الدكتور وصفي عاشور أبوزيد: "رمضان فرصة للتزود بالأجور المضاعفة" (حوار)
أكد فضيلة الداعية الإسلامي أ.د. وصفي عاشور أبوزيد، أستاذ مقاصد الشريعة الإسلامية، رئيس لجنة التزكية والتعليم الشرعي في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، على ضرورة استثمار كل لحظة في رمضان، مطالباً الصائم بأن لا ينفق دقيقة واحدة في غير طاعة، ولا ينظر لغيره، بل يجعل من نفسه الفارس الأول في حلبة السباق، وينفض عنه غبار الكسل والتراخي، وتسلّم قياد النشاط والدأب.
واسترجع فضيلته في حوار خاص لـ الوطن شريط ذكرياته مع رمضان، متناولا العادات والتقاليد التي يحرص على إحيائها في الشهر الكريم، والذكريات التي لا تفارق مخيلته، مثل: قرآنُ ما قبل المغرب الذي كان للمشايخ الكبار، أمثال الشيخ رفعت، والشيخ الحصري، والشيخ المنشاوي، والشيخ عبدالباسط، والشيخ البنا، والشيخ مصطفى إسماعيل، وآخرين، كان له مذاق خاصة ومتعة فريدة، وكذلك صلاة التراويح التي يتوافد الناس عليها، لا سيما أول رمضان، وكذلك طقوس صلاة الفجر وما يسبق الأذان من «قرآن الفجر» الذي كان خاشعا نديًّا، وكذلك تواشيح ما قبل الأذان التي كانت تطرب لها الآذان، وتنشرح لها الصدور، وتحلق بها الأرواح.. وغيرها من التفاصيل التي سيتطرق لها في هذا الحوار الرمضاني:
بدايةً كيف يكون الاستثمار الأمثل للشهر الكريم؟
- الاستثمار الأمثل لشهر رمضان يكون بأمور قبله وأمور معه وأمور بعده، فما قبله يكون ابتداء من رجب، استعدادا وامتدادا، فمن يهيئ نفسه لرمضان قبله بوقت كافٍ لا شك أن ثمرات رمضان ستكون معه أفضل ممن دخل على رمضان دون استعداد ولا تهيئة، ومثل ذلك الصلاة، والله تعالى يقول: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)، ومن تعظيم الشعائر الاستعداد لها قبل مجيئها، والسلف كانوا يدعون الله تعالى مدة ستة أشهر بعده أن يتقبل الله منهم، ومن ذلك أيضا استثمار روح رمضان واستصحابها بما حصَّلنا منه من خيرات وبركات وفيوضات لبقية العام، فهي محطة سنوية تجدد الإيمان وتشرح الصدور وتصفي النفوس وتجلي العقول وتقرب الدموع، وحري بنا أن نتعرض فيها لنفحات الله التي أكرمنا بها، كي تكون زادا لنا بقية العام، وهذا من مقاصد العبادات.
وما هي الأمور التي يجب أن نلتزم بها أثناء الشهر الفضيل؟
- أثناء رمضان يجب استثمار كل لحظة فيه، فرمضان كما قال الله عنه: (أياما معدودات) فلا تنفق دقيقة واحدة في غير طاعة، ولا تنظر لغيرك، بل اجعل من نفسك الفارس الأول في حلبة السباق، وانفض عنك غبار الكسل والتراخي، وتسلّم قياد النشاط والدأب، وسوف ترى من أعاجيب فتح الله عليك ما تدمع له عينك: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)؛ فلا ينبغي تصوير رمضان على أنه مضى وانتهى، وإن كان ذلك بنية استحثاث الناس على الجدية واستثمار الوقت، وإنما قد يغفر للإنسان في آخر دقيقة من رمضان، فلا تزهدوا في أي دقيقة من الشهر الكريم، فإن لله عتقاء من النار في كل ليلة منه، ولعل ليلتك تكون الأخيرة، وهذا يجعل المسلم مستنفرًا طوال الوقت حتى آخر لحظة من رمضان.
مواقف وذكريات
هل تتذكر أول يوم صيام لك وأي ذكرى تركها ذلك اليوم في ذهنك؟
- نعم، كنت في التاسعة من العمر تقريبا، وكانت عندي– كما عند الأطفال في وقتها– رغبة أكيدة في الصيام، وذلك تقليدا للكبار، وانسجاما مع حال المجتمع، وكان الوالد وقتها– رحمه الله تعالى– يرى أن في الصيام مشقة كبيرة علينا فيُكرهنا أحيانا على الفطر، وأحيانا أخرى يتركنا، علما أن هذا الوقت كان في صلب فصل الصيف؛ حيث شدة الحرارة وشدة العطش، ومن الذكريات التي لا تفارق مخيلتي قرآنُ ما قبل المغرب الذي كان للمشايخ الكبار، أمثال الشيخ رفعت، والشيخ الحصري، والشيخ المنشاوي، والشيخ عبد الباسط، والشيخ البنا، والشيخ مصطفى إسماعيل، وآخرين، كان له مذاق خاصة ومتعة فريدة، وكذلك صلاة التراويح التي يتوافد الناس عليها، لا سيما أول رمضان، وكذلك طقوس صلاة الفجر وما يسبق الأذان من «قرآن الفجر» الذي كان خاشعا نديًّا، وكذلك تواشيح ما قبل الأذان التي كانت تطرب لها الآذان، وتنشرح لها الصدور، وتحلق بها الأرواح.
ما العادات والتقاليد التي تحرص على إحيائها في هذا الشهر الفضيل؟
- العادات والتقاليد التي نحرص عليها في شهر رمضان هي عبادات بالدرجة الأولى، وهي السحور قبيل الفجر، وصلاة الفجر، وتلاوة أذكار الصباح وشيء من الورد القرآني، ثم ننام قليلا، ثم نسعى في الأرض على معايشنا واكتساب رزقنا، ثم إن كانت هناك فرصة للقيلولة فعلنا، ثم نتهيأ لما قبل المغرب بأذكار المساء والدعاء، ثم الإفطار على تمرات وصلاة المغرب، ثم الإفطار، ثم شيء من الورد القرآني، ثم صلاة التراويح، وبعدها نجلس مع الأسرة والأولاد للتذكير والمؤانسة، ثم نخلد إلى النوم، وهكذا.
ما الفرص المتاحة لتقوية أواصر القربى والأخوة بين المسلمين في رمضان؟
- لا شك أن رمضان فرصة لصلة الأرحام، وبخاصة في بدايته بالتهنئة، وفي نهايته في العيد بالتهنئة، وتماسك المجتمع وتقوية نسيجه من مقاصد الإسلام الكبرى، ففي هذا الشهر الحد الأدنى هو هذه التهاني التي يتيحها رمضان مرتين في الشهر، ابتداء وانتهاء في العيد، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يهنئ الصحابة والمسلمين بشهر رمضان، فالدعاء طوال أيام الشهر لذوي الأرحام وغيرهم متاح ومطلوب، وهو نوع من أنواع صلة الرحم، وفي العيد فرصة عظيمة للتزاور والتواصل وتبادل التهاني وإدخال الفرح والسرور على المسلمين: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون).
رسائل ونصائح
ما الرسالة أو النصيحة التي توجهها إلى الشباب في هذا الشهر؟
- ما أنصح به الشباب أن يكون هذا الشهر لهم محطة للتزود وتعزيز التقوى وتجويد العبادة، وإتعاب النفس والبدن في القيام والصيام، ثم الاعتكاف؛ إرضاء لله تعالى بتعبيد هذا البدن لله، فرسولنا كان يقوم الليل حتى تتورم قدماه، كما أن هذا الشهر هو شهر التغيير؛ حيث تحدث فيه تغييرات كونية كما ورد في حديث أبي هريرة السابق ذكره: «تفتحُ فيه أبوابُ الجنَّةِ، وتُغلَق فيه أبوابُ الجحيم، وتُغَلُّ فيه مَرَدَةُ الشياطينِ»، وهذه التغييرات الكونية تؤذن بوجوب التغيير الفردي والجماعي والمجتمعي، فالشباب يجب أن يكون لهم النصيب الأكبر من هذه الرسائل: رسائل العبادة وتجويدها، ورسائل التغيير ومتطلباته.
ما الرسالة التي ترغب في إرسالها إلى سيدات البيوت في رمضان؟
- في الحقيقة ما تقوم به سيدات البيوت من دور وعمل يفوق الخيال، ويجب أن تقابلها الأسرةُ كلها ابتداء من الزوج وانتهاء بالأولاد بكل تقدير وعرفان وامتنان ووفاء، فرغم الصيام والجهد فهي تقوم على شؤون البيت من طبخ وغسل وتنظيف، وتعهد للصغير والكبير، وهذا يمثل جهدا مضاعفا على الزوجة أو ربة البيت، ويقتضي أن يسهم الجميع في تخفيف العبء عنها، وحمل بعض الأشغال والأثقال عن كاهلها، فمن حقها أن تتفرغ ولو قليلا من الوقت لإشباع روحها وترقيق قلبها من بركات رمضان، ورغبتها في عباداته، ولكني أود هنا أن أهمس في أذن كل زوجة وكل ربة بيت، وكل بنت تساعد أمها أو زوج يساعد زوجته بأن الوقت الذي تقضيه كل واحدة منكن في مكان الطعام والشراب والغسيل والنظافة هو عبادة محضة لله تعالى، فجددي النية واعقديها بذلك، ولا تظني أنه خارج إطار العبادة؛ لأن إخراج هذا من كونه عبادة؛ فضلا عن أنه يخالف الشرع ففيه- والشرع جاء للتخفيف وإسعاد الناس- ضغطٌ هائل على نفسية المرأة بعدم تمكنها من رغبتها فيما تظن أن العبادة محصورة فيه، مثل: قراءة القرآن، والذكر، والاستغفار، والتسبيح، والدعاء، ونحو ذلك، فاعتبار عمل البيت عبادة - وهو كذلك- يدخر الأجر الجزيل من ناحية، ويخفف عبء الضغط النفسي من ناحية أخرى، ومن المهم التوازن وتنظيم الوقت، فهذا كفيل بأن يجعل ربات البيوت يخرجن من رمضان بأفضل مما دخلن فيه، والله ذو الفضل العظيم.
ثواب وعقاب
ما أبرز الأمور التي تذهب بأجر الصيام وتقلل من تأثيره على النفس؟
- شهر رمضان فرصة للتزود والتعبد والأجور المضاعفة، ولا يتصور من المسلم- وقد علم هذا- أن يتلهى بما يشغله عن ذلك، من نوم طويل، وسهر كثير، وإضاعة للأوقات، واقتراف للصغائر فضلا عن الكبائر، وإنفاق للوقت أمام الشاشات، وفي وسائل التواصل الاجتماعي، فكل هذا يجعل الصوم بلا فائدة ترجع إليه، ولا عائدة تعود عليه، وهو ما يناقض مقاصد الشريعة من فريضة الصوم، وهذا شهر عظيم، حري بكل مسلم أن يبعد عن كل ما يقلل الأجر ويُضْعف الثواب، ونحن مطالبون بأن نعظم هذا الشهر بما هو شعيرة من شعائر الإسلام الكبرى، وأن نحصّل فيه ما يغير النفس للأحسن ويشرح الصدر ويقرب الدمعة، ونخرج به منه أفضل مما كنا، ونأخذ منه زادا إلى رمضان القادم، وهذا لا يتحقق بما يصرف عن عظائم الأمور ومعاليها إلى سفاسفها ودوانيها.
حدثنا عن الطريقة المثلى للتعامل مع القرآن الكريم في شهر رمضان المبارك؟
- نزل القرآن الكريم في رمضان، كما نزلت كل الكتب السابقة، ومن مقومات تفضيل رمضان أن فيه نزل القرآن: «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان»، وكذلك أن فيه ليلة القدر، ومن ثم فإن قراءة القرآن من العبادات المهمة والرئيسة في هذا الشهر الكريم، وفي قراءتك للقرآن الكريم لا يكن نظرك على آخر السورة فقط أو آخر وردك، وإنما أعطِ اهتماما لتلمُّسِ المعاني وتَفَهُّم مطلوبات القرآن ومراده ومقصوده، والتأمل في نظْمه ومفرداته، فالله تعالى أنزل القرآن للعمل، ولن يكون العمل سديدا وصحيحًا إلا بعد التدبر والتفهم: (كِتَـٰبٌ أَنزَلۡنَـٰهُ إِلَیۡكَ مُبَـٰرَكࣱ لِّیَدَّبَّرُوۤا۟ ءَایَـٰتِهِ)، فاجعل لك مع وردك القرآني نصيبا من التدبر والتأمل؛ فإنك بذلك تكون متسقًا مع المراد والمقصود من إنزال القرآن، والطريقة التي أنصح بها وأراها فعالة جدا ومثمرة حقا في قراءة القرآن- في رمضان وغير رمضان- هي القراءة الموضوعية، بحيث يجعل المسلم لكل ختمة من القرآن موضوعا يبحث عنه فيها، فهذه ختمة للبحث عن التقوى، وهذه ختمة للبحث عن الصلاح والإصلاح، وتلك ختمة للبحث عن التربية في القرآن، وأخرى عن السياسة، وغيرها عن العمران، أو العبادة، وهكذا.. فلو اتبع المسلم هذه الطريقة سيرى بعين الحقيقة بركات القرآن وفيوضاته، ويقف على نوع جديد من إعجازه المبهر، كما أنه سيكسب رؤية معصومة عن موضوع ما، وليست مجرد رؤية اجتهادية بشرية، وإنما رؤية صادرة عن وحي معصوم، فهذه هي الطريقة المثلى والفعالة والمثمرة التي أنصح بها كل مسلم في التعامل مع القرآن الكريم، في رمضان، وفي غير رمضان.
ما أهمية الصدقة خلال أيام شهر رمضان وفضائلها في العشر الأواخر؟
- كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان، أما عن منزلة الصدقة في العشر الأواخر فلا أعلم أثرا يميزها عن غيرها في رمضان، إلا من قبيل ما استقر من مجموع النصوص والأعمال، أن الأعمال الصالحة في الأزمنة الفاضلة يكون ثوابها أعظم، ولا شك أن العشر الأواخر لها خصوصية بما تحتويه من ليلة القدر، فللعمل الصالح فيها مزية عن غيرها، والله أعلم.
وأخيرا.. ما نصيحتكم لمواصلة الطاعات بعد انقضاء الشهر الكريم؟
- إذا علم المسلم قيمة الدنيا ومكانة الآخرة، ثم ذاق حلاوة الطاعة في رمضان، فإنه لا يسعه في هذه الصراحة مع النفس إلا أن يسعى إلى تثبيت عباداته في يومه وليله حتى تكون جزءا من كيانه، وعلامة على صدق إيمانه، وقد عدد أستاذنا د. صلاح الدين سلطان- فرج الله عنه- في كتابه القيم: «ثوابت الإيمان بعد رمضان» أربعة ثوابت يجب أن يسعى المسلم للتمسك بها، فهي من ثمرات العبادة في رمضان، ومن مؤشرات الثبات على الطاعة بعد رمضان، ويمكن الرجوع للكتاب على شبكة الإنترنت للانتفاع به والدعاء لصاحبه، لكننا نذكر هنا عناوين هذه الثوابت، وهي؛ الأول: من زيارة المساجد إلى عمارتها، والثاني: تعاهد القرآن تلاوة وفهما وعملا ودعوة، والثالث: الانتظام في ورد دائم من الصيام بعد رمضان، والرابع: المشاركة الفعالة في أعمال البر والنفع العام.. مع التسلح بالعلم ومجاهدة النفس، وندعو الله تعالى أن يتقبل منا ومن المسلمين الصيام والقيام والزكاة والدعاء وصالح الأعمال، وأن يكتب لأمتنا الخير والرشد إنه على كل شيء قدير، والحمد لله رب العالمين.