البحث

التفاصيل

عزيز مصر

الرابط المختصر :

عزيز مصر

بقلم: د. محمد الصغير

استطاع نبي الله يوسف بن يعقوب أن يُنجي مصر من محنة السبع العجاف، وأيام القحط والشدة، من خلال الخطة التي وضعها وقام على تنفيذها بنفسه، وأظهر من خلالها المؤهلات التي جعلته أهلا لهذه المكانة، فلم يرث المنصب بالعصبية النسبية، ولا الجينات الوراثية، ولا بقوة المتغلب، حيث دخل مصر غريبا مملوكا للقافلة التي عثرت عليه في بئر تركه فيه إخوته {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ}. يوسف: (20).

ولم يتدرج في السلم الوظيفي للدولة، ولم يعمل في دواوينها، وإنما خرج من السجن إلى الحكم، لكن مواهبه الشخصية وصفاته الذاتية، وما خصه الله به من سمات القيادة، جعلته رجل الدولة الأول ومرجعها الأساس، وسأعرض بعض ما تميز به عليه السلام في نقاط محددة، علها تكون نبراسا هاديا ووصفة علاجية، يصعد على مراقيها من ينشد الإصلاح، ويجعلها نصب عينيه كلُّ من يرى في نفسه خيرا، ويسعى لخير أمته، ونبين من خلالها ما ينبغي أن يكون عليه قادة الأمم، لاسيما في الحقب الحرجة من تاريخها، وقد اختصرتها في نقاط متسلسلة، حسب مراحل حياته والمواقف المفصلية فيها، مكتفيا بموطن الشاهد مما ورد في سورة يوسف:

1 – النجابة والإدراك المبكر، وقوة المُخيلة: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ}. يوسف: (4).

2 – الميراث النافع بالمتابعة في الحق: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَيْءٍ ۚ ذَٰلِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ}. يوسف: (38).

3 – العفّة عن المحرمات وضبط النفس عن الشهوات: {كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}. يوسف: (24).

4 – الصبر على البلاء والشفقة على الضعفاء والتواضع معهم: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}. يوسف: (39).

5 – ثبات الحجة والثقة بالنفس: “وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ۚ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ}. يوسف: (50).

6 – وضوح الرؤية وتحديد الهدف: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}. يوسف: (55).

7 – حسن التدبير ووضع الخطة: {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ}. يوسف: (47).

8 – قوة الذاكرة والحفظ: {وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ}. يوسف: (58).

9 – الحكمة وحُسن التأتي: {وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ ۚ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ}. يوسف: (59).

10 – الحلم والصفح، وعدم الانتصار للنفس: {قَالُوا إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ ۚ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ۚ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا ۖ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ}. يوسف: (77).

11 – العفو عند المقدرة: {قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}. يوسف: (92).

12 – صلة الرحم وإكرام الأهل: {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ}. يوسف: (93).

13 – فضل العلم، وشكر المنعم: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}. يوسف: (101).

مصر المحروسة

وبعد هذا الحصر المختصر لمعالم الشخصية، التي تعبر في الوقت نفسه عن مراحل حياة ابن الأكرمين، والخطة اليوسفية التي كانت بركة على أهل مصر وما حولها، والتي ساقته الأقدار إليها، حيث لم يتخيل أحد أن الفتى الذي أخرجته القافلة من بئر المياه، سيكون سببا لهم ولبلدهم في النجاة والحياة.

لكن الباحث في تاريخ الأمم وحياة الشعوب، يرى خيطا يَدُلّه على أن وصف مصر (بالمحروسة) له دلالته وما يؤكده، وأنها إذا أشرف أهلها على الغرق جعل الله لهم طريقا في البحر يبسا، وإذا ألمت بهم الأزمة الخانقة، وعادت إليهم سنوات يوسف، كان ذلك إيذانا بخروج يوسفها وزوال محنتها، وموعدها مع عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الكاتب د. محمد الصغير: عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الأمين العام للهيئة العالمية لنصرة نبي الإسلام.


: الأوسمة



التالي
تقديراً لجهوده في خدمة العلم والإسلام.. تكريم سماحة الشيخ الخليلي بوسام “نجمة باكستان” أحد أرفع الأوسمة المدنية
السابق
أمة عزيزة بلا قيادة رشيدة.

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع