البحث

التفاصيل

النفس الطيبة

الرابط المختصر :

النفس الطيبة

الأستاذ الدكتور مجدي شلش

كلما قرأت قول الله تعالى: " ...واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه..." علمت أن نفسي عارية أمام ربها، يعلم سرها وجهرها، وإخلاصها ورياءها، وصدقها وكذبها.

الحذر والخوف والإخلاص له وحده سبحانه وتعالى لقبول النيات والأعمال، حتى عند المخالفة رجعت إلى ربي استغفره وأتوب إليه، فهو الوحيد الذي يعلم بحالي عند معصيته، إن كانت جهلا أو عمدا أو ضعفا.

في نظري القاصر أري أن النفس الطيبة: نفس سلسة لطاعة ربها بلا تعقيد في الفكر، ولا كسل في العبادة، ولا شدة أو تعسف في المعاملة.

نفس غلب عليها الحب قبل البغض، والتأني قبل التسرع، والرحمة قبل القسوة، والمودة قبل الهجر، والقرب قبل الافتراق والبعد.

نفس لسانها رطب بذكر الله في كل الظروف والأحوال، وعينها ناظر لما يرضي ربها، وسمعها منصت لكل جميل يحبه، يدها حانية، ورجلها فانية في خدمة غيرها.

قلبها رقيق، وروحها عطرة، وعقلها واسع، وبصيرتها ثاقبة، وحركتها هادفة، سكوتها حكمة، وكلامها عظة، ترحم الصغير وتوقر الكبير، وتعطي كل ذي حق حقه.

ترى الكل بعين واحدة، لا تفرق في التعامل بين الفقير والغني، والضعيف والقوي، والمريض والصحيح، والبعيد والقريب.

تزداد رقة مع الفقير لفقره وعوزه، ورحمة مع الضعيف لوهنه وضعفه، وقربا مع المريض لذله وعجزه، والبعيد لفافته وعدم أنسه.

نفس ترى المبادئ قبل الأشخاص، والقيم قبل الأعراف، وتعلم الثابت والمتغير، والتام والناقص، والأصيل من أهل الطبع، والركيع من أهل الخسة.

نفس لا تفرق بين صاحب المنصب فتقف له أو تنحني، ومن خلا من المنصب تتعالى عليه وتتمطي.

عجبت من نفس تفرق بين التعامل مع الأطفال فتقرب هذا وتلاعبه وتهمل هذا وتنساه،  لمجرد أن هذا الطفل ابن فلان أو علان من العلماء أو المشايخ أو من ذوي الجاه والسلطان.

يشتد العجب منها إذا خرج الرأي من فلان تقدره وتحترمه وتقدمه، وإذا خرج من مغمور تؤخره وتهمله.

المال والجاه والسلطان والشهرة وظاهر العلم سبب التقدم والتقدير عند النفوس الناقصة.

 الصحابة سبقونا في موازيين التقدم والتأخر والاحترام وعدمه بمراحل كثيرة، الدنيا عندهم معلومة القدر، تعلموا من نبيهم أن العطف والحنان لا يتوقف على دين أو نسب أو حسب.

النفس الطيبة ترى المتجانس من الأشياء رؤية واحدة، فلا تفرق بين المتجانسات لعلة خفية، أو ذهن قاصر، أو قلب مريض.

الحب منها لبني البشر- إلا ما خص - فضيلة ومكرمة، والرحمة بالإنسان شعيرة مؤكدة، والبر بالقريب والبعيد قسط وعدل، والسعي للكل محمدة ومروءة، والنجدة للملهوف شجاعة مطلوبة.

النفس الطيبة ترى نفسها في الحمد والشكر بعيدا ولغيرها قريبا، متواضعة مطمئنة عليها الوقار والسكينة، لا كبر فيها ولا خيلاء، تألف وتؤلف، تحب وتحب، تعذر وتعتذر.

البناء المعرفي والإيماني للإنسان - في نظري - قائم على حلاوة النفس وطيبتها وعراقة منبتها وأصلها، التربة الطيبة تنبت نباتا حسنا، والذي خبث لا يخرج إلا نكدا.

موازيين الدنيا أنست بعضنا قوانين الله في النصر والغلبة، قبل إحسان الكلام وتنميقه طهارة النفس والطوية، وقبل السيف وحده مطر ينهمر من القلب بالحب والرحمة، وقبل الصراخ على المنابر بصبحكم ومساكم رعد وبرق ونور يتلألأ من النفس إشراقا وبيانا.

سلفنا الصالح جمع بين الخيرين، وطهر الطريقين، وآنس بين العدتين، الخارج والداخل  والسر والعلن والظاهر والباطن الكل عنده سواء.

صحيح بين النفس الطيبة والخبيثة مسافات، لكن الطيبة قد لا تخلو من خبث واضح، والخبيثة كذلك، فكل طيبة تحتاج إلى جلاء وعلو وزيادة، حتى لا تكسر الأوساخ فتخبث خبثا ليس معه طهارة.

الصحبة والعلم وقبول النصيحة ومطالعة الأصلين ودوام الذكر وتحصيل مقاصد الطاعات والعبادات غسيل للنفس من غرورها وشرورها وشرودها.

الإنسان الجامع للنفس السامية والعقل الواعي والقلب النابض والحركة المنضبطة والروح الصافية مقصد الإسلام في بنائه ووجوده.

الدنيا قليلة الأيام، كثيرة الأحزان، واسعة الآمال، محدودة العطاء، كثيرة الرجاء،حفت بالمكاره وزينت بالشهوات، خذوا منها قدر الطاقة على المشى والسعى، وفروا بأرواحكم ونفوسكم  لجنة عرضها السماوات والأرض.





التالي
رفض مواجهة لاعب إسرائيلي.. البطل الكويتي محمد العوضي يحظى باحتفاء فلسطيني وتقدير كويتي وإشادة عالمية

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع