البحث

التفاصيل

في ظلال مقاصد التوحيد: بعض المقاصد والحكم في الإيمان بالقضاء والقدر

الرابط المختصر :

في ظلال مقاصد التوحيد: بعض المقاصد والحكم في الإيمان بالقضاء والقدر

بقلم: الدكتور انجوغو امباكي صمب – عضو الاتحاد

الحلقة (17)

إذا آمن العبد بالقضاء والقدر كما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفق فهم السلف الصالح رضي الله عنهم، كسب من إيمانه ثمرات يانعة ومنافع جليلة، ومن تلك النتائج والمنافع ما يلي:

  1. الرضى والتسليم بأقدار الله تعالى .

فالمؤمن بالقضاء والقدر يعتقد أن الله تعالى هو رب العالمين ومليكهم يتصرف في أحوال عباده بقدرته ومشيئته وحكمته، فيرضى بكل ما يقدره الله ويسلم لكل ما يقضي، فيشكره ولا يسخطه أو يكفره، قال تعالى{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}[1]، قال الشوكاني رحمه الله قوله { إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}: (( فيه بيان أن هذه الكلمات ملجأ للمصابين وعصمة للممتحنين، فإنها جامعة بين الإقرار بالعبودية لله، والاعتراف بالبعث والنشور))[2]،

  1. الإيمان بكمال ربوبية الله تعالى وحاجة العباد وافتقارهم إليه في جميع الأحوال.

فالله تعالى هو الرب الذي يتصرف في مربوبيه بقدرته ومشيئته المطلقة، ويصلح شؤونهم بفضله ورحمته، وجميع خلقه محتاجون ومفتقرون إليه، قال تعالى {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [3]، قال ابن كثير رحمه الله (( قول تبارك وتعالى: قل يا محمد معظما لربك وشاكرا له ومفوضا إليه ومتوكلا عليه {اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} : أي لك الملك كله { تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ } : أي أنت المعطي، وأنت المانع، وأنت الذي ما شئت كان، وما لم تشأ لم يكن))[4]،

  1. الإيجابية في النظر إلى الحياة والتعامل مع الحوادث .

والإيمان بالقضاء والقدر يؤدي إلى الإيجابية في النظر إلى الحياة والتعامل مع الحوادث المختلفة، فينظر المؤمن إلى الدنيا على أنها دار خلقها الله تعالى، وكتب ما يحدث فيها إلى آخر لحظة قبل زوالها، ولا يحدث فيها شيء إلا بمشيئته تعالى وقدرته، وما عليه كعبد مخلوق خاضع لحكم الله وقضائه وقدره إلا أن يرضى بأقدار الله تعالى، ويعمل بما كلفه الله تعالى وبما يقدر عليه، ويجتهد في التعرف على سنن الله الكونية, ويعمل بمقتضاها فى البناء والتعمير, وفى استخراج كنوز الأرض والانتفاع بما أودع فى الكون من خيرات، (( وبذلك يكون الإيمان بالقدر قوة باعثة على النشاط والعمل والإيجابية فى الحياة, كما أن الإيمان بالقدر يربط الإنسان برب هذا الوجود, فيرفع من نفسه إلى معالى الأمور من الإباء والشجاعة والقوة, من أجل إحقاق الحق, والقيام بالواجب))[5].

  1. الطمأنينة  والسلامة من الوساوس الشيطانية .

الإيمان بالقضاء والقدر يورث الطمأنينة في القلب،  ويسبب السعادة في النفس، ويقي  من القلق والوسوسة والشكوك والأوهام، لأن الله تعالى يهدي قلب المؤمن بالله وبقضائه وقدره، فيؤمن بحكمة الله تعالى في جميع أفعاله وتصرفاته، فيشكر على الخير ويصبر على الشر، قال تعالى {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[6] ، وقوله {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ}:((  أي يصدق أنه لا يصيبه مصيبة من موت أو مرض أو ذهاب مال ونحو ذلك إلا بقضاء الله وقدره وإذنه{ يَهْدِ قَلْبَهُ } أي يوفقه لليقين حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، فيسلم لقضاء الله تعالى وقدره، وقيل يهد قلبه للشكر عند الرخاء والصبر عند البلاء)) [7]..

  1. الشعور بالمسؤولية .

ومما يثمره الإيمان بالقضاء والقدر الشعور بالمسؤولية من أفعاله وتصرفاته التي تصدر منه بمحض إرادته، ولذلك يثاب على الطاعة ويمدح بها، ويستحق العقاب على المعصية ويذم بها، قال تعالى { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا}[8]، قال البيضاوي رحمه الله (( أي تتمنى كل نفس يوم تجد صحائف أعمالها، أو جزاء أعمالها من الخير والشر حاضرة لو أن بينها وبين ذلك اليوم، وهو له أمداً بعيداً))[9].

وعن علي رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة، فأخذ شيئا فجعل ينكت به الأرض، فقال: (( ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار، ومقعده من الجنة)) قالوا: يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا، وندع العمل؟ قال: ((اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاء فييسر لعمل أهل الشقاوة))، ثم قرأ: { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [10])) [11].

  1. قطع الطمع في إدراك حقيقة القدر وسره المصون.

والمؤمن بقضاء الله وقدره المصدق بحكمته البالغة وقدره النافذ وعلمه المحيط بكل شيء، يوقن تماما أنه لا يصل بعلمه القاصر إلى حقيقة القضاء والقدر ولا يطلع على سره المصون، لأنه من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، ويكتفي بما ثبت في الكتاب والسنة من الحكم والمقاصد والأسرار دون ما سواها من الظنون والتخمينات، قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: (( من السنة اللازمة: الإيمان بالقدر خيره وشره، والتصديق بالأحاديث فيه، والإيمان بها، لا يقال: لِمَ؟ ولا كيف؟ إنما هو التصديق بها والإيمان بها، ومن لم يعرف تفسير الحديث ولم يبلغه عقله فقد كفى ذلك وأحكم له، فعليه الإيمان به والتسليم له، مثل حديث الصادق المصدوق، وما كان مثله في القدر))[12].

  1. مواجهة الصعاب والأخطار بقلب ثابت :

المؤمن بالقضاء والقدر يواجه الصعاب والأخطر بقلب ثابت وشجاعة فائقة النظير، لأنه يوقن بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، إذا آمن العبد بأنَّ كل ما يصيبه مكتوب، وقال تعالى حكاية عن سحرة فرعون لما آمنوا وتوعدهم فرعون بأشد العذاب والنكال{ قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71) قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}[13]، قال الشيخ عمر الأشقر رحمه الله : (( وقد كان هذا الإيمان من أعظم ما دفع المجاهدين إلى الإقدام في ميدان النزال غير هيابين ولا وجلين ...))[14].

 

 

 

 

 

 

[1] سورة البقرة، الآيات 156 ، 157 ، 158

[2] فتح القدير، تأليف محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني، 1 / 184 ، الناشر: دار ابن كثير، دار الكلم الطيب - دمشق، بيروت - 1414 هـ

[3] سورة آل عمران، الآيتان 26 ، 27

[4] تفسير القرآن العظيم، 2 / 24 

[5] العقائد الإسلامية ، تأليف سيد سابق ، ص 97 ، الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت

[6] سورة التغابن، الآية 11

[7] لباب التأويل في معاني التنزيل، 4 / 303

[8] سورة آل عمران، الآية 30

[9] أنوار التنزيل وأسرار التأويل، 2 / 12

[10] سورة الليل، الآيتان 5، 6

[11] متفق عليه : صحيح البخاري، 6 /170 ، برقم ( 4945 )، صحيح مسلم ، 4 / 2039 ، برقم ( 2647 )

[12] شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، 1 / 175

[13] سورة طه، الآيات 71، 72، 73

[14] القضاء والقدر، للأشقر ص 111


: الأوسمة



التالي
الدكتور علي القره داغي: زكاة الفطر بين الإطعام والقيمة النقدية
السابق
شهود يوم القيامة.. تجلي مشاهد العدل والإنصاف

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع