البحث

التفاصيل

في ظلال مقاصد التوحيد (بعض المقاصد والحكم في خلق الجن والشياطين)

الرابط المختصر :

في ظلال مقاصد التوحيد (بعض المقاصد والحكم في خلق الجن والشياطين)

بقلم: الدكتور انجوغو امباكي صمب – عضو الاتحاد

الحلقة 13

ومن الحكم والمقاصد في خلق الجن والشياطين : ابتلاء البشر بهم، فالله تعالى يبتلي بعض عباده ببعض، ومن ذلك ابتلائه البشر بالجن بما مكنهم من الوسوسة والإغواء، وتزيين السيئات والمعاصي، والصد عن الصراط المستقيم، والأذى وإلحاق الضرر بهم بواسطة السحر وغيره، لمن قدر الله تعالى أنه يصيبه شيء من ذلك، قال تعالى في تعليم الجن السحر للبشر {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ ...}[1].

 وقال تعالى في مس الجن للبشر { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [2].

وقال تعالى في إيحاء الشيطان إلى أوليائه من البشر وتلقينهم الشبهات التي يجادلون بها المؤمنين {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}[3]. وقال تعالى في قسم الشيطان على إضلال البشر وأمرهم بتغيير خلق الله {لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا }[4].

 وقال تعالى في ابتلاء البشر بإغواء الشيطان وإضلاله بمختلف الطرق و الوسائل { قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا }[5].

 وقال تعالى في محاولة الشيطان التلبيس على الرسل وخلط الوحي بالباطل من القول {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[6].

وقال تعالى في وسوسة الشيطان في قلوب الناس {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ }[7] .

  • حصن المؤمن الحصين من الجن والشياطين

والمؤمن بالله تعالى المستمسك بشرعه لا يرجو من الجن والشياطين نفعا ولا يخاف منه ضرا، لأن النفع والضر ليسا بأيديهم، وإنما هما بيد الله الواحد الأحد، وحصن المؤمن الحصين وملاذه الآمن من الجن والشياطين هو الله رب العالمين، فبه وحده يستعيذ المؤمن من شر الجن والشياطين، وبقوته يستجير من مكائدهم وحيلهم، قال تعالى { وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ}[8]، أي ((إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ أي بعلمه وقضائه وتكوينه فالساحر يسحر والله تعالى يقدر ويكون ذلك بقضائه تعالى وقدرته ومشيئته ))[9].

 ولا يضل الجن والشياطين إلا من تولاّهم من البشر واتبع خطواتهم { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ}[10]، وقوله {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ} أي: (( تسلطه {عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ} أي: يجعلونه لهم وليا، وذلك بتخليهم عن ولاية الله، ودخولهم في طاعة الشيطان، وانضمامهم لحزبه، فهم الذين جعلوا له ولاية على أنفسهم، فأزَّهم إلى المعاصي أزًّا وقادهم إلى النار قَوْدًا))[11].

ولهذا، فإن من ضعف في الإيمان بالله تعالى ما نشاهده اليوم من الخوف الشديد من الجن والشياطين، والمبالغة في تقدير قوى الجن والشياطين، واعتقاد أنهم خلف جميع ما يحدث للناس من أمراض جسدية ونفسية، وحوادث سيارات، واحتراق بيوت ...، قال تعالى { إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا }[12]، (( أي إن كيده للمؤمنين بالإِضافة إلى كيد الله سبحانه وتعالى للكافرين، ضعيف لا يؤبه به فلا تخافوا أولياءه، فإن اعتمادهم على أضعف شيء وأوهنه))[13].

"الحلقة (12): في ظلال مقاصد التوحيد (مقصد التصديق بعالم الغيب والكشف عن أسراره العظيمة)"

يتبع....

 

[1] سورة البقرة، الآية 102

[2] سورة البقرة، الآية 275

[3] سورة الأنعام، الآية 121

[4] سورة النساء، الآيات من 118 إلى 121

[5] سورة الإسراء، الآيتان 63 ، 64

[6] سورة الحج ، الآيات 52 ، 53 ، 54

[7] سورة الناس.

[8] سورة البقرة، الآية 102

[9] لباب التأويل في معاني التنزيل، 1 / 176

[10] سورة النحل، الآيات 98، 99، 100

[11] تيسير الكريم الرحمن، ص 449

[12] سورة النساء، الآية 76

[13] أنوار التنزيل وأسرار التأويل، 2 / 84





التالي
مفتي سلطنة عُمان: "حرق القرآن تحدٍّ علني للمسلمين والإقدام عليه لن يحجبوا نوره”
السابق
فتح مكة.. النصر الرمضاني الأكبر

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع