فتوى حكم حضور النساء المساجد لصلاة الجمعة والجماعات والعيدين
فقد وصلتني رسالة استفتاء حول حكم حضور النساء المسجد لصلاة الجمعة والجماعات والعيدين، هذا نصها: (السلام علیکم ورحمة الله وبركاته مع دعائي ومحبتي لكم شيخنا الفاضل وأرجو من الله أن تكون بخير أنت والعائلة الكريمة.
نحن في مساجد الكورد في ألمانيا نعاني من مشكلة بعدم حضور النساء في صلاة الجمعة، وليس المشكلة المكان بل عندهم مكان خاص وكل شيء متوفر وليست المشكلة في الوقت لأنهم يحضرون كل المناسبات خارج المسجد، وهناك مجموعة من النساء عندهم درس في المسجد قبل الخطبة، ومع الانتهاء من الدرس يخرجن من المسجد قبل الخطبة بدقائق، والحجة عندهم: أن حضور النساء في صلاة الجمعة غير واجب حسب ما ورد في الحديث الشريف، وأنا أعتقد أنه ما لا يتم به الواجب إلا به فهو واجب.
إن القلة التي يحضرن المسجد من النساء قبل صلاة الجمعة يكونون سبباً في عدم حضور باقي النساء إلى صلاة الجمعة، ونحن في أوروبا بحاجة ماسة إلى أن يكون لنا حجة وتشجيع للنساء لكي يحضرن إلى المسجد، لكن لهذا الحديث النبوي بأن الجمعة غير واجبة على النساء أصبحت حجة في منعهم.
فأرجو مساعدتنا في حل هذه المشكلة.. لكم منا كل الاحترام الكبير لمقامكم. وجزاكم الله خير الجزاء).
الجواب:
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبع هداه إلى يوم الدين ،
وبعد
أولاً: حقُّ النساء في حضور المساجد للجمعة والجماعات وسماع الدروس:
إن الله تعالى كلف الإنسان بعبادته سواء كان رجلاً أو امرأة ، فجميع الخطابات الموجهة إلى المؤمنين أو الناس ، أو بني آدم تشمل الذكر والأنثى إلاّ ما يخص أحدهما، فجميع التكاليف التعبدية عامة لهما إلاّ ما خفف الله تعالى على المرأة رحمة بها ، مثل صلاة الجمعة أو الجماعة أو الجهاد ، حيث لم تفرض عليها ، ولكن لو قامت بها لصحت منها ونالت ثوابها، ولذلك قال الله تعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) ( ) ، بل إن القرآن الكريم جعل الولاية بين المؤمنين والمؤمنات مطلوبة ومتساوية فقال تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)( )، وكذلك الحكم في دخول الجنة فقال تعالى: (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا) ( )، وقال تعالى: (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ( )، وكذلك الحكم في الفتنة في الدين فقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) ( ).
فالنساء صنو الرجال وبهما يتكامل الزواج بل هنّ شقائق الرجال كما ورد في الحديث الصحيح: (إنما النساء شقائق الرجال) ( ).
ومع أن الإسلام ظهر في بيئة جاهلية لم تكن للمرأة فيها قيمة وكانت تورث كرهاً ، وتوءد البنات الصغار ، بل كانت الحضارات السابقة والسائدة لا تولي أي قيمة لها، ولكن الإسلام لأنه من الله تعالى أعاد إليها الاعتبار وحقق لها حقوقها من خلال فقه الميزان والتوازن الدقيق لتحقيق التكامل .
وفي باب حضورهنّ المساجد نهى النبي صلى الله عليه وسلم الرجال عن منعهنّ من حضور المساجد للجمعة والجماعات ، وسماع الدروس ، مع التخفيف عليهنّ بعدم وجوب الجمعة والجماعة مع حصولهنّ على الأجر والثواب في صلاتهنّ في بيوتهنّ فقال صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا النساء حظوظهنّ من المساجد إذا استأذنوكم) ()، وفي رواية صحيحة بلفظ : (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) ( ) أي بالإطلاق.
بل إن القرآن الكريم أمر السيدة مريم عليها السلام أن تركع مع الراكعين ، أي أن تقيم صلاة الجماعة مع المصلين فقال تعالى: (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) ( ).
إن النساء في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم كنّ يحضرن الجمعة والجماعات ودروس العلم، حتى طلبن تخصيص يوم ، حيث ورد في صحيح البخاري وغيره عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم: (غلبنا عليك الرجال ، فاجعل لنا يوماً من نفسك ، فوعدهنّ يوماً لقيهنّ فيه فوعظهنّ ... ) ().
كما اشتهرت بينهنّ خطيبة للنساء وهي أسماء بنت يزيد الأنصارية رضي الله عنها ؛ لأنها كانت تدافع عن النساء، وتسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن القضايا الشرعية للنساء، وعن حقوقهنّ ، واشتهرت أيضاً بينهنّ أنها مبعوثة النساء( ) .
وهناك أحاديث وآثار تدل بمجموعها على أن الله تعالى عوضّ النساء في الأجر والثواب عن بعض ما يخص الرجال من خلال حسن إدارتها للأسرة والزوج والأولاد والتربية ، بالإضافة إلى أجر الحمل ونحوه.
إن النساء في عصر الرسالة والخلافة الراشدة كنّ يشهدن الجمعة والجماعة والدروس، ، بل إنه في عصر عمر رضي الله عنه، وجد بعض الخلل في حضور النساء المساجد، ومع ذلك لم يمنعهنّ، فقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر قال: (كانت امرأة لعمر تشهد صلاة الصبح والعشاء في الجماعة في المسجد، فقيل لها: لِمَ تخرجين وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار؟ قالت: وما يمنعه أن ينهاني؟ قال: يمنعه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) ( )، فهذا الحديث مع واقعته دليل على عدم حاجة المرأة إلى الإذن في حضور الجماعة والجمعة، وأنها لو استأذنت لا يجوز منعها، ويؤكد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا استأذنت أحدكم امرأتُه إلى المسجد فلا يمنعها)( ).
وهناك أحاديث كثيرة أخرى تدل على ما سبق ، منها حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح فتنصرف النساء متلفعات بمروطهنّ ما يُعرفن من الغلس)( )، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم : (إني لأقوم الصلاة وأنا أريد ان أطوّل فيها فأسمع بكاء الصبي ، فأتجوز في صلاتي كراهة أن أشق على أمه) ( ) فالحديث واضح على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم بحضور النساء ويخفف في الصلاة لأجل أولادهن.
الخلاصة:
(1) أن المرأة المسلمة لها الحق في حضور المساجد لأداء صلاة الجمعة والجماعات، ويتحقق لها ثوابها.
(2) أن الإسلام لم يوجب على النساء حضور صلاة الجمعة والجماعة، تخفيفاً عليها، بل لو صلّت في بيتها لكان أفضل لها إن وجدت مشقة في ذلك.
(3) أن النساء في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم ، كنّ يحضرن الجمعة والجماعات، والدروس ، كما ذكرنا ذلك من خلال سرد الأحاديث الصحيحة التي تدل على ذلك.
(4) لكن حضور المرأة لسماع الخطبة او الدروس مطلوب شرعاً ليتحقق لها التفقه في دين الله ، ولتتعرّف على أحكام دينها، ولا سيما في عصرنا الحاضر.
ثانياً: هل يحتاج خروجها لصلاة الجمعة ، أو الجماعة إلى الاسئذان من زوجها؟
اختلف فيه العلماء على قولين:
القول الأول: أن عليها أن تستأذن زوجها ، وأنه يستحبّ للزوج أن يأذن لها للأحاديث التي قيدت خروجها بالاستئذان( ).
والقول الثاني: أن حضورها الجمعة والجماعة حقّ لها ، فلا يجوز لزوجها أن يمنعها إلاّ إذا وجد سبب ظاهر من وجود فتنة حقيقية ، أو أن الزوج بحاجة إليها حاجة شديدة لمرضه أو نحو ذلك( )، والدليل على ذلك الأحاديث التي ذكرناها، والتي تدل على النهي المطلق عن منع النساء من المساجد ، وأن النهي حقيقة في التحريم، ويؤكد ذلك حديث ابن عمر أنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا استأذنت أحدكم امرأتُه إلى المسجد فلا يمنعها) ( ) ، وفي رواية قال بلال بن عبدالله بن عمر: (والله لنمنعهنّ ) ! قال: فأقبل عليه عبدالله فسبّه سبّاً سيئاً ما سمعته سبّ مثله قط ، وقال: أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم...، وتقول: (والله لنمنعهنّ ) ( )، فهذا الفعل من ابن عمر راوي الحديث يدل على التحريم.
وهذا الرأي لجماعة من الفقهاء قديماً وحديثاً منهم ابن عبدالبر ، وابن حزم، والشوكاني، والشنقيطي، وابن باز، وابن عثيمين( )، وهو الراجح في نظري.
ثالثاً: خروج المرأة لصلاة العيدين:
وأما خروج المرأة لصلاة العيدين فمأمور به ، فقد روى البخاري وسلم عن أم عطية قالت: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نُخرجهنّ في الفطر، والأضحى العوائق والحُيَّض، وذوات الخدور، فأما الحُيَّض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين ...) ( ) ، قال الحافظ: (فيه استحباب خروج النساء إلى شهود العيدين سواء كنّ شَوّاب أو لا ، وذوات هيئات أم لا ...) ( ).
رابعاً: هذا الحكم الذي ذكرناه حول خروج المرأة إلى المساجد لحضور الجمعة والجماعات والعيدين، متعلق بأن الخروج لأجل أداء صلاة الجمعة ، والجماعات ، والعيدين من غير الحُيَّض ، أما إذا كان الخروج لأجل التفقه في دينها ، وتزكية نفسها والاستفادة من المحاضرات والدروس فهذا مطلوب شرعاً منها ولا سيما في العصر الذي انشغل فيه الرجال عن تعليم أزواجهنّ أحكام دينهنّ ، فطلب العلم بقدر الحاجة مطلوب، وواجب شرعاً للذكور والنساء.
خامساً: وفي جميع حالات الخروج يجب على المرأة المسلمة أن تلتزم بآداب الخروج من عدم التزين وكل ما يثير الشباب والرجال.
وفي الختام نوصي أخواتنا وبناتنا وأبناءنا وإخواننا بتقوى الله تعالى، والتفقه في دين الله تعالى، ومساعدة الآخرين لتحقيق ما يريده الله تعالى من عباده الصالحين.
هذا والله أعلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتبه الفقير إلى ربه
أ. د. علي محيي الدين القره داغي
الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين