطيني وتحميل بريطانيا المسؤولية عن ذلك".

وأضاف الناشط الفلسطيني: "تأتي هذه الوقفات ضمن مجموعة من الأنشطة والفعاليات السياسية الهادفة إلى توحيد وتنسيق جهود المؤسسات والفعاليات على امتداد القارة؛ بغية توظيفها في تأثير أوسع ونفاذ أكبر داخل المجتمعات الأوروبية ودوائر صناعة القرار السياسي في القارة الأوروبية، بحسب المؤتمر".

وأشار إلى أنه سيكون هناك حملة إعلامية باللغات الأوروبية حول تصريح بلفور وأثاره الخطيرة على القضية الفلسطينية باعتباره "جريمة ممتدة".

وأوضح أن هذه العرائض المقدمة، ستطالب صناع القرار في بريطانيا بتقديم اعتذار رسمي عن هذه الجريمة، وتعويض المتضررين بسببها

المصدر: قدس برس


: الأوسمة



التالي
القره داغي يصل إلى “قبردينو بلقاريا” وسط استقبال رسمي
السابق
"سمات الخطاب الإسلامي" مؤتمر للاتحاد العالمي بالقاهرة

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع