البحث

التفاصيل

الكهنوت الأكبر

الرابط المختصر :

الكهنوت الأكبر

أ . د مجدي شلش.

الإنسان بطبعه شغوف بمعرفة الأسرار والوقوف عليها خاصة ما يتعلق منها بالحاضر والمستقبل.

أدى هذا إلى أن بعض الأشخاص يمتهنون صنعة وحرفة الكهانة والعرافة سواء بسواء في أمور الدين والسياسة.

أساس عقيدتنا في أمور الغيبيات المتعلقة بالدين

 أنه لا يعلم الغيب إلا الله، أما أمور السياسة فإن إدارة الحاضر  واستشراف المستقبل والتنبؤ به أصبح علما جديرا بالدراسة، لأنها قائمة على فن الممكن، وإدارة المتاح من الموارد.

كهنوت الدين معناه القريب: استئثار مجموعة من رجال الدين بحقائق الأشياء وأسرارها، ومعرفة المستقبل بكل مفرداته الإيمانية بواسطة الجن أو التنجيم أو الهبل والتخريف.

أما كهنوت السياسة فليس أبعد من هذا المفهوم، وإن اقتصر على خصوصية بعض الساسة بزعم أنهم ملهمون أو عباقرة في تدبير مصالح الشعوب، وجبر الناس قهرا وغلبة على صحة هذه التدابير، وفي النهاية يتضح أنهم أقرب لجنون السلطة والقيادة والزعامة.

مارس الكهانة والعرافة رجال الدين اليهودي والمسيحي بكل عنف، وجعلوا من المخالف لمذهبهم الويل والثبور وعظائم الجرائم وقعت باسم الكهنوت.

 وكذا كثير من ساسة الدول مارسوا الكهنوت السياسي بأرائهم الفردية فقتلوا الملايين من البشر تحت زعم المصلحة التي يراها الحاكم، والتاريخ خير شاهد على ذلك.

الكهنوت بمعني استئثار المعرفة والمصلحة ليس خاصا بالدين ومسائله المتعلقة به من عقيدة وعبادة، إنما هو عام يشمل السياسة ومفرداتها، والدين بمفهومه التقليدي القديم.

حصر البعض الكهنوت مفهوما وممارسة على الدين وحده جهل بحقيقة المصطلح وإن درج إطلاقه على رجال الدين، إلا إن حقيقته موجودة في الأمرين معا، فالعبرة بالمعاني لا بالأسماء.

المسلم الذي قرأ بعضا من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يدرك بما لا يدع مجالا للشك أن الإسلام لا يعرف الكهنوت الديني أو السياسي.

فالغيب لا يعلمه إلا الله، ومنه حقائق السمعيات التي أخبر بها الصادق صلى الله عليه وسلم من جنة ونار وثواب وعقاب ووزن وميزان وغير ذلك مما لم نقف على معرفته إلا منه صلى الله عليه وسلم، وليس بطريق الكهنة أو العرافين.

وأما أمور السياسة القائمة على المصالح ودرء المفاسد  فأساس الإسلام فيها الشورى من أهل العلم والذكر، والأدلة من القرآن والسنة النبوية كثيرة  وصريحة في أن الشورى من فرائض السياسة وقواعدها.

القدوة في ذلك ليس  ممارسات الخلفاء من بني أمية أو العباس أو غيرهم وإن كثرت في الاستئثار بالسلطة، وتدبير شئون الأمة بآرائهم الشخصية ومصالحهم الفردية، وتغييب عموم الأمة عن حقهم في المشورة والاختيار ، حتى وإن كانت لهم مفاخر ومآثر في الفتح والرباط والجهاد.

إنما الأسوة في ذلك بعد النص القرآني والنبوي ممارسة الرسول صلى الله عليه وسلم أمور السياسة في السلم من تدبير المعايش وإدارة مفردات الحياة والحرب بداية ونهاية بالشورى، وشواهد ذلك لا تخفي علي مسلم متوسط الفهم، فضلا  عن قليله.

تنحية الإسلام عقيدة وشريعة عن واقع الحياة بكل مفرداتها ومنها السياسي والاقتصادي والعسكري الجهادي جريمة يرتكبها جهلة المسلمين .

الدعوة إلى دولة ديمقراطية مدنية بعيدة عن الدين بكهنوته من البعض امتداد لثقافة غربية غريبة عن الإسلام، فحرية الرأي والشورى في الإسلام من البدهيات والمحكمات والمسلمات.

الغريب في الأمر أن بعض الحركات الإسلامية تتخذ من بعض النصوص الشرعية أصلا لفرض الاستبداد والكهنوت على الأمة في أمر الدين والسياسة، فتجعل من نفسها حكما على مفهوم النص في العقائد  والشرائع، وتجعل من الحكام آلهة وأربابا من دون الله الواحد.

حركات نسبت للإسلام زورا وبهتانا، وهي في غالبها صنعت على أيدي الحكام الظلمة، لتبرير وشرعنة الظلم باسم الإله الواحد الأحد.

 أيضا بعض الحركات الإسلامية جعلت من رموزها وعلمائها أقرب إلى الكهنوت الديني والسياسي، ففوضت الأمر والقيادة كل سبل الإدارة، ومن المعلوم أن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة.

احترام الأشخاص وتقديرهم والثناء عليهم بما قدموا من جهد وعمل وتضحية أمر واجب ولازم، لكن أمر القيادة والإدارة ليس قائما على التقوي والورع وحده كما هو معلوم.

بداية القيادة التنفيذية تكون باختيار حر صحيح قائم على الشورى الحقيقية، لا المشورة الموجهة باسم التاريخ والتقوى والعطاء.

إدارة الأمور بعيدا عن رغبات وتطلعات العامة أو الغالبية من الصف باسم السبق نوع من الكهنوت الذي يؤدي الى الاختلاف المذموم، الذي تتبعه الفرقة والفشل.

فتن البعض بصورة الإدارة في الغرب، غالبها قائم على الحرية، والحاكم فيها غير عاشق للمنصب، فلا يعيش ويموت فيه باسم الكهنوت الديني الذي يمارسه كبار الأحبار من اليهود والنصارى، أو يمارسه كبار الأخيار من سدنة الحركات الإسلامية.

الحي لا تؤمن عليه الفتنة مهما بلغ شأنه، فقديما تردد أو ارتد بعض من شهد عصر النبوة وقد رأى المعجزات الكبيرات، وعلى رأسها تنزل الوحي على أشرف الخلق وسيد المرسلين.

وحديثا كم رأينا من أناس كنا نعدهم من المتقين الأبرار، فلما خرجوا عن القيادة والزعامة أو لم يكونوا في الصدارة انقلبوا على رؤوسهم مدبرين كاذبين، للمجرمين مساندين، وللحق كارهين، وصدق من قال: آخر ما يخرج من العبد من حظ نفسه حبه للرياسة والزعامة.

الضمان الوحيد لاستقرار الدول  والحركات الإسلامية ليس الكهنوت لبعض أشخاصها وعلمائها، إنما بتحقيق بالشورى خلقا وسياسة، فالقيادة ملك للأمة  والصف، وليس الأمة أو الصف ملكا للقيادة يعبر عن رغبتها ويحقق غايتها، وإنما القيادة هي التي يجب أن تحقق رغبات أمتها أو صفها إن كانت مشروعة حتى ولو كانت على غير رغبتها.


: الأوسمة



التالي
الجمعية الطبية الكندية تعتذر عن مقال مسيء للحجاب
السابق
موقع بريطاني: المدنيون في كشمير يدفعون ثمن الصراع بين الهند وباكستان

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع