البحث

التفاصيل

انتصار_وانكسار.

الرابط المختصر :

انتصار_وانكسار.

الأستاذ الدكتور.  مجدي شلش .

الحياة لاتنفك عن فرح وترح، وفرج وضيق، وتقدم وتأخر، وصحة ومرض، وغنى وفقر، وانتصار وانكسار، نعيمها زائل، ومتعتها محدودة، الشدائد والابتلاءات للتمييز والتمحيص.

 الناس معادن، لاتظهر أصالتها وقوتها وروعتها إلا بالمحن والمصائب، فالأصيل منها من ثابر وصمد، والغريب من فتن وحرق، لا بفرحها وانتصارها نغتر، ولا بحزنها وانكسارها نيأس ونقنط ونغتم، أمر المسلم كله خير، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له، قال تعالى: "لكيلا تأسوا على مافاتكم ولاتفرحوا بما آتاكم..."

 شأن المسلم في الحياة حتى ينعم بها لاينفك عن الآتي:

أولا: الشدة والمحنة والابتلاء ليس نهاية الدنيا، وإنما وجه من وجوهها، وطريق من طرائقها، بل كل محنة تحمل في طياتها منحة، والشر لايخلو من خير متلبس به، فالمحن لها فوائدها ومقاصدها الدنيوية والآخروية، ولا يخفى ذلك على أولي الألباب.

ثانيا: مهما كانت المحنة والشدة: من خوف أوجوع أو نقص من الأموال أو الأنفس أو الثمرات، لاداعى لليأس والقنوط والقعود، فاليأس موت للطاقات، والقنوط دمار للروح والحياة، والقعود سكون عن حركة الحضارة، وشرف المحاولة، ومتعة المجاهدة، ولذة الكفاح والمكابدة، قال تعالى:"ياأيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه"وقال سبحانه: "لقد خلقنا الإنسان في كبد"وقال جل شأنه: " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا..."

الأنبياء والرسل أشد الناس بلاء، ماتسلل اليأس أو القنوط أو القعود لحظة إلى قلوبهم، دافعوا عن الحق أمام كل الصعاب، وخاضوا المعارك والغزوات رغم الألم والمكاره وتجمع الأعداء، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله، وماضعفوا، ومااستكانوا، كيف نيأس من تخطي الصعاب والشدائد ولنا رب كريم قادر عظيم ، يعلم السر وأخفى، مطلع على القلوب والصدور، إن علم في قلوبنا خيرا، أعطانا ما نحب من الخير، قال تعالى: "إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم..."وقال سبحانه: "...واعلموا أن الله يعلم مافي أنفسكم فاخذروه..."

هذا أول الواجبات على الأحرار، طهروا قلوبكم حتى تكون محلا لنظر الله ، فالله يحب التوابين ويحب المتطهرين، ومحل نظره لعباده قلوبهم، إن رآها مخلصة صالحة صادقة لاتبتغي إلا مرضاته، ولاترجو سواه، ولاتتعلق إلا به، جعل لها من كل ضيق فرجا، ومن كل هم مخرجا، ورزقها من حيث لاتدري ولاتحتسب، ويسر لها أمرها، ورفع قدرها، وغفرلها ذنبها.

 انظروا أيها الإخوة الأحرار في قلوبكم، طهروها بالتوبة والاستغفار والذكر وتلاوة القرآن وكثرة السجود بين يدي العليم الخبير، تعود لكم الحياة، وتعيشوا البشرى من الله، قال تعالى حكاية عن سيدنا إبراهيم: "...إنا نبشرك بغلام عليم ، قال أبشرتموني على أن مسنى الكبر فبم تبشرون ؟ قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين، قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون".

ثالثا: الوقوف على الأخطاء التي كانت من صنع أيدينا، نستغفرالله منها، ونعمل جاهدين على تخطيها، لا نستكبر، ولانستعلي، ونقول ليس لنا أخطاء، فمن هم أفضل منا قال الله فيهم:"...حتي إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما آراكم ماتحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة..."  

الله الله في مراجعة النفس والعمل، أنزل الله في غزوة أحد وحدها ستين آية، تبرز محاسن الغزوة في بدايتها، وبينت المآخذ والذنوب في آخرها، ووجهت وعلمت وأمرت ونهت ، كل ذلك بعد الغزوة مباشرة، فكان بيانا للناس وهدى وموعظة للمتقين.

ماذا فعلنا قبل الانقلاب، وماذا فعلنا بعده، وماذا فعلنا أثناء فض رابعة العدوية والنهضة وغيرها الكثير والكثير، أين المراجعة والمحاسبة ، الله سبحانه وتعالي عاتب نبيه وحبيبه أشد العتاب، بأقوي الألفاظ بعد أخذه الفدية في أسرى بدر الكبرى، بعد انتصار عظيم، وفرقان للحق ، وإزهاق للباطل، قال تعالى:" ماكان لنبي أن يكون له أسرى حتي يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم"

 من هذا الكلام العظيم تظهر مشروعية بل لزومية المحاسبة والمراجعة، من بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم - لا يحاسب ولايعاتب؟ وقد حاسبه الله سبحانه وتعالى وعاتبه ، وهوالحبيب والمؤيد بالوحي ، ولذلك أيها الإخوةالأحرار : من لايريد المحاسبة أراد عرض الدنيا، فأجدر به أن يتنحى أو ينحى ، حتى لايحصل التنازع، فيكون الفشل والعصيان .

رابعا: لحمة الأمة وتجمع الأحرار فريضة، الفرقة هزيمة وعذاب، والتجمع وحدة وانتصار، لابد من عودة الأمة تحت قيادة راشدة ملهمة ، تقوم بواجبها، فتعفو عما فات من زلات، وتبني بيئة جديدة للحب والأخوة والتصافح والتغافر.

أعجب لأناس يجرون وراء المصالحة مع المجرمين القاتلين ، ولايسعون لمصالحة إخوانهم وأحبابهم، الذين عاشوا في دعوة واحدة، وأكلوا وناموا وشربوا ولبسوا شيئا واحدة ،غفر الله للجميع.

التحدي الآن أيها الإخوة الكرام كامن في الوحدة والأخوة ، والتجمع حول قيادة راشدة والأمة فيه اللؤلؤ والمرجان ، والدرر من الرجال والنساء والولدان.

عودوا صفا واحدة ، الشباب يحترم الكبار ويقدرهم ، ويرفع قدرهم ويجلهم، والشيوخ الأجلاء يقدرون أبناءهم وأولادهم ، الكل ولد للدعوة، يغرس لها في قلوب الناس حتى تثمر الحب والقبول، ولاسبيل إلى ذلك إلا بالرجوع تحت قيادة ملهمة راشدة،  تحاسب على الصغير قبل الكبير، لا عصمة لأحد ، ولاكهنوت لشخص، الكل شركاء الدم والعرض والنفس، المقدم في المسؤلية موقوف بين يدي الله أولا، ومسوؤل عما قدم، والحاذق من تخفف في أمر دنياه ، حتى يطير إلي الجنة بجناحاه.





التالي
حكم «حظك اليوم»
السابق
التحالف بقيادة السعودية: سنمارس ضبط النفس لإنجاح الحوار اليمني اليمني

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع