البحث

التفاصيل

في ظلال مقاصد التوحيد (توحيد الله تعالى في الأسماء والصفات نظرة مقاصدية)

الرابط المختصر :

في ظلال مقاصد التوحيد (توحيد الله تعالى في الأسماء والصفات نظرة مقاصدية)

بقلم: الدكتور انجوغو امباكي صمب – عضو الاتحاد

(الحلقة الثامنة)

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن توحيد الأسماء والصفات هو ((الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، من غير: تحريف ولا تعطيل، ومن غير: تكييف ولا تمثيل))[1]، قال تعالى { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }[2]، وقوله {وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى}: (( لأنها دالة على معان هي أحسن المعاني، والمراد بها الألفاظ وقيل الصفات، {فَادْعُوهُ بِها } : فسموه بتلك الأسماء { وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ}: واتركوا تسمية الزائغين فيها الذين يسمونه بما لا توقيف فيه))[3] قال السعدي رحمه الله ((هذا بيان لعظيم جلاله وسعة أوصافه، بأن له الأسماء الحسنى، أي: له كل اسم حسن، وضابطه: أنه كل اسم دال على صفة كمال عظيمة، وبذلك كانت حسنى))[4].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: (( لله تسعة وتسعون اسما، مائة إلا واحدا، لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر))[5]، قال النووي رحمه الله ((واتفق العلماء على أن هذا الحديث ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى فليس معناه أنه ليس له أسماء غير هذه التسعة والتسعين وإنما مقصود الحديث أن هذه التسعة والتسعين من أحصاها دخل الجنة فالمراد الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء))[6].

ومذهب السلف الصالح الذي هو الإيمان بالأسماء والصفات بلا تأويل ولا تشبيه ولا تعطيل، هو المنهج الأعلم لدلالة القرآن والسنة عليه، و المنهج الأسلم لما فيه من كمال التصديق بالكتاب والسنة، والتسليم لما جاء فيهما من النصوص المحكمة وعدم معارضتها بالأهواء والأقيسة الفاسدة، كما أنه المنهج الأعم لكونه عقيدة سلف الأمة الصالح من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، وعقيدة أعظم أئمة الإسلام كأبي حنيفة ومالك وأحمد والشافعي رحمهم الله تعالى، وهي كذلك عقيدة من تبعهم من عامة المسلمين، قال الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله ((وأجمعوا على وصف الله تعالى بجميع ما وصف به نفسه، ووصفه به نبيه من غير اعتراض فيه، ولا تكييف له، وأن الإيمان به واجب، وترك التكييف له لازم))[7]، وقال ابن عبد البر رحمه الله (( أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة، والإيمان بها، وحملها على الحقيقة، لا على المجاز، إلا أنهم لا يكيفون شيئا من ذلك، ولا يحددون فيه صفة محصورة))[8].

  • تحقيق توحيد الأسماء والصفات . 

و يتحقق توحيد الأسماء والصفات بما يلي :

 أولا : الإيمان بالأسماء والصفات بلا تأويل ولا تشبيه ولا تعطيل .

وذلك بالإيمان بما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، كما يليق بكماله وجلاله دون اشتغال بما يقدح في ذلك الإيمان من تأويل أو تشبيه أو تعطيل، قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي[9] رحمه الله (( اعلموا أن مبحث آيات الصفات دل القرآن العظيم أنه يتركز على ثلاثة أسس من جاء بها كلها فقد وافق الصواب وكان على الاعتقاد الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الصالح، ومن أخل بواحد من تلك الأسس الثلاثة فقد ضل، وكل هذه الأسس الثلاثة يدل عليها قرآن عظيم، أحد هذه الأسس الثلاثة هو: تنزيه الله جل وعلا على أن يشبه بشيء من صفاته شيئا من صفات المخلوقين ...، الثاني من هذه الأسس هو: الإيمان بما وصف الله به نفسه لأنه لا يصف الله أعلم بالله من الله...، والإيمان بما وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم...، الثالث : أن تقطعوا أطماعكم عن إدراك حقيقة الكيفية لأن إدراك حقيقة الكيفية مستحيل)) [10].

ثانيا التحقق بمعرفتها .

وذلك بمعرفة الأسماء والصفات مقتضياتها وآثارها، علما يورث المحبة والتعظيم لله سبحانه وتعالى، قال ابن القيم رحمه الله (( فلكل صفة عبودية خاصة هي من موجباتها ومقتضياتها؛ أعني من موجبات العلم بها، والتحقق بمعرفتها وهذا مطرد في جميع أنواع العبودية التي على القلب والجوارح؛ فعلم العبد بتفرد الربّ تعالى بالضر والنفع، والعطاء والمنع، والخلق والرزق، والإحياء والإماتة: يثمر له عبودية التوكل عليه باطناً، ولوازم التوكل وثمراته ظاهراً، وعلمه بسمعه تعالى وبصره وعلمه، وأنه لا يخفى عليه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، وأنه يعلم السر وأخفى، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور: يثمر له حفظ لسانه وجوارحه وخطرات قلبه عن كلّ ما لا يرضي الله))[11].

ثالثا : إحصاء أسماء الله الحسنى .

وينبغي على الموحد المؤمن بالأسماء والصفات أن يجتهد في حفظها وإحصائها، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة ))[12]، قال ابن حجر رحمه الله ((اختلفوا في المراد بإحصائها فقال البخاري وغيره من المحققين معناه: حفظها، وهذا هو الأظهر لأنه جاء مفسرا في الرواية الأخرى من حفظها، وقيل أحصاها: عدها في الدعاء بها، وقيل : أطاقها أي أحسن المراعاة لها والمحافظة على ما تقتضيه وصدق بمعانيها، وقيل معناه: العمل بها والطاعة بكل اسمها والإيمان بها لا يقتضي عملا، وقال بعضهم المراد: حفظ القرآن وتلاوته كله لأنه مستوف لها، وهو ضعيف والصحيح الأول ))[13].

وهذه المعاني في الحقيقية متقاربة ومتداخلة، لأن مقصد حفظ أسماء الله تعالى هو العلم بها ومعرفتها والدعاء بها، وليس مجرد تردادها واستظهارها، ومن داوم على ذكرها و جاهد نفسه على ما تقتضيها أطاقها بتوفيق الله تعالى، والسبيل إلى ذلك كله هو ثبوتها من ناحية الرواية والعلم بمعانيها من ناحية الدراية، فليس من إحصاء أسماء الله تعالى حساب حروفه لمعرفة خواصها أو استحضار خدامها كما يعتقد بعض المبتدعة والجهال.

رابعا : التخلق بما يمكن من الصفات .

الصفات الإلهية كمال مطلق لا يطيقها مخلوق، ومنها ما يمكن للمخلوق أن يقتبس منها ما يمكن في حقه، كما أن منها ما ليس للمخلوق منها أدنى نصيب، قال العزّ بن عبد السلام رحمه الله : ((فصل : لا يصلح لولاية الديان من لم يتأدب بآداب القرآن، ولم يتخلق بصفات الرحمن على حسب الإمكان، فإنه محسن أمر بالإحسان، مفضل أمر بالإفضال، غفار أمر بالغفر، ستير أمر بالستر، جبار أمر بالجبر قهار أمر بالقهر...))[14].

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)) قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة، قال صلى الله عليه وسلم : (( إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق، وغمط الناس)) [15]، قال المناوي رحمه الله قوله ((إن الله تعالى جميل)) : (( له الجمال المطلق ومن أحق بالجمال من كل جمال في الوجود من آثار صنعته فله جمال الذات وجمال الصفات وجمال الأفعال...((يحب الجمال)) : (( أي التجمل منكم في الهيئة أو في قلة إظهار الحاجة لغيره، وسر ذلك أنه كامل في أسمائه وصفاته فله الكمال المطلق من كل وجه ويحب أسماءه وصفاته ويحب ظهور آثارها في خلقه فإنه من لوازم كماله))[16].

 ومثله قوله صلى الله عليه وسلم ((من لا يرحم الناس، لا يرحمه الله عز وجل))[17]، قال السعدي رحمه الله ((يدل هذا الحديث بمنطوقه على أن (مَنْ لَا يَرْحَمِ النَّاسَ لَا يَرْحَمْهُ اللَّهُ) وبمفهومه على أن من يرحم الناس يرحمه الله...، فرحمة العبد للخلق من أكبر الأسباب التي تنال بها رحمة الله التي من آثارها خيرات الدنيا وخيرات الآخرة))[18].

يتبع ....

(الحلقة السابعة في ظلال مقاصد التوحيد "من مقاصد الخلق والإيجاد")

 

 

[1] العقيدة الواسطية، تأليف  أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ( ابن تيمية ) ص 59 ، تحقيق أبو محمد أشرف بن عبد المقصود،

الناشر: أضواء السلف - الرياض 1420هـ

[2] سورة الأعراف ، الآية 180

[3] أنوار التنزيل وأسرار التأويل، 3 / 43

[4] تيسير الكريم الرحمن، ص 309

[5] متفق عليه : صحيح البخاري ، 7 / 78 ، برقم ( 6410 )، صحيح مسلم ، 4 / 2062 ، برقم ( 2677)

[6] المنهاج في شرح صحيح مسلم،  للنووي، 17 / 5

[7] رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب، ص ، 133

[8] التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، تأليف أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي، 7 / 145 ، تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي, محمد عبد الكبير البكري، الناشر: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية - المغرب1387 هـ

[9] هو محمد الامين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي، فقيه واصولي  ومفسر ولغوي، من علماء شنقيط (موريتانيا). ولد وتعلم بها، وحج سنة 1367هجرية ، واستقر مدرسا في المدينة المنورة ثم الرياض، وأخيرا في الجامعة الاسلامية بالمدينة، توفي رحمه الله بمكة سنة 1393 هجرية . انظر: الأعلام ، للزركلي، 6 / 45

[10] منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات ، تأليف محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي ، ص 9 فما بعدها ، الناشر : الدار السلفية - الكويت ، 1404هـ

[11] مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة، تأليف محمد بن أبي بكر بن أيوب (ابن قيم الجوزية ) 2 / 90 الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

[12] متفق عليه : صحيح البخاري ، 3 / 198 ، برقم ( 2736 )، صحيح مسلم 4 / 2063 ، برقم ( 2677 )

[13] فتنح الباري لابن حجر العسقلاني ، 17 / 6

[14] شجرة المعارف والأحوال ، ص 22

[15] صحيح مسلم، 1 / 93 ، برقم ( 91 )

[16] فيض القدير شرح الجامع الصغير، 2 / 224

[17] صحيح مسلم ، 4 / 1809 ، برقم ( 2319 )

[18] بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار، تأليف عبد الرحمن بن ناصر السعدي، ص 169 ،الناشر: وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية ، 1423هـ


: الأوسمة



التالي
الدوحة: ضمن فعاليات معرض رمضان للكتاب.. د. علي الصلابي «أولو العزم» هم المرجعية الكبرى للإنسانية
السابق
موعد الإمساك عن الطعام

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع