نحو صناعة جيل مسلم مؤمن بقضاياه
د. علي الصلابي
الأطفال ثمرة من ثمرات الزواج ومن أهم مقاصده وأهدافه، والأطفال أحد أركان الأسرة وعن طريقهم يتم بقاء النوع الإنساني والجنس البشري، وهم أعظم نِعم الحياة وزينتها، قال تعالى ﴿المالُ والبَنونَ زينةُ الحياة الدّنيا والباقيات الصّالحات خيرٌ عند ربّك ثوابا وخيرٌ أملا﴾ (الكهف، آية: 46).
أولا: البناء العقدي للطفل
من خلال تعامل الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع الأطفال نجد أمورا أساسية في تثبيت الإيمان:
تلقين الطفل كلمة التوحيد.
ترسيخ حب الله تعالى.
ترسيخ حب النبي صلى الله عليه وسلم.
تعليم الطفل القرآن الكريم.
ثبات الطفل على العقيدة والصحبة لها.
وليس الطريق في تقوية الإيمان وإثباته أن يعلم صنعة الجدل والكلام، بل يشتغل بتلاوة القرآن وتفسيره وقراءة الحديث ومعانيه، ويشتغل بوظائف العبادات، فلا يزال اعتقاده يزداد رسوخا بما يقرع سمعه من أدلة القرآن وحجبه، وبما يرد عليه من شواهد الأحاديث وفوائدها، وبما يسطع عليه من أنوار العبادات ووظائفها.
وذلك لأن كل مولود يولد على الفطرة الإيمانية، كيف لا والله يقول ﴿وإذ أخذ ربُّكَ من بني آدم من ظهورهم ذُريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألستُ بربّكم قالوا بلى شَهدنا أن تقولوا يومَ القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين﴾ (الأعراف، آية: 172).
وإذا تأملنا صفحات القرآن نجد أن الرسل والأنبياء يعنون عناية كبيرة بسلامة عقيدة أبنائهم، فمن ذلك قال تعالى ﴿ووصَّى بها إبراهيمُ بَنيه ويعقوبُ يا بَنيّ إنّ اللهَ اصطفى لكم الدّين فلا تمُوتُنّ إلا وأنتم مسلمون" (البقرة، آية: 132).
وهذا لقمان يرعى ابنه فيوصه ﴿يا بُني إنها إن تكُ مثقالَ حبّة من خَردل فتكن في صخرة أو في السّموات أو في الأرض يأت بها اللهُ إنّ اللهَ لطيف خبير﴾ (لقمان، آية: 16).
وإن من اهتمام النبي -صلى الله عليه وسلم- بالأطفال دعوتهم للإسلام دائما، حتى شق طريقه في بناء جيل ضم علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- الذي آمن بدعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يتجاوز سن العاشرة، حتى إنه كان في زيارته وعيادته للأطفال المرضى يدعوهم إلى الإسلام وبحضور آبائهم.
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزرع في نفوس أطفال الأمة حب الله تعالى والاستعانة به ومراقبته والإيمان بالقضاء والقدر، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كنت خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- يوما فقال "يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله، وأعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف"، وفي رواية أخرى "احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك، وأعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا".
فإذا ما حفظ الطفل هذا الحديث وفهمه جيدا لم تقف أمامه عثرة ولم يعقه شيء في مسيرة حياته كلها، فأي تربية هذه -قديمة وحديثةـ تستطيع أن تبلغ من نفس الطفل كما بلغها هذا الحديث؟ إن لهذا الحديث قوة كبيرة على حل مشاكل الأطفال والشباب والكهول والشيوخ بفضل تأثيره وروحانيته، وله القدرة في دفع الطفل نحو الأمام بفضل استعانته بالله ومراقبته له وإيمانه بالقضاء والقدر.
ولا بد من العمل على ترسيخ محبة رسول الله بنفوس الأطفال والشباب ورسم صورته وشخصيته في أذهانهم وعقولهم وتمكين محبة رسول الله بقلوبهم، وتكون شخصية رسول الله هي التي يقتدي بها الأطفال والشباب والمسلمون عموما.
وينبغي لولي الصغير والصغيرة أن يبدأ بتعليمهما القرآن منذ الصغر؛ وذلك ليتوجها إلى اعتقاد أن الله تعالى هو ربهم وأن هذا كلامه تعالى، وتسري روح القرآن في قلوبهم ونوره بأفكارهم ومداركهم وحواسهم، وليتلقيا عقائد القرآن منذ الصغر، وأن ينشأ ويشبا على محبة القرآن والتعلق به والائتمار بأوامره والانتهاء عن مناهيه والتخلق بأخلاقه والسير على منهاجه.
