البحث

التفاصيل

كلمة الشيخ الدكتور عصام البشير نائب رئيس الاتحاد في مؤتمر قمة العلماء المسلمين 2022 حول القدس والأقصى

الرابط المختصر :

بسم الله الرحمن الرحيم

(كلمة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في مؤتمر قمة العلماء المسلمين 2022 حول القدس والأقصى، كوالالمبور – ماليزيا - تحت عنوان: "الوحدة أساس لتحرير فلسطين، ألقاها فضيلة الشيخ الدكتور عصام البشير نائب رئيس الاتحاد – حفظه الله)

 

إن المؤتمر يتناول قضيتين بالغتي الأهمية، القضية الأولى: قضية وحدة الأمة، والقضية الثانية: أثر هذه الوحدة على نصرة فلسطين والأقصى.

وحدة الأمة

أما وحدة الأمة، فالإسلام يقوم على كلمتين، يقوم على كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة، على توحيد المعبود ووحدة العابدين (إِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَٰحِدَةً وَأَنَا۠ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ) سورة الأنبياء 92. توحيد المعبود ووحدة العابدين، وهذه الوحدة هي وحدة على الأصول والثوابت والكليات والقطعيات والمحكمات، ومع ذلك فهي سعة أُفق في الظنيّات والمتشابهات والجزئيات والفروع ومواطن الاجتهاد، يسع بعضُنا بعضاً، فأمتنا التقت على وحدة العقيدة الدافعة وعلى الشرعة الرافعة وعلى القيم الحاتمة وعن المقاصد الواصلة، ومع ذلك وسع بعضهم بعضا، فقبلت رُخص ابن عباس وشدائد ابن عمر وأثرية ابن حنبل وفقه أبي حنيفة ومقاصدي الشاطبي وظاهرية ابن حزم ورقائق الجنيد وفقه الغزالي وكلهم من رسول الله ملتمسُ غرفاً من البحر أو رشفاً من الديمِ.

فليس المقصود بوحدة الأمة ووحدة العلماء أن يلتقي الناس على رأي واحد في الفروع، وإنما أن يجتمعوا على الأصول وعلى الثوابت، وأن يلتقوا على وحدة الموقف العملي إزاء قضايا الأمة الكبرى والهموم المصيرية، هذا هو المعنى المطلوب وإلا فإن تنوع الاجتهاد وتعدد الوسائل واختلاف الطرائق بين العاملين في الحقل الإسلامي إذا رُعيت الآداب الشرعية والأخلاق المرعية فإن ذلك يشكل عامل ثراء وخصوب متى كانوا في خندقِ واحد إزاء قضايا الأمة الكبرى وهمومها المصيرية.

واليوم -للأسف- إن وحدة الأمة تتعرض إلى ما يسمى بتجزئة المجزأ وتقسيم المقسم وتفتيت المُفتت، إما على أساس عرقي وإما على أساس مذهبي وإما على أساس طائفي وإما على أساس ديني، يقال: إن هنالك صراعٌ بين عرب و زُرقة وعرب وأكراد وعرب وتركمان وعرب وفُرس، العروبة عندنا ليست جنساً ولا دماً، العروبة هي اللسان من تكلّم بها فهو عربي، وإلا من الذي خدم اللسان العربي نوحاً وصرفاً وبلاغة بعد الخليل ابن أحمد؟ إن سيبويه، من الذي خدم الفقه مثل أبي حنيفة؟ عرّبه اللسان، من الذي خدم الحديث مثل البخاري؟ عرّبه اللسان، مثل الذي خدم التفسير مثل الزمخشري؟ عرّبه اللسان، ليست العربية بأبي لأحد ولا أم، وإنما العربية هي اللسان فمن تكلم بها وهو عربي.. إذاً نحن نتجنّب أن نحاول أن نقسم الأمة على قاعدة تقسيم المُقسم وتفتيت المُفتت وتجزئة المجزأ.

 

قضية فلسطين

القضية الثانية: إن مسألة فلسطين هذه القضية التي ربطها الله تعالى بين المساجد الثلاثة في قوله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ..) سورة الإسراء 1. فإن كلمة "الأقصى" تُشير إلى أن ثمة مسجد قصيّ وهو المسجد النبوي فهو الآية تشير إلى الرباط المُحكم بين المساجد الثلاثة التي لا تُشدُ الرحال إلا إليها، هذه القضية التي جمعت الأمة من قبل ومن بعد وقع أيضا فيها اختلال.

- الاختلال الأول: أن الأمة تراجعت من قضية تتصل بأمة الإسلام وعقيدتها وهُويتها إلى شأن عربي ثم إلى صراعٍ عربي إسرائيلي ثم إلى صراعٍ فلسطيني مع العدو الصهيوني، ولذلك واجب الأمة وواجب العلماء البيان -توعية وتعبئة- لصحيح المسألة برد الأمر إلى أصله ليس شأناً فلسطينياً ولا عربياً ولا أكثر من ذلك، وإنما ترتقي على قاعدة العقيدة والإيمان.

- الاختلال الثاني: ما وقع اختلال في مسيرة هذه الأمة، وهي أن السلام خيار إستراتيجي، "السلام" غدا "كسرابٍ بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.

- الاختلال الثالث: أن أعدائنا اجتمعوا في حربهم الباطلة وأمتنا تفرقت في حربها وفي مشروعها، وهذا يستدعي أن تستأنف الأمة أمرها عبر كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة.

- الاختلال الرابع: أن الولايات المتحدة حُملت على أنها راعية للسلام ولكنها راعية للكيان الصهيوني بالسلاح الأمريكي والإعلام الأمريكي والمال الأمريكي والفيتو الأمريكي، ولذلك وجب على الأمة أن تأخذ بأسباب القوة المادية والمعنوية.

- الاختلال الخامس: كذلك القول بأن الكيان الصهيوني قوةُ لا تُقهر، قديماً قالوا: -إن الصليبيين قوةُ لا تُقهر-بعد أن غزونا 9 حملات صليبية- ولكن قيّض الله عماد الدين زنكي و نورالدين محمود الذي كان يُشبّه بـ عمر بن عبدالعزيز اصلاحه واستقامته في الرعية وتلميذ نورالدين -صلاح الدين الأيوبي، فجمعوا الأمة على كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة ودحروا الصليبيين لا يلوون على شيء، ثم غُزينا الغزوة من المشرق -الغزوة المغولية سنة ٦٥٦- حتى اسودت مياه دجلة ببلاد الكُتب ومع ذلك قال الناس إن التتار قوة لا تُقهر فقيّض الله سلطان المماليك سيف الدين قطز الذي جمع الأمة على كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة وصاح "وا اسلاماه" فجمع هذه الأمة ودحر بعد عامين التتار دحراً لا يلوون على شيء.

وهذه الأمة اليوم قادرة كذلك على أن تدحر الكيان الصهيوني بما قام في هذه الأمة وفي هذا الشعب الفلسطيني من أثر هذه العقيدة المباركة، ولذلك نحن أمةُ مرحومة قادرة على أن تستأنف المسيرة مرة أخرى، فلا إحباط ولا يأس ولا قنوط..

فـإن تكـن الأيـامُ فيـنا تَبـَدَّلَتْ ** بِـبُؤْسى ونُعْمى والحوادثُ تَفعلُ

فـما ليَّـنَت منَّـا قنـاةً صـليـبةً ** ولا ذلَّلـتْـنا للتي ليـس تجْمُلُ

ولكن رحـلنـاها نفـوساً كريـمةً ** تُحمَّـلُ ما لا يُستـطاعُ فتحملُ

وقَيْنا بحسن الصبر منا نُفـوسَنا ** فَصَحّتْ لنا الأعراضُ والناسُ هُزَّل

لن يبلغ عُسرٌ يُسرين والشمس إن بارحت رؤوس قوم أنارت عند آخرين، وكم لله من نعمة في طيّ المكاره.

مهمة العلماء

أيها الأحباب لا أود أن أطيل عليكم، إن مهمة العلماء التوعية والتعبئة، التوعية بصحيح الدين وبهذه القضية، والتعبئة هو العمل على حشد طاقات الأمة لتكنّ في خندقٍ واحد وأن تترفع عن الجراحات وعن السفاسف وعن الصغائر، وليكن شعار العلماء:

وَإِن الَّذي بَيني وَبَين بَني أَبي ** وَبَينَ بَني عَمّي لَمُختَلِفُ جِدّا

فَإِن يَأكُلوا لَحمي وَفَرتُ لحومَهُم ** وَإِن يَهدِموا مَجدي بنيتُ لَهُم مَجدا

وَإِن زَجَروا طَيراً بِنَحسٍ تَمرُّ بي ** زَجَرتُ لَهُم طَيراً تَمُرُّ بِهِم سَعدا

ولا أحمل الحقد القديم عليهم ** وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا

 

أيها الأحباب؛

بيني وبينكم ودٌ تعهده *** ربٌّ السماء بتطهير وإكمال

الدين يجمعنا والضاد يمنعنا ** والقدس يسألنا فكًا لأغلال

إذا أردتم كريم العيش فالتفتوا ** إلى الكتاب وحثوا كل شملال

إن الكتاب لكم ذكرٌ وتذكرةً ** كم يضرب الله أمثالاً لأمثال

ذموا النفوس وأحيوها بتزكيةٍ ** تشفي وترفع من رين وأفعال

إني كفيل لئن وفيتمو ذمما ** أن تنزل البطشة الكبرى بأنذال

إن تنصروا الله ينصركم ويجزكمُو ** كفلاً بكفلٍ, وأسجالاً بأسجال

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

المصدر: الاتحاد





البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع