الرابط المختصر :
بسم الله الرحمن الرحيم
البيان العلمي الختامي
لمؤتمر الإصلاح والمصالحة
إسطنبول: 6 ـ 7 / 2018
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد،،
فقد سن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين سنة حسنة منذ جمعيته السابقة التي انعقدت في اسطنبول 2014م بأن جعل ضمن أعمال الجمعية لقاءً علميًّا، وقد كان موضوع لقاء هذه الجمعية 2018م هو: "الإصلاح والمصالحة"، وبعثت إدارة الاتحاد استكتابًا إلى جميع أعضاء الاتحاد وتلقت عددا من الأبحاث بلغت 24 بحثا في هذا الموضوع جمعت بين التأصيل واقع المسلمين تشخيصا وعلاجا، وقد غطت البحوث ستة محاور، عرضت، ودارت حولها النقاشات المستفيضة، والحوارات المعمقة.
ومن متممات ومحسنات هذا المؤتمر عقد ورشات عمل في المحاور الستة بعد عرض تأصيلي عامّ بغية الخروج بإجراءات عملية قابلة للتطبيق والتنزيل، وقد خلص المؤتمر بمحاضراته التأطيرية وورش العمل في المحاور الستة إلى جملة من الحصائل ثمان من النتائج وثمان من التوصيات:
أولاً: النتائج:
- للإصلاح في الدين مقام رفيع فقد وردت مادة (الإصلاح) في القرآن الكريم 195 مرة في مقابل مادّة (الفساد) التي وردت 50 مرة، وفي ذلك دلالة على أهمية الإصلاح ومكانته في القرآن الكريم، وهما – أي الصلاح والفساد - متنوعان بين مجالات عدة: عقدية وأخلاقية، وسياسية، واقتصادية، واجتماعية، وغير ذلك، والإصلاح جهد تراكمي لكل جيل وأمة، والتجديد وإصلاح المفاهيم جزء من الإصلاح، وهو قاعدة تؤسّس للمصالحة.
- في ظل التشرذم والانقسامات المتنوعة في العالم على مستوى الدول والجماعات والمجتمعات رأى العلماء أن العمل على الصلح والإصلاح والمصالحة بين أبناء المجتمعات والجماعات واستجابة الجميع لذلك فريضة شرعية وضرورة واقعية وحتمية حضارية.
- جاء الإسلام برسالة إصلاح شامل: بين الإنسان وربه، والإنسان ونفسه، والإنسان والإنسان، بل والإنسان والبيئة الطبيعية، ومما جاءت به الشريعة الإسلامية من الأصول جلب المصالح ودرء المفاسد، وحينما يظهر الفساد بفعل "الإنسان" الظالم لنفسه فإنه من واجب العلماء أن يقوموا بدورهم في الإصلاح والصلح والمصالحة.
- إن الإصلاح يبدأ من إصلاح العلماء أنفسَهم استعدادا لإصلاح مجتمعاتهم وأمّتهم وذلك بإصلاح بإصلاح ذواتهم وسلوكهم وفكرهم ومؤسساتهم.
- من أهم وجوه الخلل التي تستوجب الإصلاح عند العلماء: التصديقُ بالأوهام والأكاذيب التراثية والراهنة، وبثّها في الناس وتزيينها لهم، والعونُ على الظلم وشرعنتُه، واعتزال العامة والخاصة والحكام والمحكومين بدعوى اتّقاء الآثام والتفرّغ للعبادة؛ فإن العلماء الربانيين هم الذين بعدما يصلحون أنفسهم ينطلقون في واقع الناس ويصبرون عليه، ويقومون بالإصلاح عند طروء الخلل، فيجمعون بذلك بين العلم والعمل، وبين الفكر والإنجاز.
- من أسباب الفرقة التي ينبغي أن يتّجه إليها الإصلاح بالعلاج التعصب الأعمى وضعف دور العلماء واضطراب المفاهيم وتفشي الظلم والاستبداد السياسي وقلة العلم والفهم الظاهري للنصوص والتمذهب والتحزب الضيقان واضطراب ميزان الأولويات عند الخاصة والعامة.
- إنّ الإصلاح والمصالحة عملية مركّبة لا تجري على العفوية والتلقائيّة، وإنما ينبغي أن تجري على فقه يقوم على مبادئ وسنن نفسية واجتماعية، وعلى ميزان للقسط والعدل يتحرّى الحكمة والتدرّج والتعادل، حتى ليوشك أن يكون فقه الإصلاح والمصالحة علما قائما بذاته.
- إنّ الاجتهاد في الإصلاح والمصالحة ينبغي أن لا ينحصر في مفهوم ضيّق ينتهي عند السلوك الأخلاقي القريب للأفراد والجماعات، وإنما ينبغي أن تكون له آفاق في التعارف والتعاون، وفي استنهاض الأمّة بإزالة مكبلات التدابر والفرقة كي توفي بأمانة التعمير في الأرض والشهادة على الناس كما كلّفها بذلك الله تعالى.
ثانياً: التوصيات:
انتهى مؤتمر الإصلاح والمصالحة إلى التوصيات التالية:
- العناية الخاصة في جهود الإصلاح والمصالحة بالقرآن الكريم وصحيح السنة، والانطلاق من الكليات التشريعية الضابطة للفهم والمنظمة للخلاف والمرشدة للفكر والحركة، والتمسك بالمحكمات والقطعيات وفهم الفروع والجزئيات والمتشابهات في ضوء المحكمات والكليات والقطعيات.
- عمل العلماء على إصدار موسوعة للمفاهيم الأساسية للدين، وخاصّة منها ما طرأ عليه الانحراف، وتناولها بالتأصيل والتصحيح، فإن هذا الخلل فيها من أكبر الأسباب في الفرقة بين المسلمين. والعمل كذلك على إصدار وثيقة علمية تستوعب أصول الفهم الشرعي ومعالم المنهج الأمثل في التعامل مع النصوص والعناية بالمكتبة الإسلامية الإلكترونية وتزويدها بالمضامين الإسلامية الأصيلة الراسخة، والتشجيع على الاجتهاد والبحث الجماعي في القضايا الكبرى.
- العمل على إصدار ميثاق أخلاقي ديني يتعاهد عليه العلماء أوّلا ويشاع في الناس كافّة يجمع بين واجب الوحدة في أصولها وحقّ الاختلاف في قواعده وأخلاقه وآدابه حتى تتمّ هذه المعادلة على سواء.
- التوجّه إلى الحكام بأن يقوموا بمسئولياتهم نحو شعوبهم في تحقيق مصالحهم اتساقا مع مقاصد الشرع الحنيف، والعلماء هم خير من يُسأل ويستشار، لا أن يُقمعوا ويعتقلوا ويضيق عليهم، ومن هذا المنطلق يطلب العلماء المجتمعون في هذا المؤتمر من منطلق الإصلاح والمصالحة من الحكام عامّة أن يطلقوا سراح العلماء المعتقلين في بلدانهم ظلما وعدوانا، فهذا الصنيع منهم لا يزيد الأمّة إلا فرقة وضعفا وانحرافا.
- أُصيب الكثير من مؤسساتنا الدينية بكثير من الفساد والعطب، وأصبحت آراؤها وفتاواها محل شك وريب مما جعل وجودها عبئًا على الأمة لا عونًا لها، ورسالتنا إلى جامعات العلم الكبرى كالأزهر والزيتونة وغيرهما أن ترفع شعار الصلح والمصالحة، ورأب الصدع، وحقن دماء المسلمين لتكون بحق المنارات الهادية، والطلائع الرائدة.
- اهتمام الأمة والعلماء خاصّة بقضايا الأمة الكبرى والتصالح من أجلها، والتوحّد فيها، واستصغار الخصومات وتوافه المشاحنات بالقياس إليها، وعلى رأس القضايا قضية فلسطين والقدس الشريف التي يجب أن تتبوأ مكانتها في تفكير العلماء والدعاة وشرائح الأمة المختلفة، فإن الاهتمام بذلك ينصّب العلماء قدوة للأمة، وهو الباب الأول لصناعة الصلح والإصلاح والمصالحة.
- الاهتمام بالشباب والمرأة ودفعهم إلى أن يقوموا بدورهم في تنمية المجتمعات وحشد الجهود وتوظيف الطاقات وإحداث الإصلاح والمصالحة؛ لما للمرأة والشباب من قدرات كبيرة في ذلك كله.
- إنشاء هيئة إسلامية عامة تجمع حكماء من الأمة من تخصصات مختلفة؛ لتكون مرجعا في العمل على الصلح والمصالحة تنشئ فروعا في أقطار الأرض لاستيعاب التصدعات والاختلافات التي تُضعف النسيج المجتمعي، وتقوم بالتحكيم والمصالحة.
ولله ولي التوفيق