قال ابن خلدون إن تعليم الوالدين للقرآن شعار من شعائر الدين أخذ به أهالي الملة، ودرجوا عليه في جميع أمصارهم؛ لما يسبق إلى القلوب من رسوخ الإيمان وعقائده بسبب آيات القرآن ومتون الأحاديث، وصار القرآن أصل التعليم الذي يبني عليه ما يحصل من الملكات.
وللقرآن الكريم تأثير كبير على النفس البشرية عامة، يهزها ويجذبها ويضرب على أوتارها، وكلما اشتدت النفس صفاء ازدادت تأثيرا، والطفل أقوى الناس صفاء، وفطرته ما زالت نقية، والشيطان ما زال في كبوته تجاهها.
ولا بد من تربية الأطفال والشباب على الثبات على العقيدة والتضحية من أجلها، فالعقيدة تغلو بالتضحية لها، وكلما اتسعت دائرة التضحية قويت النفس على الثبات، ودل ذلك على الصدق، وهي عين الاستقامة، وأطفال الصحابة وشبابهم لا يعرفون تكاسلا ولا تثاقلا إلى الأرض، وإنما يستخدمون شتى الأساليب لكي لا يستصغرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فيردهم عن الجهاد، فتارة يبكون، وأخرى يتوارون، وثالثة يقفون على رؤوس أصابعهم، كل ذلك ليخرجوا إلى الجهاد في سبيل الله وينالوا شهادة في سبيله لا يعدلها أي شهادة في الدنيا على الإطلاق، وبنوا مستقبلا زاهرا خالدا أبديا في جنة عرضها السموات والأرض.
ثانيا: البناء العبادي
الطفولة ليست مرحلة تكليف؛ وإنما هي مرحلة إعداد وتدريب وتعويد للوصول إلى مرحلة التكليف عند البلوغ ليسهل عليه أداء الواجبات والفرائض وليكون على أتم الاستعداد لخوض غمار الحياة بكل ثقة وانطلاق. والعبادة لله تعالى تفعل في نفس الطفل فعلا عجيبا؛ فهي تشعره بالاتصال بالله جل وعلا، وهي تهدئ من ثوراته النفسية، وتلجم انفعالاته الغضبية فتجعله سويا مستقيما، إذ كثافة الشهوات ضعيفة في تلك الفترة، مما يجعل روحه تتجاوب أكثر فأكثر بمناجاة الله، ويأخذ الخشوع المساحة الكبرى من جسده وهو يرتل آية أو يسمعها، أو وهو واقف في الصلاة أو ساجد فيها أو وهو يسمع آذان الإفطار ليبدأ بالطعام والشراب بعد أن صام يومه، وهناك أسرار كثيرة للعبادة لا تعد ولا تحصى تؤثر في الطفل مما يزيد قوته ونشاطه.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "علِّموا الصلاة ابن سبع سنين واضربوه عليها ابن عشر".
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يباشر بنفسه تعليم الأطفال ما يحتاجونه في الصلاة؛ فعن الحسن بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما- قال علّمني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلمات أقولهن في الوتر "اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت".
تدريب الصبي على صلاة الجمعة تحصل له عدة فوائد، منها:
عندما يبلغ يكون معتادا على إقامتها.
تأثره بسماع الخطبة؛ إذ فطرته تكون حساسة لالتقاط أحاديث الإيمان وسيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- تدريب له لسماع العلم.
يألف تجمعات المسلمين ويشعر بدخوله للمجتمع؛ إذ لا بد أن يتعرف على من يعرفهم والده.
على رأي من قال إن الساعة المستجابة في يوم الجمعة هي لحظة الخطبة، فيكون من الحاضرين لهذه الساعة المستجابة التي حدّث عنها الرسول صلى الله عليه وسلم.
تكون تغذية إيمانية وشحنا روحيا على إقامة الصلوات الخمس وطاعة الله بين الجمعة والجمعة.
يتعرف بها إلى علماء الأمة ودعاتها؛ مما له كبير الأثر في كبره فضلا عن صغره.
بصلاة الجمعة يحصل له بناء شخصية بكامل عناصرها العقدية والعبادية والاجتماعية والعاطفية والعلمية والجسمية والصحية.