البحث

التفاصيل

وفاة شيرين أبو عاقلة بين الأحكام الشرعية والرابطة الإنسانية

الرابط المختصر :

وفاة شيرين أبو عاقلة بين الأحكام الشرعية والرابطة الإنسانية

بقلم: د. فتحي أبو الورد – عضو الاتحاد

 

يموت الكثيرون  من غير المسلمين كل يوم، ولا نترحم عليهم ولا نستغفر لهم، ولا نجد في ذلك حرجا ولا إشكالا، انطلاقا من حكم شرعي معلوم بعدم جواز الترحم على من مات على غير الإسلام، إنما الذي أثار الموضوع الآن وأفضى إلى سجال ونقاش حول هذا الأمر وفاة المناضلة الصحفية الحرة شيرين أبو عاقلة، كون هذه المرأة الحرة من المناضلات التي دافعت عن قضيتنا وقضيتها، ووقفت جنبا إلى جنب مع المسلمين المناضلين على أرض فلسطين في خندق واحد، ودفعت دمها ثمنا لإظهار الحقيقة، ودفاعا عن الحق الفلسطيني ضد الاستكبار الص هيوني، فترحم عليها البعض دون أن يعلم أنها مسيحية، ثم توقف بعد ذلك حين ذكره البعض بوجود نصوص في ذلك تمنعه، وترحم عليها البعض الآخر رغم علمه بذلك واستعظم أن تكون مثل هذه المناضلة لا يجيز الشرع الترحم عليها، وغلبت عليه العاطفة أو حكم العقل وحده.

الحكم للظاهر وتحديد مصير المعين ليس بيد أحد:

والقاعدة عند أهل السنة تقول: إن الحكم على الظاهر والله يتولى السرائر، وقد ماتت الراحلة شيرين ظاهرا على غير الإسلام، ومن ثم تكون نظرتنا إليها - مع عظيم تقديرنا لها - على أنها غير مسلمة. لكن ما حقيقتها عند الله؟ وبماذا ختم الله لها قبل موتها؟ وما مصيرها تحديدا على سبيل القطع، أفي الجنة هي أم في النار؟ كل هذا لا نعلم عنه شيئا،، ولا يجرؤ أحد أن ينبس ببنت شفة في هذه المسألة، أو يخوض في هذا المعترك وإلا يكون قد ارتكب شططا، وادعى الغيب؛ لأن هذا أمر خارج عن طبيعة البشر، بل إن المسلم الذي مات في ظاهره على الإسلام نترحم عليه ونصلي عليه دون أن نجزم بمصيره في الآخرة، وكثيرا ما نقول أفضى لما قدم، أو إذا ذكرنا شيئا من محاسنه مما علمنا من ظاهره نتبعه بقولنا: نحسبه كذلك ولا نزكيه على خالقه، أو نحسبه كذلك والله حسيبه.

ونحن نرجو الله للراحلة شيرين أن تكون قد أسلمت قبل موتها، وختم الله لها بخير، أو أسّرت إسلامها ولم تعلن به.

المرجعية في الحكم على القضايا التي تواجه المسلم:

وهنا برزت قضية احتاجت إلى توضيح وبيان. ألا وهي: ما المرجعية في الحكم على القضايا والمسائل التي تواجه المسلم؟ هل هي العاطفة؟ أم هل هي العقل وحده؟ أم هل هي  النقل مع العقل؟

إن تقرير الأحكام في الشريعة الإسلامية مصدره النقل والعقل معا؛ لأن العقل أداة فهم النقل في ضوء الضوابط المقررة في ذلك عند الأصوليين، وهناك دائرة لا يستطيع العقل فيها أن يصول أو يجول إلا في حدود ما اخبر النقل، وهي دائرة الغيبيات، فلا يخوض فيما لا يستطيع إدراكه، فإذا اختلف العقل مع النقل الصحيح الصريح قدم النقل.

 قال الشاطبي في الموافقات: "إذا تعاضد النقل والعقل على المسائل الشرعية فعلى شرط أن يتقدم النقل فيكون متبوعا، ويتأخر العقل فيكون تابعا، فلا يسرح العقل في مجال النظر إلا بقدر ما يسرحه النقل".

فليس بالعاطفة، ولا بالعقل وحده تقرر الأحكام الشرعية، وإنما تقرر الأحكام بالنقل والعقل معا إلا ما لا مدخل للعقل فيه.

الحكم الشرعي فيمن مات على غير الإسلام:

اتفقت كلمة الفقهاء على أن الاستغفار للكافر محظور.

قال تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: 113].

ومعنى الآية كما يقرره المفسرون: ما كان ينبغي للنبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا به "أن يستغفروا"، أي أن يدعوا بالمغفرة للمشركين، ولو كان المشركون الذين يستغفرون لهم "أولي قربى"، أي ذوي قرابة لهم "من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم"، أي من بعد ما ماتوا على شركهم بالله، وتبين لهم أنهم من أهل النار. تفسير الطبري.

فإن قيل: فإن إبراهيم قد استغفر لأبيه وهو مشرك؟ قلنا: لم يكن استغفارُ إبراهيم لأبيه إلا لموعدة وعدها إياه، وكان ذلك مدة حياته راجيا إيمانه، فلما مات كافرا تبرأ منه، ولم يستغفر له بعدها، قال تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} [التوبة: 114]. راجع مثلا تفسير الطبري.

كما أن الترحم على من مات على غير الإسلام غير جائز لأن الله قد قضى أن لا يغفر لمشرك، فلا ينبغي للمسلمين أن يسألوا ربهم أن يفعل ما قد علموا أنه لا يفعله، كما يقول الطبري.

وفي قوله تعالى "ادعوا ربكم تضرعًا وخفية إنه لا يحب المعتدين" اعتبر شيخ الإسلام ابن تيمية من الاعتداء في الدعاء أن يسأل العبد ما لم يكن الرب ليفعله، مثل: أن يسأله منازل الأنبياء وليس منهم، أو المغفرة للمشركين، ونحو ذلك. مجموع الفتاوى.

"فليتلطف" سبيل أهل الحكمة في تقرير الأحكام الشرعية:

والحقيقة التي يجب أن اقررها بداية هي أنني لم ألحظ - إجمالا -  ان هناك من جحد نضال الراحلة شيرين وتضحياتها، من المعارضين للترحم عليها؛ بل الجميع أثنى عليها وشكرها بطريقته.

فالجميع إذن متفق على فضلها ونضالها وتضحياتها، غاية ما يقال إن بعض من تناولوا الحكم الشرعي بعدم جواز الترحم على من مات على غير الإسلام ظاهرا لم يتلطفوا في العرض، حين تناولوا شخصية كهذه، في وقت كهذا، في مناخ كهذا، ولم يحسنوا الإفصاح عن مشاعرهم، ولم يراعوا جلال الموقف وهيبة الموت، وفاتهم التوجيه القرآني "فليتلطف"، وغاب عنهم الأدب النبوي "ما كان الرفق في شيء إلا زانه"، حتى ونحن نقرر الأحكام الشرعية التي نعتقدها، ولم يرفقوا بقلوب المتأثرين بموتها، وعند الصدمة الأولى قد يذهل المسلم عن بعض الحقائق، وما واقعة عمر حين أخبر بموت النبي صلى الله عليه وسلم منا ببعيد.

وليس معنى أن من أنكروا الترحم عليها، وهم يقررون حكما شرعيا أنهم بلا قلوب أو عواطف، أو أنهم يقصدون إهانتها أو الانتقاص منها، بل إنهم متفقون على تقديرها، ومتأثرون لفراقها، ومقرون بأنها قتلت ظلما، وأن الدفاع عن قضيتها واجب، والسعي في محاسبة القتلة حق لها علينا وعلى كل حر، وإبراز مآثرها ومناقبها وفاء، والإشادة بتضحياتها ومواقفها خلق ودين، يمليه علينا ما قرره الإسلام من مبادئ أن نقول للمحسن أحسنت وللمسيئ أسأت، وأن نكافئ من أسدى إلينا معروفا. وما قاله النبي في أسرى بدر مكافأة للمطعم بن عدي وردا للجميل خير دليل.

غاية اجتهاد المجتهدين القائلين بجواز الترحم:

أقصى ما انتهى إليه أمر اجتهاد المجتهدين الذين أجازوا الترحم على الراحلة شيرين أبو عاقلة هو الدعاء بأن يخفف الله عنها العذاب، مستدلين في ذلك بقوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [النساء: 49]، فالآية تدل على أن ما دون الشرك محل المغفرة إن شاء الله.

قال ابن كثير: أخبر تعالى أنه لا يغفر أن يشرك به، أي لا يغفر لعبد لقيه وهو مشرك به، ويغفر ما دون ذلك من الذنوب لمن يشاء من عباده. تفسير ابن كثير ج 2 ص 287.

 واستدلوا على أن النبي طلب ذلك لعمه أبي طالب فخفف الله عنه - ولم أقف على طلب الترحم من الرسول لعمه رغم كثرة التتبع والتقصي - غاية ما صرحت به الروايات أنه سيكون أخف أهل النار عذابا بسبب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم له. كما في رواية مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: "أهون أهل النار عذاباً أبو طالب، وهو ينتعل بنعلين يغلي منهما دماغه". وكما ورد في رواية مسلم أيضا عن العباس بن عبد المطلب أنه قال: يا رسول الله، هل نَفَعتَ أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: "نعم، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار". وفي رواية أخرى قال: "نعم، وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح". وكما روى أبو سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر عنده عمه أبو طالب - فقال: "لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من نار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه". والأحاديث كلها صحيحة أخرجها مسلم في كتاب الإيمان باب شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمه أبي طالب والتخفيف عنه بسببه.

وما قررته الروايات أن تخفيف العذاب لأبي طالب في الآخرة بسبب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم.

ولما ثبت في الصحيح أن أبا طالب هو أخف أهل النار عذابا، عُلِم من ذلك أن الكفار يتفاوتون في العذاب بحسب جرائمهم.

والحقيقة أن الدعاء بتخفيف العذاب ليس المعنى المقصود لجمهور المتعاطفين مع الراحلة شيرين الذين دعوا لها بالرحمة؛ إذ إن ما عنوه بالترحم هو أن تكون من أهل الجنة، وحتى إن كان هذا المعنى هو المقصود لمن قصده فقد يسعه أن يقول ذلك وحده مضمرا هذه النية، أما حين أعلن هذا على مواقع الإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعي باعتباره حكما شرعيا فقد استلزم هذا توضيح الأمر ومناقشة هذا الرأي، وتقرير الحكم الشرعي حتى لا تتميع الأحكام الشرعية، وتلتبس لدى عامة الناس، وتضيع أمانة العلم والتبليغ.

 ولو كان طلب الترحم والاستغفار الذي عنوا به تخفيف العذاب يجوز ويحل الإشكال لقلت إنه اجتهاد معتبر، وقد نأخذ بالمرجوح في بعض الحالات لأنه يحقق مصلحة شرعية، خاصة وأن الذين صدرت عنهم الفتوى بجواز ذلك من المشهود لهم بالعلم، وإنما رأوا ما رأوا اجتهادا، وهو اجتهاد دائر بين الأجر والأجرين، سواء أخطأوا أم أصابوا.

إلا أن هذا الاجتهاد لا يحل الإشكال بقدر ما يخلق مشكلات؛ إذ أن مؤداه أنهم في النار، ونحن نطلب لهم التخفيف من العذاب كِفَاء ما قدموا من أعمال طيبة في دنياهم، وهذا المعنى فيه من الأذى النفسي لأهل شيرين وذويها ومحبيها أكثر من المواساة وإظهار التضامن والتعاطف معهم، ولا حاجة لهم بهذا المعنى، لأنهم يؤمنون - حسب معتقداتهم - أنها في الجنة في الملكوت الأعلى.

أما كلام الناس عن الميت فلا يغير من حقيقته عند الله - التي لا نعلمها – شيئا، ولا يفيد من مات على غير الإسلام الترحم في شيء لأن مغفرة ما دون الشرك وتخفيف العذاب على من مات على غير الإسلام الوارد في الآية السابقة لإحسانه في الدنيا يقع من الله تعالى لمن شاء من عباده بدون طلب ولا سؤال من أحد له، وأما شيرين الآن فقد علمت مصيرها ومآلها، والذي قد خفي عنا، ولا نعلم ماذا ختم الله لها به، وماذا كانت تخفي في قلبها ونفسها؟

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما الجميل في قول من قال بجواز الترحم على من مات على غير الإسلام بمعنى تخفيف العذاب عنه، ما دام هو في النار في كل الأحوال؟

لا أرى إلا أنه وجه إساءة بالغة من حيث أراد الإحسان إليها والمجاملة الإنسانية، وتسبب في أذى نفسي لذويها، وضيّق ما دعونا الله به بصورة عامة أن يكون قد ختم الله لها بخير، وعزاؤنا أنها انتقلت من دنيانا إلى الملك العادل الذي لا يظلم عنده أحد، وهو أعلم بها وأرحم بها منا، مهما ادعينا الرحمة بها.

احترام الخصوصيات الدينية لأتباع كل ديانة:

ومن المعلوم أن لكل أتباع ديانة خصوصياتهم، وقد حفظ المسلمون على غير المسلمين شخصيتهم الدينية وخصوصياتهم في ظل الدولة الإسلامية ولم يتدخلوا فيها انطلاقا من فهمهم الصحيح للإسلام، وقرر فقهاؤنا في ذلك قاعدة تقول: "أمرنا أن نتركهم وما يدينون". كما أقر لهم بحرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية، ودفن موتاهم وممارسة طقوسهم التعبدية وفق شرائعهم، وقرر أن الأحوال الشخصية لهم تحكمها شرائعهم في الزواج والطلاق والعدة والميراث وغير ذلك.

إن تقرير الأحكام الشرعية يعد خصوصية لأصحاب كل دين، ومراعاة الخصوصيات الدينية لكل أتباع ديانة واحترام مشاعرهم دين وخلق عندنا -نحن المسلمين -.

وأعتقد أننا – نحن المسلمين - لن نحزن أو نحمل على الراحلة شيرين أبو عاقلة - أو غيرها من غير المسلمين - إذا كانت عندها خصوصيات في دينها تمنعها من الترحم على من مات من المسلمين؟ ولن نعيب عليها إذا التزمت بما تمليه عليها أحكام دينها؟ ولن نتهمها بالضيق أو التحجر أو عدم الإنسانية إذا لم تترحم على مسلم مات، مادامت قد عبرت عن تعاطفها بأي صيغة أخرى؟

ومن ثم فإن حكم عدم جواز الترحم على من مات على غير الإسلام خصوصية دينية لنا.

هل تتقاصر مفردات اللغة عن الوفاء بحقها؟

هل لا بد أن يكون دفاعي عنها واحتفائي بها وتقديري لجهدها ونضالها وتضحياتها وإظهاري لعاطفتي نحوها محصورا في الترحم عليها بقول: يرحمها الله؟

وهل معنى عدم الترحم عليها أنني وجهت إليها إهانة، أو تسببت في إساءة إلى ذويها؟

وهل لا توجد في مفردات اللغة ما أعبر به عن ثنائي عليها وتضامني معها وتقديري لها وحزني على فقدها، ونقمتي على قاتليها إلا لفظ الترحم الذي له دلالة شرعية ومصطلحية خاصة عندنا نحن المسلمين؟

نحتاج إلى المجاملات الاجتماعية والإنسانية والاعتراف بالفضل لأهل الفضل والثناء على المحسن، هذا كله حق وصحيح، ولكن هناك في مفردات اللغة الكثير الذي يسد الحاجة، ويقوم بالواجب المجتمعي والإنساني دون اللجوء إلى مصطلحات شرعية لها دلالاتها الخاصة، والتي يُحْدِث استخدامها لبسا أو خلطا أو تمييعا لمعناها الذي أراده الشارع.

يستطيع كل متعاطف معها – وكلنا متعاطف معها - أن يقوم بأفعال وأقوال تعبر عن تضامنه وتعاطفه معها بما لا يدع مجالا لصاحب فتنة أن يثيرها من نحو: تشييع جنازتها، وحمل جثمانها، والمسااعدة في مواراة جثمانها الثرى، وعزاء أهلها، والإشادة بمواقفها، وذكر  مآثرها كاعتراف بدورها وتضحياتها، وإنزالها منزلتها وتكريمها، والمطالبة بمنحها وسامات من الدولة، أو تسمية شوارع أو منتديات أو أحياء باسمها أو تخصيص منح دراسية باسمها أو ما شابه ذلك، مما يمكننا أن نفعله ونجده معبرا عن عاطفتنا تجاهها وتقديرنا لها دون أي حرج شرعي.

هل هذا وقته؟

وقد رأى البعض أن الرأي الشرعي في هذه المسألة كان من الأفضل ألا يثار ويمكن أن يؤجل لما بعد انتهاء الواقعة، وهذا كلام وجيه إلا أن القاعدة الشرعية تقول: تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. ولو أن الذين وضحوا الحكم الشرعي بعدم جواز الترحم على من مات على غير الإسلام ترفقوا في عرضهم، ووازنوا بين الإقرار بفضلها والثناء على نضالها، وإظهار الأسى على فقدها، ثم شرعوا في تقرير الحكم الشرعي لتجنبنا كثيرا من اللغط الذي حدث، والصراع الموهوم الذي برز وكأنه صراع بين الغلاظ مانعي الترحم علي شيرين، وبين الرقاق المستعظمين لعدم جواز الترحم عليها.

 وكل ما نأخذه على الذين طرحوا الحكم الشرعي في هذه المسالة أثناء الواقعة هو عدم التلطف في الطرح، أو عدم إظهار تقديرها والتعاطف معها والثناء على مواقفها قبل تقرير الحكم الشرعي حتى تصل الرسالة متوازنة واضحة هادئة لطيفة مهذبة بما يتناسب مع جلال الموقف، ومكانة هذه المناضلة عند الأحرار، وتقدير تداعيات الحكم في هذا الوقت على نفوس من لا يعرفون الحكم الشرعي، أو الذين ذهلوا عنه أمام الصدمة، أو الذين استعظموه في حق هذه المناضلة النبيلة.





التالي
تقديراً لجهوده المخلصة في دعم قضايا الأمة.. جامعة السلطان زين العابدين الماليزية تمنح القره داغي درع الجامعة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع