الرابط المختصر :
حقيقية وحدانيته سبحانه وتعالى
د. زغلول النجار
قال تعالى: *وَالصَّافَّاتِ صَفًّا * فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا * فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا * إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ * رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ * إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ * فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ* (الصافات: 1-11).
في هذه الآيات يقسم ربنا تبارك وتعالى بجماعات وطوائف ثلاث من خلقه على حقيقية وحدانيته سبحانه وتعالى، ثم تنتقل الآيات إلى شئ من صفات هذا الخالق العظيم فتقول: *رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ* (الصافات: 5)، وهذه البينية الفاصلة بين السماوات والأرض جاءت في عشرين موضعاً من القرآن الكريم لتشير إشارة ضمنية رقيقة إلى مركزية الأرض من السماوات، وهي حقيقة لا يمكن للإنسان أن يصل إليها بجهده، وذلك لمحدودية كل من مكانه وزمانه وقدراته. ثم تستمر الآيات في القول بأن الله تعالى زين السماء الدنيا بزينة الكواكب، والكواكب هي أجسام باردة، معتمة تستمد نورها من أضواء النجوم كالشمس، والكواكب يدور كل منها في مدار محدد له لا ينفك عنه إلى نهاية عمره. وإذا كان للكوكب غلاف غازي فإن أضواء النجوم تتشتت عليه مما يجعلها تنير وتتلألأ على هيئة زينة للسماء، تتغير مواقعها بتغير حركة الكواكب بين النجوم طوال الليل حتى تشرق الشمس، أما الشهب فهي أجسام صغيرة متناثرة توجد في مختلف ضواحي المجموعة الشمسية، ويجري كل منها في مدار محدد له أو دون التزام بتلك المدارات، والشهب تدخل إلى نطاق الغلاف الغازي للأرض بسرعات تتراوح بين ٣٠ -٧٠ كم/ث، ونتيجة لاحتكاكها بالغلاف الغازي للأرض فإنها تحترق وتتسامى مادتها حتى تبدو كمسار ضوئي لامع، فإذا كانت كتلتها صغيرة فإنها تحترق احتراقاً كاملاً ولذلك تسمى "شهاباً"، أما إذا كانت كتلتها كبيرة، وبقيت منها فضلة صلبة سميت "نيزكاً"، وزخات الشهب تحيط بالأرض من جميع جهاتها حيث ينهال منها على الغلاف الجوي للأرض ١٠ زخات كبرى، و٢٧ زخة صغرى على مدار اليوم.
وتذكر الآيات أن الله تعالى حفظ السماء الدنيا من كل شيطان متجرد عن الخير بخروجه عن طاعة الله تعالى، وهؤلاء الشياطين لا يمكَّنون من التسمع إلى الأمر تتحرك به الملائكة في فسحة السماء لأنهم يرجمون بالشهب من كل جانب إذا حاولوا استراق السمع، فيدحرون أي: يطردون ويبعدون بطريقة مستمرة، وقد لا يسع الشيطان من شياطين الجن سوى سلب كلمة من حديث الملائكة وذلك في غير الوحي، ولذلك تصف الآيات هذه العملية بكلمة (الخطف) أي: الاختلاس والأخذ بسرعة وذلك هروباً من أثر الشهب الحارقة لهم والتي تثقُب السماء بنورها.
وعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إن الملائكة تنزل في العنان وهو السحاب، فتذكر ما قُضي في السماء، فتسترق الشياطين السمع، فتسمعه، فتوحيه إلى الكُهان، فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم".
وتختتم هذه المجموعة من الآيات التي جاءت في مطلع سورة الصافات بقول ربنا سبحانه وتعالى: *فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ*، وذلك لأن خلق الإنسان من طين لازب أي: لاصق بعضه ببعض، ليعتبر من أعظم الشهادات على أن الخالق سبحانه وتعالى لا يُعجزه بعث خلقه بعد موته.
الاعجاز العلمي سورة الصافات