البحث

التفاصيل

كيف نفهم النصوص الواردة في ذم الدنيا؟

الرابط المختصر :

كيف نفهم النصوص الواردة في ذم الدنيا؟

بقلم: د. انجوغو امباكي صمب - عضو الاتحاد

هناك نصوص شرعية ورد فيها ذم الدنيا والتقليل من شأنها، أساء بعض الناس تأويلها وتنزيلها، فنتج عن سوء تأويلهم وتنزيلهم لها مفاهيم ومواقف خاطئة، وفيما يلي بعض الأمثلة من تلك النصوص مع شروح العلماء المحققين لها :

  • حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر))[1]، وقد اتكأ بعض البطالين على ظاهر هذا الحديث، وحبسوا أنفسهم في سجون وهمية، فقعدوا عن طلب العلوم النافعة والأعمال الصالحة والمقامات الشريفة،  وذلك لفهمهم الخاطئ لهذا الحديث الشريف، الذي لو فهمه على وجهه لكان أكبر دافع له على الإيجابية والعمل والإنتاج، قال النووي رحمه الله  ((معناه أن كل مؤمن مسجون ممنوع في الدنيا من الشهوات المحرمة والمكروهة مكلف بفعل الطاعات الشاقة فإذا مات استراح من هذا وانقلب إلى ما أعد الله تعالى له من النعيم الدائم والراحة الخالصة من النقصان،  وأما الكافر فإنما له من ذلك ما حصل في الدنيا مع قلته وتكديره بالمنغصات فإذا مات صار إلى العذاب الدائم وشقاء الأبد))[2].
  • حديث سهل بن سعد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء))[3]، وقوله ((تعدل)) بفتح التاء وكسر الدال أي تزن وتساوي ((عند الله جناح بعوضة)) هو مثل للقلة والحقارة ((ما سقى كافرا منها)) أي من مياه الدنيا ((شربة ماء)) أي يمتع الكافر منها أدنى تمتع فإن الكافر عدو الله والعدو لا يعطى شيئا مما له قدر عند))[4]، فمن رحمة الله تعالى أن يرزق الكافر من الدنيا كما يرزق المسلم، والرزق الدنيوي لا يدل على الرضا والمحبة، وفقده لا يدل على السخط والغضب، لأن الدنيا لا تساوي عند الله شيئا، بعكس رزق الآخرة التي هي الجنة ونعيمها فلا يعطى إلا المؤمنون المطيعون لله تعالى، وليس في الحديث ما يبرر تأخر المسلمين في العمران وانحطاطهم في الحضارة، وجهلهم بالتقانة ، كما يريد أن يفهم بعض أصحاب العقول المستريحة .
  • حديث أبي هريرة رضى الله عنه، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ((الدنيا ملعونة ملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه وعالم ومتعلم))[5]، وقد استدل به بعض الصوفية الذين طلقوا الدنيا أو طلقتهم الدنيا، وتعبدوا الله بالفقر والجوع، وتركوا ما أحل الله من الطيبات، حتى لا تصيبهم اللعنة إن أخذوا بحظهم من هذه الدار الفانية الملعونة والملعونة ما فيها، وجهلوا أن الحديث ورد في ذم الحياة المجردة عن الإيمان بالله وطاعته، قال ابن القيم رحمه الله (( ولما كانت الدنيا حقيرة عند الله لا تساوي لديه جناح بعوضة كانت وما فيها في غاية البعد منه، وهذا هو حقيقة اللعنة، وهو سبحانه إنما خلقها مزرعة للآخرة ومعبرا اليها يتزود منها عبادة إليه فلم يكن يقرب منها إلا ما كان متضمنا لإقامة ذكره ومفضيا الى محابه وهو العلم الذي به يعرف الله ويعبد ويذكر ويثنى عليه ويمجد ولهذا خلقها...))[6].

 

 

[1] صحيح مسلم، 4/2272 ، برقم ( 2956 )

[2] المنهاج في شرح صحيح مسلم ، للنووي ، 18 / 93

[3] سنن الترمذي، 4 / 138 ، برقم( 2320 ) وقال الترمذي هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه.

[4] تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، تأليف أبو العلا محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفورى، 6 / 503 الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت

[5] سنن ابن ماجة، 5/ 231 ، برقم ( 4112)، وقال محققوه الشيخ شعيب وآخرون : حسن صحيح .

[6] مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة، تأليف محمد بن أبي بكر بن أيوب (ابن قيم الجوزية ) 1/69 الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت





التالي
دور جمعية علماء الجزائر في دعم الثورة الجزائرية الكبرى لعام ١٩٥٤
السابق
إسبانيا: مكافأة لجهوده في شهر رمضان.. شاهد مصلّون يهدون إمام مسجدهم سيارة فاخرة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع