أقر الإسلام الكرامة الإنسانية والتعايش السلمي منذ بدء نشأته ودعا إلى التعايش السلمي بين الناس جميعا ـ بصرف النظر عن أجناسهم وألوانهم وأعراقهم وأصولهم ولغاتهم وأديانهم، فهو يؤمن بكل الرسالات السماوية السابقة وبالرسل جميعا، وإذا حدث سلوك فردي أو جماعي معيّن يتنافى مع قيم الإسلام السمحة فهو مردود على صاحبه بمعيار الإسلام الصحيح، يحاسب عليه بنفسه، ولا يحكم الإسلام بجريرته
فلقد أباح الإسلام التعامل مع غير المسلمين في كل الأمور الحياتية من مأكل وملبس ومشرب ومسكن، وأخْذ وإعطاء وبيع وشراء ونكاح وزواج وفق الحقوق والواجبات التي شرعها الإسلام، ودلّ على ذلك قوله تعالى " لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ "[1] .
الإسلام مصطلح جميل اختير بعناية من (السلم)، و(السلام)، وكما اختير الإيمان من (الأمن) و(الأمان) [2]
زرع الاسلام في أذهان المسلمين منذ القدم النظرة المتسامحة وغرسها في عقول المسلمين وقلوبهم فيما يتعلق بمعاملة مخالفيهم في الدين، وأكد على كرامة الإنسان أيا ًكان دينه أو جنسه أو لونه، وهذه الكرامة المقررة توجب لكل إنسان حق الاحترام والرعاية، واعتقاده أن اختلاف الناس في الدين واقع بمشيئة الله تعالى، الذي منح هذا النوع من خلقه الحرية والاختيار فيما يفعل ويدع، لقوله تعالى " وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ".
وعلى الرغم مما تقدم فلم يكن نوع من التنافر بين الغرب والإسلام أمراً جديداً، غير أنه لم يلقَ هذا التزايد والتنامي إلا بعد أحداث 11 سبتمبر عام 2001م، حيث ظهرت على سطح العلاقات الدولية مفهوم اﻹﺳﻼﻣﻮﻓﻮﺑﻴﺎ فباتت الدول الغربية تتعامل مع الأقليات المسلمة الموجودة على أراضيها بشيء من الحذر تارة، وبالتضييق على حرياتهم في العبادة تارة أخرى.
لذلك فإن الواقع المعاصر الذي يعيشه العالم الإسلامي في علاقاته الدولية يفرض عليه دراسة ظاهرة اﻹﺳﻼﻣﻮﻓﻮﺑﻴﺎ التي انتشرت لدى الدول الغربية للوقوف على أسبابها، وملامح الخطر الذي يكتنفها، وصولاً إلى طرق العلاج المثلى لعلاج هذه الظاهرة.
- اﻹﺳﻼﻣﻮﻓﻮﺑﻴﺎ (المصطلح والمفهوم)
الفوبيا " Phobos " مصطلح ورد ذكره في المعاجم النفسية، إذ خلت المعاجم اللغوية من أي معنى لهذا المصطلح، فهو مصطلح يدل على القلق العصبي أو النفسي، إذ لا يمكن إخضاعه للعقل، باعتباره شعور بالخوف يجعل الإنسان في رهبة شديدة خارجة عن المألوف بما يصعب معه السيطرة على النفس أو التحكم فيها، وهو عادة يصل إلى هذا المستوى من خلال التجارب السابقة أو المترسبة داخل الشعور[3].
ولقد استخدم الغرب مصطلح اﻹﺳﻼﻣﻮﻓﻮﺑﻴﺎ تعبيراً عن ظاهرة الخوف من الدين الإسلامي والمسلمين، إذ يقوم هذا المصطلح على نبذ الشخصية المسلمة، وذلك من خلال تصوير الحملات الإعلامية للدين الإسلامي والرسالة المحمدية بانها رسالة متوحشة قائمة على القتل وسفك الدماء والتشريد، فقد نسبوا إلى الإسلام الجرائم الإرهابية كونها جرائم خرجت من رحم المفاهيم الأصولية للدين الإسلامي، وهي بلا شك وجهات نظر قاصرة عن بيان حقيقة الدين الإسلامي كونه دين رحمة وعدل[4].
- الإسلام فوبيا (النشأة والتاريخ)
إن الخوف من الدين الإسلامي ظهر مع ظهور هذا الدين الجديد ، وأخذ يتنامى مع اتساع رقعة الفتوحات الإسلامية ، غير أن مصطلح اﻹﺳﻼﻣﻮﻓﻮﺑﻴﺎ لم يكن قد أخذ في الظهور إلا مع وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 ، حيث أطلقت المجتمعات الغربية هذا المصطلح على الدين الإسلامي الذي اتهمته بأنه دين الإرهاب ، كون القائمين على هذه الأحداث من المسلمين ، وأن تمسكهم بالمفاهيم الأصولية الإسلامية هو تمسك بالتطرف والجمود والبربرية ، ولا شك أن المفهوم الصحيح للأصولية الإسلامية هو التمسك بالسماحة والتسامح في العلاقات الإنسانية والرحمة والعدل التي جاء بها الدين الإسلامي[5].
ولقد جاءت ظاهرة اﻹﺳﻼﻣﻮﻓﻮﺑﻴﺎ من خلال مراحل ثلاثة:[6]
المرحلة الأولي: التصنيف: إذ جاءت هذه المرحلة من خلال قيام الدول الغربية بتصنيف العرب من المسلمين ووضعهم في دائرة المتشددين، الذين اتبعوا الدين الإسلامي ومناهجه الأصولية.
المرحلة الثانية: التوصيف: وفي هذه المرحلة انتقل الحديث لدي الدول الغربية من مرحلة التصنيف إلى مرحلة التوصيف، من خلال وضع المسلمين في دائرة الفوضى والإرهاب التي ترتكز على ارتكاب حوادث القتل والاغتصاب والهمجية، حتى بات الإرهاب لديهم موصوفاً بالإسلام ومقترناً به.
المرحلة الثالثة: التخويف: أما هذه المرحلة فقد جاءت كنتاج طبيعي للمرحلتين السابقتين من خلال ترسيخ مفاهيم خاطئة عن الدين الإسلامي والمسلمين، فجعلوا من الدين الإسلامي والمسلمين عدواً لهم.
- اﻹﺳﻼﻣﻮﻓﻮﺑﻴﺎ (الأسباب والدوافع)
إن شيوع ظاهرة اﻹﺳﻼﻣﻮﻓﻮﺑﻴﺎ يعود في الحقيقة إلى مجموعة من الأسباب فمنها على سبيل المثال الفتوحات الإسلامية واتساع رقعة الدولة الإسلامية: فمن المخاوف التي دفعت إلى كراهية الغرب للدول الإسلامية هي إمكانية تكرار فرض سلطان الإسلام على الإمبراطوريات والممالك والأمم ، إذ أنّ نجاح الفتوحات الإسلامية واتساع رقعتها كان بمثابة التهديد للإرث الغربي والديانات الأخرى ، فقد مارس الغربيون حملات تشويه للدين الإسلامي والمسلمين ، فرسخوا في أذهان الناس صوراً مشوهة عن الإسلام كديانة وعن المسلمين كمنتمين له ، ولقد كان الدافع إلى ذلك هو الكراهية والحقد التي حملها الغربيون للدين الإسلامي والمسلمين[7].
كذلك أدى ظهور الجماعات المتطرفة وإلصاقها بالدين الإسلامي إلى تنامي ظاهرة اﻹﺳﻼﻣﻮﻓﻮﺑﻴﺎ ، حيث دعمت الدول الغربية في فترة من الفترات التوجه الخاطئ لدى بعض المسلمين، من خلال ترسيخ مفاهيم خاطئة عن الإسلام وتفسيرات ما أنزل الله بها من سلطان، حتى أُنتجت جماعات وحركات متطرفة في إطار تطبيق خاطئ للدين الإسلامي مما ساهم في نشر كراهية الدول الغربية للدين الإسلامي، على نحو رسّخ في نفوسهم أن الدين الإسلامي دين إرهاب، حتى أصبح لفظ الفرد المسلم مرادف للفظ الإرهابي، وقد ساهمت الآلة الإعلامية الغربية في الحديث عن الإرهاب الإسلامي بصورة كبيرة، وعقدت العديد من المؤتمرات لتناول الدين الإسلامي بوصفه دين إرهابي ليكون توطئة لاستعمار الدول الإسلامية بحجة مكافحة الإرهاب.
ومما لا شك فيه أن تشويه صورة الإسلام وغياب صورته الحقيقة ساهم في انتشار مفهوم اﻹﺳﻼﻣﻮﻓﻮﺑﻴﺎ ،فالغياب الحقيقي لصورة الدين الإسلامي من قبل بعض المسلمين وأعدائه ، ساعد بعض المحسوبين على الدين الإسلامي إلى قلب مفهوم النصوص القرآنية والنصوص النبوية الشريفة ، وتفسير آيات الجهاد على أنها نصوص داعية إلى القتل والتعذيب وسفك الدماء ، حتى أقنعوا أنفسهم وغيرهم بهذه الصورة الدامية عن الدين الإسلامي وأهله، متناسين حقيقة الرسالة التي جاء بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم تلك الرسالة التي جاءت رحمة للعالمين ، فالدين الإسلامي جاء مكملاً للديانات السماوية، داعياً لفضائل الأخلاق[8].
كل ذلك أنتج العداء الفج والحقيقي للدين الإسلامي من قبل الدول الغربية إلى احتراف تسويق الصور المشوهة عن الدين الإسلامي من خلال الآلات الإعلامية التي تسيطر عليها الصهيونية العالمية، من خلال عرض المظاهر الإسلامية والمسلمين في صور محرفة.
ولا شك أن الضعف الإعلامي من قبل المسلمين قد أدى لتنامى هذه الظاهرة، حيث يعاني الإعلام الإسلامي والعربي من ضعف شديد جداً في مجال الدفاع عن الدين الإسلامي والمسلمين، فلا يهتم الإعلام بإبراز الصورة الحقيقة للدين الإسلامي ولا ينشغل بالدفاع عنه والتصدي لكل محاولات النيل منه ومن المسلمين، ولعل السبب في ذلك هو سيطرة اليهود على الإعلام بكافة وسائله وصوره[9].
وأخيراً فقد كان إغفال المسلمين لعالمية الدين الإسلامي وتحمل مسؤولية تبليغه الدور المؤثر في تنامي ظاهرة اﻹﺳﻼﻣﻮﻓﻮﺑﻴﺎ، إذْ أن تقاعس المسلمين الذي أصابهم في الوقت المعاصر كان سبباً من أسباب تغافلهم عن الدفاع عن الدين الإسلامي، فقد أدى هذا التقاعس إلى انشغالهم وتصنيف أنفسهم إلى مسلم سلفي، وآخر صوفي، وتفرقوا شيعاً وأحزاباً حتى أضعف هذا التصنيف شوكتهم وترتّب عليه الكثير من الاختلافات والخصومات فيما بينهم، وهو ما استغله الغرب في تشويه الدين الإسلامي والمسلمين[10].
- اﻹﺳﻼﻣﻮﻓﻮﺑﻴﺎ (المخاطر والتخوفات)
إن تفشي ظاهرة الإسلام فوبيا تفصح عن مجموعة من المخاطر والتخوفات التي تهدد المجتمع الإسلامي والغربي، إذ قد يترتب على هذه الظاهر القضاء بشكل أو بآخر على التبادل الثقافي بين الدول الإسلامية والغربية، إذ أن استمرار حالة التربص بين الفريقين يؤدي إلى تخوّف كل منهم من تبني ثقافة الفريق الآخر[11] ، وهو ما يتصل أثره بالقضاء على التعاون الاقتصادي بين دول الإسلام والدول الغربية.
إن انتشار ظاهرة اﻹﺳﻼﻣﻮﻓﻮﺑﻴﺎ تشكل خطراً على أبناء الدين الإسلامي أينما ذهبوا أو رحلوا، نتيجة للنظرة الغربية لهم كونهم قتلة وهمجيين ، وهو ما يعني ظلمهم وانتهاك حقوقهم نتيجة لهذه النظرة[12] ، وهو ما يؤثر في عدم تمتع المسلمين في بلاد الغرب بحرية العبادة، والحركة، والعمل باعتبار أن نظرة الدول الغربية للمسلم على أنه إرهابي قد تضعه في مضايقات، خاصة أن معاملتهم لا يمكن التمييز فيها بين المسلمين المعتدلين أو المتشددين[13].
كما وأن انتشار ظاهرة اﻹﺳﻼﻣﻮﻓﻮﺑﻴﺎ بشكل كبير يترتب عليه اتخاذها ذريعة للاعتداء على الدول الإسلامية كمحاولة لمكافحة الإرهاب.
- اﻹﺳﻼﻣﻮﻓﻮﺑﻴﺎ (العلاج والمعالجة)
إن ملامح اﻹﺳﻼﻣﻮﻓﻮﺑﻴﺎ وانتشاره في الوقت المعاصر يحتاج من كل مسلم إلى التعريف بحقيقة الدين الإسلامي وإظهار جوهره الحقيقي، وذلك من خلال إنشاء مراكز دعوية وعلمية متخصصة في الدول الإسلامية للتعريف بالدين الإسلامي وحقيقته، كما يحتاج الأمر إلى إيفاد العلماء لهذه المراكز ممن اشتهر عنهم الورع والتقوى والعلم الغزير بأصول الدين الإسلامي والواقع الغربي.
كما يحتاج التعريف بالدين الإسلامي إلى عقد اللقاءات والمؤتمرات الدولية من خلال دعوة المفكرين والعلماء من الدول الغربية لمناقشتهم والوقوف على أرضية مشتركة بين الدول الغربية وممثليها.
كما أن على الدول الإسلامية تجاوز الحدود الجغرافية من خلال إطلاق المنصات الإلكترونية والمواقع الإلكترونية الداعية والشارحة لمفاهيم الدين الإسلامي الجوهرية، وطرح فكرة حوار بين أهل الأديان باعتباره ضرورة للتعايش السلمي بين طوائف المجتمع الدولي، والإيمان العميق بأن كل من يدين بدين غير الإسلام جزء لا يتجزأ من حضارة الأمم التي نشأت في ظل رعاية الدولة الإسلامية[14].
المصدر : المكتب الإعلامي للاتحاد
[1] سورة الممتحنة، الآية 8. 2
[2] أ.د. علي محيي الدين القره داغي، إسلام الرحمة وظاهرة الإرهاب، دار النداء، الطبعة الأولى ، أكتوبر 2018، ص 15.
[3] اسعد مرزوق، موسوعة علم النفس، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، الطبعة الثانية، سنة 1979م.
[4] سعيد اللاوندي، فوبيا الإسلام في الغرب، دار أخبار اليوم، القاهرة، الطبعة الأولي، سنة 2006م، ص 14.
[5] إبراهيم محمد جواد، ظاهرة الأصولية الإسلامية المستشرقون والإسلام معالجة منهجية خاطئة، مقال منشور بمجلة النبأ، عدد 51، شعبان، 1421هـ.
[6] ريتشارد هرير دكمجيان، الأصولية في العالم العربي، ترجمة: عبد الوارث سعيد، دار الوفاء، المنصورة، الطبعة الثالثة، سنة 1992، ص 58 وما بعدها.
[7] احمد بن يحيي بن جابر بن داود البلادري، فتوح البلدان، دار ومكتبة الهلال، بيروت، سنة 1998م، ص 138.
[8] محمود محمد شاكر، رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، الهيئة المصرية العامة للكتاب، سنة 1997م، ص 35-38.
[9] مصطفي الدباغ، عقد الخوف من الإسلام، دار الفرقان للنشر والتوزيع، عمان، الطبعة الأولي، سنة 2001م، ص 53-83.
[11] محمد بن قطب بن إبراهيم، مذاهب فكرية معاصرة، جار الشروق، القاهرة، الطبعة الأولي، سنة 1983م، ص 260.
[12] غالب بن على عواجي، المذاهب الفكرية المعاصرة ودورها في المجتمعات وموقف المسلم منها، المكتبة العصرية، جدة، سنة 2006م، ص 1062.
[13] صوئيل هنتجتون، صدام الحضارات إعادة صنع النظام العالمي، ترجمة: طلعت الشايب، الطبعة الثانية، سنة 1995م، ص 10.
[14] محمد بن شاكر الشريف، تجديد الخطاب الديني بين التأصيل والتحريف، مجلة البيان، الطبعة الأولي، سنة 2004م، ص 13.