البحث

التفاصيل

دعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام قومه إلى التوحيد

الرابط المختصر :

دعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام قومه إلى التوحيد

بقلم الدكتور انجوغو امباكي صمب – عضو الاتحاد

 

إن السمة الغالبة والخصيصة البارزة في سيرة إبراهيم عليه الصلاة والسلام هي الدعوة إلى التوحيد ومحاربة الشرك والكفر بالطاغوت، حيث اجتمع في زمانه وقومه الذين عاش فيهم ألوانا مختلفة من الشرك وصورا متنوعة من الإلحاد، بين عبادة للأصنام المنحوتة من الشجر والحجر، وعبادة للنجوم والكواكب، وطاغوت يدعي الألوهية من دون الله تعالى.

وتمثل الشرك في زمانه في ثلاث مستويات، مستوى الأفراد العاديين من الأقارب فالأبعدين، ومستوى المجتمع الذي تعود على الشرك وأصبح يتخذ من صناعة الأوثان مصدرا للثروة، ومستوى الدولة التي تحمي الشرك والمشركين، ويدعي رأسها أنه أله من دون الله يحيي ويميت. 

فكان الفصل الأول في معركة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ضد الشرك والتنديد دعوة أبيه آزر إلى التوحيد، قال تعالى{ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا}[1].

وبعد أبيه ذهب إبراهيم عليه الصلاة والسلام يجادل قومه ويدعوهم إلى التوحيد وترك عبادة النجوم والكواكب، قال تعالى{ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[2].

ثم يخاصم إبراهيم عليه الصلاة والسلام الطاغية النمرود، ويبطل دعواه الكاذبة، ويكشف عن عجزه وضعفه وجهله، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[3].

وجعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام التوحيد كلمة باقية في عقبه ، يتوارثون عقيدتها جيلا بعد جيل في سلسلة طويلة من أهل بيته المبارك، وذلك بتحقيقه هو للتوحيد وإنابته إلى ربه عز وجل، وبراءته من الشرك وأهله، ثم بدعوة قومه إليه وتربية أهله عليه، قال تعالى {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }[4]، قال أبو الحسن الماوردي(( قوله عز وجل:{وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيةً فِي عَقِبِهِ} فيها ثلاثة أقاويل: أحدها: لا إله إلا الله، لم يزل في ذريته من يقولها، قاله مجاهد، وقتادة، الثاني: ألا تعبدوا إلا الله، قاله الضحاك، الثالث: الإسلام، لقوله تعالى: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ} قاله عكرمة، وفي {عَقِبِهِ} ثلاثة أوجه: أحدها: ولده، قاله عكرمة، الثاني: في آل محمد صلى الله عليه وسلم، قاله السدي [5]،  الثالث: من خلفه، قاله ابن عباس )) [6]، وكل هذه التفاسير صحيحة ومتقاربة، قال تعالى{وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[7]، قال القرطبي رحمه الله: ((أي بالملة، وقيل: بالكلمة التي هي قوله ((أسلمت لرب العالمين" وهو أصوب، لأنه أقرب مذكور، أي قولوا أسلمنا))[8] .

وهكذا أصبحت عقيدة التوحيد تسمى ( ملة إبراهيم )، و( دين إبراهيم)، تشريفا له وتكريما، وكل من أتى بعده من المؤمنين يعد من أتباعه وأوليائه، قال تعالى { وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[9]، وقال تعالى {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[10]، وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}[11]، وقال تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[12]، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا أصبح وإذا أمسى ((أصبحنا على فطرة الإسلام، وعلى كلمة الإخلاص، وعلى دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى ملة أبينا إبراهيم حنيفا مسلما، وما كان من المشركين))[13].

وأخيرا فإن الله تعالى إبراهيم عليه الصلاة والسلام إماما للناس وقدوة يقتدى به إلى يوم القيامة، يقتدي به المؤمنون في إيمانه بالله تعالى وتوكله عليه وإنابته إليه ويقتدي به الدعاة والمصلحون في دعوته إلى الله، و مواجهة الباطل وأهله، والتضحية بكل غال ونفيس من أجل إعلاء كلمة الله، والبراءة من الشرك وأهله، وتربية أهله وأتباعه وتوريث العقيدة الإسلامية للأجيال من بعده، قال تعالى{ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122) ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }[14] ، وقال تعالى: { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ }[15].

 

[1] سورة مريم الآيات من 41 إلى 48

[2] سورة الأنعام الآيات من 75 إلى 81

[3] سورة البقرة الآية 358

[4] سورة الزخرف من الآيات من 26 إلى 28

[5] إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة، الإمام أبو محمد السدي الكبير الحجازي، ثم الكوفي الأعور المفسر مولى قريش . انظر تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام ، للذهبي 3/ 371 ، الناشر تاريخ الغرب الإسلامي- 2003م

[6] النكت والعيون ، تأليف أبو الحسن علي بن محمد الماوردي ، 5 / 222، ط دار الكتب العلمية –بيروت ، تحقيق السيد بن عبد المقصود بن عبد الرحيم

[7] سورة البقرة الآية 132

[8][8] الجامع لأحكام القرآن ، 2/135

[9] سورة البقرة الآية 130

[10] سورة آل عمران الآية 95

[11] سورة النساء الآية 125

[12] سورة النحل الآية 123

[13] مسند أحمد ، 24 / 79 برقم 15663 ، وصححه الشيخ شعيب وآخرون في تحقيق المسند ، والسنن الكبرى للنسائي ، 9/ 5 برقم 9745 ، ط مؤسسة الرسالة –بيروت 1421 هـ

[14] سورة النحل، الآية من 121 إلى 123

[15] سورة الممتحنة، الآية 4


: الأوسمة



التالي
تقرير: 8700 أمر اعتقال إداري إسرائيلي بحق فلسطينيين منذ 2015
السابق
احتجاجا على مشاركة وفد الاحتلال.. وفد أكاديمي كويتي ينسحب من مؤتمر علمي بالبحرين

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع