البحث

التفاصيل

البيان الختامي للمؤتمر الدولي: الأديان السماوية ودعوتها الى التعايش السلمي

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين.

 

البيان الختامي للمؤتمر الديني الدولي:

الأديان السماوية ودعوتها الى التعايش السلمي، والاعتدال، وحسن الجوار

مدينة نالتشيك /30/  أكتوبر 2014

 

نقر نحن - المشاركين ممثلي الديانة الإسلامية في مؤتمر حوار الأديان الدولي : "الأديان السماوية ودعوتها الى التعايش السلمي، والاعتدال ، وحسن الجوار" - ، نؤمن جميعاً بأن الأديان السماوية تدعو إلى كرامة الإنسان وحقوقه وإلى التعايش السلمي ، وأن مصدرها واحد، وملتها هي ملة إبراهيم أبي الأنبياء بمن فيهم موسى ، وعيسى ، ومحمد المصطفى عليهم السلام جميعاً. ولدينا الكثير من القواسم المشتركة ، وبخاصة في مجال حل المشاكل الاجتماعية.  

 وقد دلت النصوص الكثيرة من القرآن والسنة على المشتركات الكثيرة بين جميع البشر ، منها أنهم جميعاً من التراب والأرض ، ثم من آدم ، وحواء ، وان رحم الإنسانية يشملهم فقال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) [النساء : 1] كما أن الله تعالى أودع في كل واحد منهم منذ الخليقة نفخة من روحه فقال تعالى : (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ ) [السجدة :7- 9] فالبشر جميعاً مشاركون في كل هذا ولذلك لا يجوز الاعتداء على أي نفس فقال تعالى : (أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ [المائدة : 32] .

 ولكن المشتركات بين المسلمين وأهل الأديان السماوية أكبر وأكثر حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد فرحوا حينما هزم الروم المسيحيون المشركين المجوس، كما حزنوا لهزيمة الروم، حتى يجتمع أهل الأديان ويتعاونوا أكثر لخدمة التعايش والتنمية وخدمة الانسانية .

ونحن على يقين بأن إحراز التقدم في مجال العلاقات العامة، لا يمكن دون إحياء وتعزيز المبادئ الأخلاقية في الإنسان. تلك المبادئ التي وضعها الخالق. كما لا يمكن إحراز تقدم دون أن يتدبر الإنسان ويعي مهمته على هذه الأرض، ومسؤوليته أمام الخالق، عن مصيره وعن حياة الآخرين، وعن البشرية والعالم أجمع. فإدراك الإنسان لمهمته ومسؤوليته يولد مفهوم الواجب الأخلاقي ومفهوم الشرف والكرامة، ويربي في الإنسان السمات العالية النبيلة.

وهذا ما ظهر في إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام (1990)، الذي اعتمدته جميع الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي  ، بعد عرضه على المجامع الفقهية وكبار العلماء وموافقتهم عليه، حيث نصت المادة (1) على : ( أن البشر جميعاً أسرة واحدة ) ونصت المادة (2) على : ( الحياةهبة الله وهي مكفولة لكل إنسان ...  والمحافظة علي استمرار الحياة البشرية إلى ما شاء الله واجب شرعي " ونصت المادة (3) على أنه : ( لا يجوز قتل المدنيين ) كما نصت المادة (4) على أنه : ( لكل إنسان حرمته والحفاظ على سمعته في حياته ، وبعد مماته).

 ونحن المسلمين نؤمن بأن الله خلق الأرض لجميع البشر وسائر المخلوقات ، وليس للمسلمين وحدهم ولا لليهود أو النصارى فقط ، فقال تعالى : ( وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ ) [الرحمن : 10] أي لجميع الخلق ، وحينئذ يجب التعايش بعدل وسلام ، دون ظلم أو تعدّ على حق الآخر ، كما أن النصوص الشرعية تدل على أن الاختلاف في الألوان والأقوام والأفكار والأديان من سنة الله تعالى فقال تعالى : (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ) [هود :118- 119] فالله خلق الناس ليتحد بعض الناس على دين معين ، ويختلف الآخرون ، ولذلك لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ، أو في فرض فكر على آخر فقال تعالى : (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ ) [البقرة : 256] وقال تعالى : ( فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ ) [الكهف : 29] وقد نصت المادة (10) من إعلان القاهرة : ( الإسلام دين الفطرة ، ولا يجوز ممارسة أي لون من الإكراه على الإنسان أو استغلال فقره ، أو جهله على تغيير دينه ) .

ونحن نرى أن الهدف الذي يجب أن يجمعنا كلنا هو القيم السامية والخلق القويم، ونشر الخير والتقوى وإنكار الشر بكل أنواعه ومظاهره. فالديانة الإسلامية تعارض تلك الرذائل الاجتماعية والشخصية مثل : الكذب ، والخيانة ، والغش والتدليس ، والايذاء وكل ما يضر بالانسان في دينه ، ونفسه ، وعقله وماله ، ونسله وعرضه ، مثل : شرب الخمر،  وتعاطي المخدرات ، والنمط الخليع الفاجر في الحياة. والأديان السماوية تنفر من  الجبن ، وتغذي في الإنسان سجية الشجاعة الإيجابية دون التهور، وتدعو إلى علاقات صحيحة تجاه الأسرة والأطفال، كما تحض على إسعادها والعناية بها، وتحمل مسؤولياتها. وتدعو إلى حب الوطن والوعي بضرورة دعم الوطن والدفاع عنه.

 إن الإسلام أولى عناية قصوى بالرحمة والرأفة والجوانب الإنسانية حتى حصر الله تعالى مهمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في نشر الرحمة وتحقيقها فقال تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ [الأنبياء : 107] وأن على المسلم الملتزم أن يبدأ كل أنشطته بذكر الرحمن الرحيم فيقول عند البدء بصلاته ، وجميع أعماله : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) وأن الله تعالى كرر هذه الصفة مئات المرات في القرآن الكريم ، ووصف نفسه بأنه الرحمن الرحيم ، الرؤوف الرحيم ، الرب الكريم .

 كل ذلك حتى يكون المسلم رحيماً بكل شيء في هذا الكون رفيقاً مشفقاً عليه محافظاً ، ولأجل هذه الرحمة دخلت امرأة عاصية الجنة لأنها سقت كلباً عطشان ، ودخلت امرأة مسلمة أخرى النار بسبب أنها حبست هرة حتى ماتت من الجوع - كما وردت هاتان القصتان في كتب السنة بسند صحيح -

 فإذا كان حبس هرة موجباً للنار فما ظنكم بحبس إنسان أو قتله ، أو تعذيبه ؟ وهذا ما نصت عليه المادتان 20و21 من إعلان حقوق الإنسان الإسلامي .

 إن القرآن الكريم قد دعا الناس جميعاً إلى الدخول في السلم والسلام فقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ) [البقرة : 208] وقال سبحانه : (وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) [الأنفال : 61] وقد جاءت هذه الآية من سورة الأنفال بعد الآية 60 الداعية إلى إعداد القوة حتى تمنع الحرب ، ما يسمى في العالم العسكري بنظرية الردع ، وهذا أكبر دليل على أن الإسلام هو دين السلم والسلام ، وأن أحد أسماء الله تعالى المكرر في القرآن الكريم هو ( السلام ) وأن تحية المسلمين السلام ، وأن نهاية الصلاة وهي الركن الثاني الأهم في الإسلام بأن يسلم المصلي بالسلام على من في يمينه ويساره من الإنسان وجميع المخلوقات ، أي يعطي العهد بعد هذا الاتصال مع الله تعالى بأنه يكون سلماً وسلاماً ولا يؤذي أحداً إلاّ من باب الدفاع ودرء الضرر والأذى.

 وبناء على المبادئ الثابتة في القرآن فإن الجهاد في الإسلام ليس خاصاً بالقتال ، بل هو شامل لبذل كل ما في قدرة الإنسان لخدمة الدين والوطن والإنسان ، وأن الجهاد بمعنى القتال لا يجوز لأجل الهيمنة والجاه والمال والتعدي ، وإنما يجب أن يكون في سبيل الله ، وأنه في هذه الحالة للدفاع ودرء العدوان والضرر ، فلا توجد آية في القرآن الكريم - حتى ما سُميّ بآية السيف - إلاّ وهي مقيدة برد العدوان وبعدم التعدي على حقوق الآخرين ، فقال سبحانه فيما سماه البعض بآية السيف : ( وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً ) [التوبة : 36] فالآية خاصة بالمشركين المعتدين ، وأنها واضحة في رد العدوان ، لأنها تقول : ( كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً ) أي فهي رد بالمثل.

والحق أن القرآن الكريم لخص علاقات الدولة الإسلامية بغيرهم في ثلاث آيات ، وهي: (عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الممتحنة : 7- 9] .

 إننا نعتقد أن أول دستور مكتوب يعطي حقوق المواطنة الكاملة لغير المسلمين هو دستور المدينة الذي ذكرته كتب السنة وسمته بصحيفة المدينة أو وثيقة المدينة حيث جمع الرسول صلى الله عليه وسلم ممثلي اليهود ، والوثنيين بالمدينة في السنة الأولى من الهجرة عام 623م ، وكتب لهم هذه الصحيفة التي تتكون من 52 مادة ، تتعلق 25 منها بتنظيم أمور المسلمين ، و27 مادة تتعلق بشؤون غير المسلمين حيث سمح لجميع أهل الأديان الأخرى بالعيش بسلام ، وحرية في  إقامة شعائرهم ، كما أوجب عليهم حقوق المواطنة من الدفاع ، حيث نصت إحدى موادها على : ( وان بينهم - أي بين المسلمين واليهود - النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والنصيحة والبرّ دون الاثم) يراجع لنصوص وثيقة المدينة : كتب السنة والسيرة ، مثل سيرة ابن هشام ط. دار الفكر بدمشق ، والسيرة النبوية لابن كثير ط. مكتبة المعارف ببيروت ويراجع لتحقيقها والحكم على صحتها : الأستاذ محمد حميد الله ، مجموعة الوثائق السياسية ص39-41 وأ.د. أكرم ضيلء لبعمري : السيرة النبوية الصحيحة ط. مركز بحوث السنة والسيرة بجامعة قطر 1411هـ (1/272-281) .

 إن الإسلام بما أنه جاء رحمة للعالمين ومن رب العالمين أمرنا بالخطاب الجميل ، والكلمة الطيبة ، وبالحكمة والموعظة الحسنة ، وبالحوار بالتي هي أحسن فقال تعالى : ( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) [النحل : 125] بل أكد ذلك فقال : (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) [العنكبوت : 46] فهو يحارب خطاب الكراهية والحقد وإثارة الحساسيات ، والدخول في النيات وما  وراء الظاهر ، وذلك لأن واجب المسلم هو الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة ، وحوار الآخر بالتي هي أحسن حتى إن بعض العلماء يقولون لو وجد طريقان للدعوة إلى الله تعالى ، طريق حسن ، وطريق أحسن لما جاز للسلم أن يأخذ بالطريق الحسن ، بل عليه ان يتخذ الطريق الأحسن ، لأن الله تعالى أمر بالجدال بالتي هي أحسن  ، ونهى عن غير ذلك .

 إن الإسلام يرفض الموقف العدائي من غير المسلمين ، بل يدعو إلى التعايش والسعي إلى التعاون على كل ما يحقق الخير للجميع فقال تعالى : ( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) [المائدة : 2] وهنا يلاحظ أن الله تعالى لم يحدد لنا الطرف الذي نتعاون معه مسلماً أو غير مسلماً ، وإنما المهم أن يكون التعاون لأجل الاحسان والبر والتقوى .

 إن القرآن الكريم - لو قرئ بتدبر- لوجدناه سفراً عظيماً في الحوار ، وكأنه كتاب حوار في معظم آياته ، بل شمل هذا الحوار بأسلوب راق ، الحوار بين الله تعالى وبين الشيطان ، حيث أعطاه الله تعالى المجال لأن يقول ما يريد ، ويطلب ما يريد ، واستجاب الله تعالى لبعض ما يريد فقال الشيطان : (قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ) [ص : 79- 81] ثم هدد وقال: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص: 82- 83] وكذلك حواره مع الملائكة، وحواره مع الأنبياء والرسل ثم حوار الرسل مع الطواغيت.

 من كل ذلك يفهم بوضوح أن الحوار فريضة شرعية وضرورة مدنية وحضارية ، وأنه السبيل الصحيح والصراط القويم لحل جميع المشاكل بين الإنسان وأخيه الإنسان مهما كانت هناك اختلافات وعقبات.

 إن أسس المجتمع الإسلامي تقوم على الاخوة الايمانية ، والعدل ، والشورى والتعاون على البر والتقوى ، وطاعة الله ورسوله ، واحترام أوامر ولي الأمر بالمعروف وعدم إثارة الفوضى والفتنة بين الناس .

 إن القرآن الكريم دعا المسلمين جميعاً أن يكونوا قدوة في الإحسان والخير والابداع والأخلاق الراقية والقيم النبيلة في جميع الأحوال ، مع المسلمين ومع غيرهم ، وخصص سورة كاملة لأحد الأنبياء الذي عاش بين غير المسلمين ، وسجن ظلماً ، ومع ذلك قدّم لهم خدمات جليلة ، بل أنقذهم من الهلاك المحقق بفضل الله تعالى، إنه سيدنا يوسف عليه السلام حيث وضع خطة محكمة لمدة 14 سنة وقام على رأسها ونفذها ، وأصبح بمثابة رئيس الوزراء في دولة غير مسلمة ، فوثق به ملك مصر في ذلك العصر ، وقال : ( إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ ) [يوسف : 54] ولما علم سيدنا يوسف بان هذه الخطة لن يستطيع أحد أن ينفذها إلاّ هو وطلب الوزارة والحكم لنفسه فقال : (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ) [يوسف : 55] وقد أكد الله تعالى بأن هذا التمكين منه فقال : (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) [يوسف : 56] .

 فرسول الله يوسف بن يعقوب قدوة الأقليات الإسلامية في البلاد غير الإسلامية وفي ولائهم للوطن ، وفي خدمتهم لأهله ، وفي مشاركتهم في الابداع وتقدم الوطن ، وفي احترامهم للقوانين التي تنظم الأمور ، وفي الحفاظ على الأمن العام للوطن والمواطن ، حيث يجب المسلم أن يكون وفياً لمن أحسن إليه (هَلْ جَزَاء الْإِحْسَان إِلَّا الْإِحْسَان) [الرحمن : 60] ومصلحاً باراً .

 إن المسلم الذي يعيش في أي بلد كان مرتبط بأنظمة البلد التي تعدّ بمثابة العقد الاجتماعي الذي ينظم العلاقات ، والعهد الذي التزم به الجميع ، والعقد الذي ينظم الحقوق والواجبات ، ولذلك يجب احترامها ما دامت لا تتعارض مع نص قطعي فقال تعالى: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً ) [الإسراء : 34]  وقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ) [المائدة : 1] وإذا وجدت الأقلية قانوناً ملزماً مخالفاً فعليهم التعبير عن ذلك بأسلوب سلمي حضاري ، وهو الحوار بالتي هي أحسن دون إثارة المشاكل والاضطرابات وسفك الدماء ، فواجب المسلم هو النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بقدر الامكان ، كما أن رعاية الزمن والتدرج ، وعدم الاستعجال مطلوبة في الاسلام .

 إن الإسلام - في جوهره و حقيقته ، وفي غاياته ومقاصده في العقائد والعبادات وسائر شعائره وأوامره ونواهيه - يريد تكوين الفرد الصالح المنتج، والأسرة الصالحة السعيدة، والمجتمع الصالح القوي، والأمة الصالحة الخيرة ، والدولة الصالحة العادلة ، ولذلك ربط بين العقيدة والعبادات وبين فعل الأعمال الطيبة ، والأنشطة النافعة ، وترك المنكرات والاعتداءات، وما يضر أي شخص.

 وقد لخص الله تعالى مقاصد هذا الدين في قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) [النحل : 90] وقوله تعالى : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) [الأعراف : 157] وقال تعالى في الصلاة التي هم الركن الثاني من أركان الإسلام: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) [العنكبوت : 45] وقال تعالى في الزكاة : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا ) [التوبة : 103] وقال في الصوم: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) [البقرة : 183] أي تتقون الله في ترك المعاصي وفعل المنكرات، وقال في الحج: (فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ) [البقرة : 197] فالله تعالى غني عن عباده وعن عبادتهم ، ولكن فرض الله عليهم العبادة لإصلاحهم، ولتحقيق الخير لهم في الدنيا والآخرة.

 فالإسلام يريد أن يجمع بين الشعائر التعبدية والفضائل والأعمال، ويربط بينهما، وان يغير الداخل إلى ما هو الأحسن، فيصبح القلب سليماً، والنفس مطمئنة لوامة على فعل الشر، والروح سامية، والعقل مبدعاً.

 إن الغاية من خلق الله الإنسان هو تعمير الكون بما يحقق الخير للبلاد والعباد فقال تعالى : (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ) [هود : 61] حتى قال العلماء: إن هذه الآية تدل على أن تعمير الأرض فريضة شرعية ، وضرورة لبقاء الإنسان وتطوره، ولذلك زوّد الله تعالى هذا الانسان بكل الأسباب التي تحقق له هذا الغرض من العلم الذي هو مفتاح التقدم والحضارة ومن القدرة والإرادة، والعقل العظيم.

 لذلك يجب على المسلمين بمن فيهم الأقليات ان يكونوا في القمة من حيث العلم والابداع لتحقيق التنمية الشاملة والحضارة الجامعة النافعة .

 إن الإسلام هو دين الوسطية والاعتدال في جميع تشريعاته وأنشطته ، وأحكامه فقال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) [البقرة : 143] وهكذا كان منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في تعامله مع الناس، ومع صحابته، ومع المنافقين، والمشركين وغيرهم فأمرهم بالرفق والاعتدال ونهاهم عن العنف والغلو في الدين وعن التشدد والعسر فقال تعالى: ( يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) [البقرة : 185] وقال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ) [النساء: 171] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما بُعثت بالحنيفية السمحة) رواه الطبراني في الأوسط، ويراجع: السيوطي في الاشباه والنظائر ص161 ولما سئل صلى الله عليه وسلم: أي الأديان أحب إلى الله ؟ قال: (الحنيفية السمحة) رواه البخاري في الأدب المفرد، يراجع كشف الخفاء (1/52-53) والمقاصد الحسنة ص185 وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الدين يسر ، ولن يشاد الدين أحد إلاّ غلبه ، فسددوا وقاربوا وأبشروا) صحيح البخاري كتاب الايمان مع الفتح (1/93)  والأدلة على ذلك أكثر من أن تحصى في هذه الوثيقة.

 

وهنا أيضاً نؤكد على ما يلي:

أولا: أن إحداث الفرقة والفتنة بين المسلمين لمن أعظم الكبائر عند الله تعالى بإجماع المسلمين، وتدل على خطورة  ذلك مئات من الآيات الكريمة، والأحاديث النبوية الشريفة، منها قوله تعالى }والفتنة أشد من القتل{ ]البقرة الآية 191[، وقوله تعالى: } والفتنة أكبر من القتل { ]البقرة الآية 217[، وقوله تعالى في الوحدة، والعذاب العظيم للذين يتسببون في الفرقة: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾، ]آل عمران الآية103-105[، ولذلك تدعو الوثيقة هؤلاء الإخوة المعارضين أو المسلحين إلى الوحدة والتصالح والعودة إلى أحضان الأمة، والقيام بالدعوة والتربية. ثانيا: إن قتل المسلمين من أهل القبلة لمن أعظم الكبائر بإجماع المسلمين، مستندا على النصوص القطعية في الكتاب والسنة، منها قوله تعالى: ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها، وغضب الله عليه ولعنه، و أعد له عذابا عظيما ) سورة النساء الآية 93، فلننظر إلى أن الله تعالى رتب على قتل مؤمن متعمدا خمس عقوبات عظيمة للقاتل، وهي: 1- جزاؤه جهنم، 2- الخلود فيها، 3– غضب الله عليه، 4– لعنته عليه، 5– إعداد العذاب العظيم له.  وروى البخاري في صحيحه وأحمد بسندهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما)، وقد ورد في حديث صححه الأئمة أن الشيطان يتوج جنديه الذي يوسوس له في قلب شخص حتى يقتل شخصا، فيقول: ( أنت أنت ويلبسه التاج ) رواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي.

ثالثا: أن إعلان الجهاد - بمعنى القتال – ليس من حق شخص أو مجموعة، أو جماعة، وإنما هو حق الأمة جمعاء، وأنه لا يجوز الإعلان عليه بإجماع المسلمين إلا في حالة الدفاع عن النفس، وطرد الغزاة المحتلين كما في فلسطين. ولو قرأنا جميع آيات الجهاد والقتال في سورة التوبة لوجدناها تؤكد على أن القتال إنما يوجه ضد المعتدين والمتربصين الأعداء، وأن الجهاد والقتال هو للدفاع وليس للهجوم وبناء على ما سبق نؤكد على ما يلي:

 إن عمليات القتل والاغتيالات والتفجير التي تحدث في بعض البلاد عمليات محظورة شرعاً، وغير مقبولة عقلاً، ولا تتفق مع أحكام الإسلام ومبادئه، بالإضافة الى أنّها تشوه صورة الإسلام، وتعطي مبررات للأعداء للهجوم على الإسلام ووصفه بالإرهاب والقسوة وبالتالي عدم انتشاره، وحينئذ أصبحت هذه الأعمال مع حرمتها تصبح حاجزاً أمام انتشار الإسلام، وفتنة لغير المسلمين.  إن إطلاق اسم الجهاد على هذه التفجيرات التي توجه نحو المدنيين مسلمين أو غير مسلمين، ظلم كبير وتشويه خطير لهذا المصطلح الإسلامي الجميل الذي يراد به استفراغ الجهد لنشر الدعوة، وإصلاح الناس، والدفاع عنه بجميع الوسائل، في حين أن هذه العمليات تدخل فعلاً ضمن العنف المحظور والإرهاب المحرم، والاعتداء الجائر، والظلم البين بحق من يقتل من الأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء، فقال تعالى في بيان حرمة الاعتداء على النفس الإنسانية مطلقاً بدون حق ﴿ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ، ويقول تعالى ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾.

ويقول الرسول الكريم في حديث صحيح متفق عليه : ( فإن دماءَكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا" (صحيح البخاري - مع الفتح – 1/145، 146، 8318) ومسلم (1679)..

من المعلوم في الشريعة الإسلامية بداهة أن حقوق الناس مصانة محفوظة لا يجوز الاعتداء عليها، وأن الحسنات حتى الجهاد والاستشهاد في سبيل الله لن تكون كفارة وإزالة لحقوق الناس، فقد ورد في الحديث الصحيح أن أبا قتادة قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن قُتلتُ في سبيل الله أتكفر عني خطاياي، فقال رسول الله: "نعم وأنت صابر محتسب غير مدبر إلا الدّين، فإن جبريل قال لي ذلك" رواه مسلم الحديث (2581).

رابعا: التكفير والتفسيق لقد أرسل الله تعالى رسوله إلى الناس كافة بالهداية والرحمة والشفاء، وجعل أمته خير أمة أخرجت لمنفعة الناس ودعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، وهدايتهم وخدمتها، وتحقيق العدل بينهم والدفع، والدفاع بالتي هي أحسن.  إن تكفير أحد من أهل القبلة ليس من منهج أهل السنة والجماعة والسلف الصالح من العلماء والفقهاء الربانيين، بل هو منهج الخوارج الذين قالوا بتكفير أهل الكبائر، رداً على المرجئة الذين قالوا بعدم ضرر المعاصي كبيرة أو صغيرة مع الإيمان، فكلاهما منهج خطأ مخالف لنصوص الشريعة من الكتاب والسنة، وإنما الصواب هو المنهج الوسط الذي اتخذه أهل السنة والجماعة معتمدين على الجمع بين جميع النصوص المعتمدة، وهو أن المؤمن المرتكب للكبيرة – ما عدا الشرك – ليس بكافر، ولكنه عاص يستحق العذاب، وأمره الى الله تعالى، قال تعالى:﴿ إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ سورة النساء الآية 116 . وقد ذكر الإمام الشوكاني في خطورة التكفير في عصره في كتابه السيل الجرار على حدائق الأزهار (1/981) فقال: "وها هنا تُسكب العبرات ويُناح على الإسلام وأهله بما جناه التعصب في الدين على غالب المسلمين من الترامي بالكفر لا لسنّة ولا لقرآن، ولا لبيان من الله ولا لبرهان، بل لما غلَت به مراجلُ العصبية في الدين وتمكّن الشيطان الرجيم من تفريق كلمة المسلمين، لقّنهم الزامات بعضهم لبعض بما هو شبيه الهباء في الهواء والسراب بقيعة، فيا لله والمسلمين من هذه الفاقِرة التي هي أعظم فواقر الدين والرزّية التي ما رُزئ بمثلها سبيل المؤمنين..." ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (12/466): "وليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين، وإن أخطأ وغلط، حتى تقام عليه الحجة، وتبين له المحجة، ومن ثبت إسلامه بيقين، لم يزُل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة، وإزالة الشبهة"، وقد صدرت قرارات من المجامع الفقهية وهيئات كبار العلماء في العالم بعدم جواز تكفير أي احد من أهل القبلة ولو كان عاصيا.

خامسا: موضوع دار الحرب ودار الإسلام

إن من المعلوم فقها أن مصطلح دار الحرب ودار السلام مصطلح فقهي ليس واردا في الكتاب والسنة، ولذلك ذهب جمع كبير من الفقهاء القدامى إلى وجود نوع ثالث وهو دار العهد، وهي حسب مصطلحاتنا المعاصرة الدول التي لها علاقات دبلوماسية مع الدول الإسلامية، لأن من المعلوم فقها ودليلا وحجة أن الإسلام  يحافظ على عهود الدولة ومواثيقها، بل حتى من أفرادها، حيث قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: " ... وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ .."، فقال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾، المائدة، الآية 1، وقد اتفق الفقهاء على أن المنطقة، والدولة، التي يعيش فيها المسلمون، والتي تقام فيها شعائر الإسلام، وأحكامه، وأن أهله يتمتعون بالحرية الدينية لا تعتبر دار حرب، بل تعتبر دار إسلام  وسلام، حتى ولو كانت هناك هيمنة عليها من دولة غير مسلمة، حيث صدرت فتاوى من كبار فقهائنا السابقين عن هيمنة المغول والتتار على بعض البلاد الإسلامية التي حافظت على إسلامها.  وبناء على ذلك وعلى أدلة معتبرة، يرى الموقعون على هذه الوثيقة أن جمهورية داغستان ونحوها من الجمهوريات التي يعيش فيها المسلمون ويتمتعون فيها بحريتهم الدينية، وتقام فيها الشعائر والأحكام ليست من دار الحرب أو العهد، وإنما هي من دار الإسلام والسلام، فلا يجوز إعلان القتال فيها ضد المسلمين، كما أنه لا يوجد أي مسوغ شرعي لذلك.

 والخلاصة أن الإسلام هو دين الأخلاق والقيم من الرحمة، والعدل، والشورى، والعزة، والكرامة، والعلم والأمانة، والتنمية والحضارة، وهو دين يدعو إلى الاخوة الإنسانية الجامعة، وإلى رفع الظلم والعنصرية ، وإلى إزالة الضرر والتعسف في البلاد وعن العباد ليعيش الناس بأمن وأمان وسكينة في الداخل، وباستقرار في الخارج لتتحول الدنيا إلى دار السلام في الدنيا للوصول إلى جنة السلام في الآخرة، ثم في ظل ذلك يكون التنافس على فعل الخيرات وتحقيق الحضارات فقال تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) صدق الله العظيم [التوبة : 105].

 

وأخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

كتبه الفقير إلى ربه

أ.د. علي محيى الدين القره داغي

الأمين العام

 

 

 





التالي
كلمة الأمين العام في المؤتمر العالمي: الأديان السماوية ودعوتها إلى التعايش السلمي
السابق
فتـــوى في شمول مصطلح " دار السلم والإسلام " لقبردينو بلقاريا ونحوها

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع