المسيح عيسى ابن مريم (عليهما السلام) في القرآن الكريم: الحقيقة الكاملة
د. علي محمد الصلابي
يعد كتاب "المسيح عيسى ابن مريم: الحقيقة الكاملة" جزءً من مشروع "موسوعة أولو العزم من الرسل" عليهم الصلاة والسلام.
بفضل الله وتوفيقه، خرج هذا الكتاب في طبعته الأولى من دار ابن كثير عام 2019م/1440ه، كما أنه طُبع عدة طبعات باللغة العربية بعد ذلك في مجمع الأطرش في تونس وفي مصر ودور نشر أخرى، وقد كتب الله تعالى لهذا الكتاب الانتشار الواسع على المستوى العالمي، وتُرجم للغات متعددة وفي مقدمتها: الإنكليزية، والفرنسية، وكذلك للغات: الألمانية، والإيطالية، والإسبانية، والتركية، والروسية، والألبانية، والبنغالية وغيرها.
وكان الدافع للبدء في هذه الخطوة كلمةً ألقيتها في إحدى كنائس روما الإيطالية للكلام عن الإسلام ورسالة المسيح ابن مريم عليهما السلام، وعن مفهوم السلام فيه. وتكلمت حينها عن المسيح عيسى ابن مريم بالمفهوم الإسلامي، وعن مفهوم السلام في دعوته، ولما وجدت تفاعل الحاضرين مع الحديث عن المسيح عليه السلام وتأثرهم بما طرح؛ أردت أن تكون هذه الكلمة بداية مشروع لتأليف كتاب يتناول قصة المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام.
يعدُّ هذا الكتاب بداية لمشروع حضاري وإنساني كبير، وهو تعريف بني الإنسان بسيرة الأنبياء والمرسلين ودعواتهم من خلال القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وشرح تراجمهم وأخلاقهم وأصول دعوتهم من أحاديث الرسول الصحيحة، وأقوال العلماء الراسخين بأسلوبٍ عصريٍّ يلائم المرحلة التي تمرُّ بها الإنسانية المعذَّبة ببعدها عن هدايات السماء.
وبالتالي، اعتمدت في الكتاب على أهم المصادر وأغناها وأكثرها دقة ومصداقية وموثوقية وهو كتاب الله تبارك وتعالى (القرآن الكريم)، كما استعنت بكتب التفاسير المعتبرة كتفسير ابن كثير والطبري والسعدي والرازي وابن عاشور ومحمد رشيد رضا ووهبة الزحيلي وعبد العزيز الطريفي، وأقوال المحدثين وكتابات المفكرين والعلماء والمؤرخين ممن ثبت عنهم دقة نقلهم وتمحيصهم للروايات التاريخية ومقارنتها ووقوفهم على أدق التفاصيل والقراءات العقلانية ونظرت في الأناجيل وتواريخ الفكر المسيحي والتاريخ اليهودي وتاريخ الجدل وتأملات معرفية حول سيرة المسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام ودعوته ورسالة التوحيد الربانية التي حملها في زمانه.
إن الشرف في هذا الكتاب يناله الإنسان من جهتين: الأولى لأنه عن سيدنا عيسى ابن مريم (عليه السلام) الذي هو من أعظم الأنبياء والمرسلين، بل هو من أولي العزم، وأن أتباعه لايزالون يشكلون أكبر نسبة بين الأديان السماوية حيث تصل إلى 31%.
والشرف الثاني: هو أن مصدر المعلومات له هو القرآن الكريم الذي أولى عناية منقطعة النظير لكل ما يتعلق بسيدنا عيسى (عليه السلام)، حتى سميت ثالثة سورة باسم آل عمران، وسورة أخرى من أعظم السور باسم والدته مريم (عليها السلام)، وسورة ثالثة عظيمة باسم «المائدة»، وهي التي طلبها حواريو عيسى (عليه السلام) بالإضافة إلى ما ذكر ما خصّه القرآن الكريم لبني إسرائيل ولأسرة عيسى (عليه السلام) من السور والآيات العظيمة.
محتوى الكتاب ومباحثه:
يتألف الكتاب من أربعة مباحث، تكلمت في المبحث الأول عن الجذور التاريخية للوطن الذي ولد فيه عيسى عليه السلام؛ فلسطين، وتناول الحالات الفكرية والسياسية والاجتماعية، وأثر الحضارة الإغريقية والدولة الرومانية على فلسطين وبلاد الشام. وتحدث عن بعض طوائف اليهود في فترة ظهور المسيح، وعن مفاهيم بعض الكلمات، مثل النصارى واليهودية.
وكان المبحث الثاني يتعلق ببداية قصة عيسى ابن مريم وأمه (عليهما السلام) وعائلته، وفق المفهوم القرآني، وتناول كل القضايا المتعلقة به وبآل عمران في القرآن الكريم من كل الجوانب التي أشار إليها القرآن الكريم؛ كسبب ذكرهم بسورة آل عمران، ورعاية الله لمريم، ودعاء زكريا بالذرية وخرق السنن الكونية، واصطفاء الله لمريم على العالمين، وبشارتها بعيسى، ومولد عيسى، وحقيقته، ثم رسالته لبني إسرائيل، ودعوته لهم، ومكانته بين الأنبياء والمرسلين، وتصديقه لما بين يديه من التوراة، وحديث القرآن عن ذلك.
أما المبحث الثالث فكان الحديث عن معجزات عيسى عليه السلام والحواريين ورفعه إلى السماء، متناولاً: المعجزة وشروطها، والفرق بينها وبين الكرامة، ومعجزات عيسى في القرآن الكريم كميلاده بلا أب، وتأييده بروح القدس، وتعليمه الكتاب والحكمة، وإبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى بإذن الله، والخلق من الطين كهيئة الطير والنفخ فيه بإذن الله، وإخباره عن الغيوب، وكونها معجزات من الله لتأييد عيسى في رسالته ودعوته إلى توحيد الله عز وجل وعبادته وطاعته. وتكلم عن الحواريين واستجابتهم لدعوة عيسى عليه السلام، وعن نزول المائدة، والاستجواب الكبير من الله لعيسى عليه السلام على رؤوس الأشهاد يوم القيامة. وتناول المؤلف مكر بني إسرائيل بعيسى ابن مريم، وحماية الله له ورفعه إلى السماء، وتأكيد ذلك بالقرآن الكريم.
وأفردت المبحث الرابع للكلام عن وفد نصارى نجران ومجادلتهم لرسول الله، وموقفهم من دعوته، وأهم الموضوعات التي نوقشت في مجلسهم، وبينت الآيات القرآنية التي نزلت في شأن تلك الحوارات والتي دعتهم إلى المباهلة وأنهم امتنعوا من ذلك خوفاً من عذاب الله لما يعلمون من صدق النبي (ﷺ) وصحَّة نبوته، فقد أكَّدت الروايات الواردة عنهم اعترافهم بأنه النبي الذي بشَّرت به الكتب المقدسة لديهم، وطلبوا الصلح مع رسول الله (ﷺ) واستجاب لهم النبي (ﷺ) مجادلة نصارى نجران. وختم البحث بالدعوة إلى كلمةٍ سواء، التي دعا إليها الله عزَّ وجل في كتابه وأن الأنبياء والمرسلين دعوا إلى توحيد الله وعبادته وطاعته، وعرَّفوا الناس بخالقهم العظيم، وحقائق الكون والحياة والموت والجنة والنار والشياطين والملائكة، وطبيعة الإنسان من خلال الوحي الرباني الذي نزَل عليهم من عند الله عز وجل.
ثم كانت خاتمة الكتاب، بشرح أعظم آية في كتاب الله عز وجل (آية الكرسي)، وكيف عَرَّف نفسه سبحانه وتعالى لخلقه من خلالها، إذ كل ما فيها متعلق بالذات الإلهية العليّةِ، وناطقة بربوبيته وعلمه وقدرته وعظيم سلطانه. ثم ذكرت في نهاية الكتاب خاتمة ضمّنها أهم النتائج التي توصل إليها في دراسته حياة المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام.
والنتيجة في نهاية المطاف تتلخص في القول:
- إن القرآن الكريم بيَّن حقيقة المسيح عيسى ابن مريم بأنه عبداً ورسولاً لله تعالى من أولي العزم عليهم الصلاة والسلام
- إن الله عز وجل رفع المسيح عليه السلام إليه، وبأن الله تعالى أرسل المسيح عيسى ابن مريم برسالة الإسلام، فكان يدعو بني إسرائيل إلى اعتناق هذا الدين المؤسس على الاعتراف بالخالق العظيم ووحدانيته
- المسيح عيسى عليه السلام حيٌّ في السماء حياة طيبة قد التقى به رسولنا (ﷺ) في رحلة الإسراء والمعراج، التقى به أولاً في المسجد الأقصى عندما صلى رسول الله (ﷺ) بالأنبياء إماماً وكان عيسى مأموماً خلفه، ثم التقى به ثانياً لما عرج به إلى السماء، حيث أخبرنا أنه قابل عيسى عليه السلام في السماء الثانية. والإسلام هو الدين الخالد جاء به آدم عليه السلام ونقله الأنبياء والمرسلون من بعده بمن فيهم عيسى ابن مريم وأنه تم برسالة خاتم النبيين (ﷺ).