شهر الطعام ، لاشهر الصيام
الشيخ . محمد الغزالي
أعلم أن رمضان حق ، وأن صومه فرض ، وأن قيامه مستحب ، وأن أوقاته أزكى من سائر العام ، ومن ثَمّ استثيرت لها الهمم ، فنادى مناد من قبل الحق : يا باغي الشر أقصر ، وياباغي الخير هلم !
وعلى المؤمنين أن يفوزوا في هذا السباق...
ولكني عندمـا يقبل رمـضـان أشـعـر بالوجل ، لا من العبادات المفروضة بل من العادات السائدة !
فقد أبي المسلمون إلا تعكير رونق الشهر المبارك بما استحدثوه من أمور لا تصح بها دنيا ولا يصلح بها دين . .
المعروف أن الليل سكن للأنفس ، وأن السهر فيه قد يكون من شُرطي يحرس الأمن أو جندى يحمى الثغور أو طبيب يرعى المرضى أو عامل في نوبته لمواصلة الإنتاج !
والسهر في رمضان إنما هو تهجد لمناجاة الله وقراءة كتابه والتسبيح بحمده والإعداد للقائه !
فما معنى أن يسهر المسلمون في رمضان للتسلية الفارغة واللغو الطويل ؟ !
وما معنى أن تُعد لهم برامج خاصة كي يضحكوا ؟
ومن حقهم أن يبكوا أو يهدءوا ، ومن حقهم أن يشكوا ، ألا يحس المسلمون ضراوة العدو بهم ونيله الشديد منهم ؟!!
إن نصف الأمة الإسـلامـيـة يترنح تحت وطأة الاستـعـمـار الص ليبي والـشـ يـوعى ، والنصف الآخر يرى دينه منكور التوجيه في أكثر من مـيـدان ، ولا يستطيع أن يفعل شيئًا .
ففيم المجون والضحك ؟ ! !
ومعروف أن استهلاك الأغذية يتضاعف تقريبًا في رمضان ، وأن الحكومات توفر مزيدًا من السلع لاستقبال الشهر ، وكأنما هو شهر الطعام لاشهر الصيام .
ويبدو أننا نجوع كثيرا لنأكل كثيرا ، وما شرع الله الصيام لهذا النوع من الفعل ورد الفعل !
إن شريعة الصيام تدريب على ج هاد النفس والتحكم في مطالـبـهـا ورغائبها وإخـضـاعـهـا لـضـوابط الأمر والنهي ، وإشـعـار الإنسان أنه روح قـبـل أن يكون جـسـمـًا، وعـقـل قـبـل أن يكون هوى وغرائز ...
والحضارة المعاصرة نسيت هذه الحقائق كل النسيان ، وبنت سلوكها على إجابة النداء الحيواني للأجهزة الدنيا في البدن ، وعلى اعتبار الكبت ـ مهما شرف سببه - ضارًا بالإنسان !!
ترى ما الفرق بين البشر وغيرهم من الحيوانات إذا كان الإنسان يفعل ما يحلو له دون أي اعتراض ؟
أرجو أن يقدم المسلمون سلوكًا في رمضان يشرف هذه العبادة الرفيعة وتنتعش به الروحانية الذابلة في عالمنا ...
الحق المر