البحث

التفاصيل

الأخوة شعار وحقيقة

الرابط المختصر :

الأخوة شعار وحقيقة

أ.د. مجدي شلش

الأخوة رباط القلوب، وعنوان صفائها، وعبير الأرواح وسموها، أخت الإيمان، ولا إيمان إلا بها، تختلف العقول في آرائها، لكن لاتختلف القلوب في محبتها لإخوانها، قوة الأخوة قبل قوة القوة، ومن لاقوة له بالأخوة فلا قوة.

 مهما كانت قوة المال أو الجاه أو السلاح، كلها عديمة القوة إن لم تكن هناك أخوة، من استقوى على إخوانه بمال أو جاه أو سلطان ذل، ومن تكبر بسبق أو عبادة ضل، ومن جعل نفسه فوق إخوانه فقد حقر ما عظم الله.

الأخوة عالم من الحب والعطاء، والصدق في النصيحة والإخلاص، ثمرة العقيدة الصحيحة، والعبادة السليمة، وأخت الإيمان الصادق، قال تعالى: " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض" وقال سبحانه " إنما المؤمنون إخوة" وقال الحبيب المصطفى – صلى الله عليه وسلم – "المؤمن أخو المؤمن" " المؤمن للمؤمن كالبنيان".

  شهدت الدنيا أخوة الأنصار وإيثارها، وكرمها بالروح والعطاء وصدقها، لا كرم فوق كرم إخوة الأنصار، ولا عطاء فوق عطائها، سعدت الدنيا بجمع القلوب بالمحبة، والنفوس بالصفاء والإيثار،"...يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون علي أنفسهم ولوكان بهم خصاصة..."

نحن نتساءل بالليل والنهار"متى نصر الله" والقلوب متخاصمة، والأرواح متنافرة، والجفاء والشقاق حقيقة واقعة، لا نصر إلا بالحب، ولا تقدم إلا بجمع القلوب، العدو استغل فرقتنا، فنادى في المدائن أننا " شرذمة قليلون، وإنهم لنا لغائظون، وإنا لجميع حاذرون" فأخرجونا من أعمالنا وديارنا، وعذبونا وقتلونا وشردونا بأفعالنا، ولا راد لهم إلا بعودتنا لقوتنا، وفي مقدمتها: إيمان بالله قوي، وأخوة ناصحة صادقة، والاستعداد حسب قوله تعالي:" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم..."

الأخوة شعار وحقيقة، وحقيقتها متمثلة في الآتي:

أولا: الناس لآدم، وآدم من تراب، الناس شعوبا وقبائل خلقهم الله ليتعارفوا، والتعارف بداية التفاهم، والتفاهم عصب التكافل، فلا أخوة بلا تعارف وتفاهم وتكافل، ومن بات شبعان وأخوه جائع فقد نقض عرى الأخوة، والشبع ليس قاصرا على البطن، وإنما شبع العقل والقلب والجوارح، بلقاء الإخوان والتزود من معارفهم، والأخذ من عواطفهم، والقدوة بسلوكهم.

 الشبع يكون بالحب واللقاء والسؤال عن الحال والأولاد والأموال والأصحاب، فترتوي القلوب والنفوس بالأنس والمودة والرحمة، الأخوة واحة خضراء، ذات ينابيع صافية، وأشجار عالية، وثمار يانعة، وأزهار مبهجة، ومن لا عبير له في روحه ولافي قلبه فلا تتكلف في شمه، وإن ظهر أمامك أحمر اللون، فكم من وردة شكلها طيب، وطعمها حنظل.

ثانيا: الأخوة بناء وسلوك وعطاء، يأتي أولا من الكبار، كبار العقل والقلب، ومعيار ذلك ليس السن والتقدم في الزمن قطعا، فكم من كبير في السن صغير في العقل والفكر، وكم من صغير رفعه كبر عقله، واتساع صدره، وعلو همته، وحبه لشعبه وأمته، كم كان عمر الإمام المجدد حسن البنا – رحمه الله ورضى عنه – لما قام بدعوته، فأبهر الدنيا بحسن سيرته، وبراعة فكرته.

الأصل يا سادة فيمن صدق، لا فيمن سبق، وليس من المستحيل أن يخيب الإنسان بعد كبر، وأول الصدق صدق القلب بالحب، من جعل الأصل في الزمن أخطأ بلا شك، وإنما الأصل فيمن صبر وصدق وعفا وعف وتورع، لا تجعلوا الكبير بزمن، وإنما الكبير من حاز السبق بالقرب من الله، والخدمة للإخوان، واتسع عقله وقلبه للقريب والبعيد.

 أعلم كثيرا من الإخوان لا يعلمون عن الإخوة إلا أن يخدموا ويعظموا، وتخدم بيوتهم وأولادهم وأزواجهم، ومن لم يفعل ذلك فليس له من الأخوة نصيب منه، نماذج آذت نفسها وغيرها، وعكرت صفو الأخوة والمحبة بأنانيتها وذاتيتها، الحب يعني العطاء لا الأخذ، والتضحية بالنفس والمال والولد والمنصب والجاه وكل ما ملك، هيا يا شباب الدعوة علموا الناس الحب بالعطاء والفناء، والأخوة بالسؤال واللقاء، فالكبير من اتسع صدره وعقله، وعفا قلبه وتعفف وترفع .

ثالثا: سلامة الصدر أقل مراتب الأخوة، وأعلاها مرتبة الإيثار، الأخ لا يحمل لأخيه – وإن خالفه الرأي – حقدا ولا حسدا ولا بغضا، الأخ الصادق يحب لأخيه ما يحب لنفسه، بل يرى إخوانه أولى من نفسه، لا كيد ولا مؤامرة مع الأخوة، ولا شحناء أو رياء مع المحبة الصادقة.

 الصف عندنا أصدق من كثير من قادته، أعطوا الصف حقه في الاختيار، يعطيكم أعظم القادة الأحرار، الذين يعملون في خدمة إخوانهم بالليل والنهار،لا ينتظرون جزاء ولاشكورا إلا من ربهم الغفار، وأما من يرى نفسه من القادة مخدوما بالليل والنهارعلى حساب إخوانه بحجة السبق، فسوف نرى بنيانا أساسه على شفا جرف هار، ولن نجني من ورائهم إلا الخيبة والعار.

رابعا: الأخوة نصرة، وفي الحديث الشريف " انصر أخاك ظالما أو مظلوما " فنصرة المظلوم أمر معروف، وأما نصرة الأخ الظالم وأنت تعلم أنه ظالم ولم تكف يده عن إخوانه ، فهذا عين الظلم، الأخوة لا تعني الوقوف في صف الظالم، ومناصرته بكل قوة بالحق والباطل، نظرا لسبقه أو جهاده أو صبره، وإنما تعني أن تكفه عن ظلم إخوانه، وان تأخذ علي يديه حتى لا يتمادى في ظلمه.

 عجبت من أخ قال لي : أعلم أنك مظلوم أنت وبعض إخوانك، لكن هؤلاء علماؤنا وأساتذتنا، ونحن على استعداد للاعتذار لكم علنا أمام الناس شرط أن تسلموا بقيادتهم، وآخر يقول : نحن نعلم أنكم أم الولد، ومن الذي علي حق، لكن لا بد من التسليم لهم، عملا بقصة القاضي المشهورة، الذي عرضت عليه أمر الولد الذي تنازع فيه أمه، ومن تدعي أنها أمه، فحكم القاضي بشق الولد نصفين، فقالت الأم الحقيقية لا، خوفا عليه، وقالت للقاضي أعط الولد للأم المدعية، والآخر يقول نحن نعلم علم اليقين من الصادق ومن الكاذب، ولكن لا نترك الأصل ونذهب للفرع، وحكايات يندى لها الجبين، وكلها قائمة علي نصرة الأخ الظالم، وعدم كفه عن ظلم إخوانه.

خامسا: الأخوة عقد شراكة في الدعوة، لاتبعية كشيخ القبيلة، ولا إجارة كالمديرالذي بعمل الناس في عزبته وضيعته، الكل في الدعوة سواء، إذا فهم وأخلص وعمل وجاهد وضحى وتجرد وثبت وأطاع في المعروف، والشراكة تعني المسؤلية على الجميع، وبالجميع، لا تابع ولامتبوع في دعوتنا، ولا أجير ولامؤجر.

 أعجب من بعض الإخوة من أصحاب المناصب الدنيوية ينظرون لإخوانهم نظرة المستعلي بمنصبه أو ماله أو جاهه، وينسى دعاء رابطة القلوب " اللهم إنك تعلم أن هذه القلوب قد اجتمعت على محبتك، والتقت على طاعتك، وتوحدت على دعوتك، وتعاهدت على نصرت شريعتك، فوثق اللهم رابطتها، وأدم ودها، واهدها سبلها، واشرح صدورها بفيض الإيمان بك، وجميل التوكل عليك، وأحيها بمعرفتك، وأمتها على الشهادة في سبيلك، إنك نعم المولى ونعم النصير" .





التالي
سعد الهلالي وفاتن حربي
السابق
"الشريعة والحياة في رمضان" الدكتور عبد السلام أحمد يجيب.. تاريخيا كيف دخل الإسلام إلى الهند؟

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع