بسم الله الرحمن الرحيم
في ظل الظروف الدقيقة التي تمر بها مصر، أرى لزاما علي بمقتضى الميثاق الذي أخذه الله على العلماء، أن يبينوا للناس الحق ولا يكتمونه، وبمقتضي حبي لبلدي مصر الذي فيه نشأتُ وتعلمت وشببت وكافحت وتخرجت، وبمقتضى المكانة التي تتبوؤها مصر بين البلاد العربية، كشقيقة كبرى لأخواتها العرب، وبمقتضى الدور الذي ننتظر أن تقوم به مصر وبلاد ا...لثورات العربية في قضايا العرب والمسلمين، أرى لزاما عليّ أن أتوجه بهذه النصائح، لإخواني من شعب مصر، وخصوصا السياسيين، والإعلاميين، ومرشحي الرئاسة.
بداية أشيد بالخلق العام السائد بين مرشحي الرئاسة، والاحترام المتبادل فيما بينهم، والتصريحات المسؤولة في الغالب الأعم، فهذا ما ينتظر من رجال تصدروا لقيادة الحياة السياسية في مصر في الفترة المقبلة، ورشحوا أنفسهم لأهم منصب في السلطة التنفيذية، فأنا أؤكد على كل منهم بالاستمرار على هذا المستوى الراقي من المسؤولية والتنافس الشريف، وأحذر أنصارهم من دعاية، لا يخلو بعضها من تجاوزات، يأباها الشرع الحنيف، وتأباها الفطرة السوية، والخلق القويم، ويأباها جمهور الشعب المصري الكريم.
فإلى السادة المرشحين: أدعوهم جميعا أن يكفوا ألسنتهم عن الحديث عن الآخرين، وعليهم العمل لمصلحة الإسلام ومصر، وأن يتركوا الأمور الآن لما تسفر عنه الأحداث في أيامها القادمة إن شاء الله، وليتركوا لأهل العقل والحكمة السعي في وضع ميثاق أخلاقي يحترمه الجميع، وينزل عليه كل صاحب خلق ورشد من المرشحين ومؤيديهم.
وليعلم إخواني المرشحون الفضلاء، أن المفسدين من حملة مشاريع التفرقة لن يدعوهم محتفظين بإخوتهم، وسلامة صدورهم، ولن يتركوهم في حالهم، وسيحاولون التفرقة بينهم بإثارة الفتن، والتحريش بينهم، وإثارة نعرات الجاهلية التي ما أنزل الله بها من سلطان، ولا تتفق مع أخلاقنا الإسلامية، ولا مع فطرتنا النقية، فعلينا جميعا أن نعمل لمصلحة وطننا مصر، وجمع الصفّ، وتوحيد الكلمة، وأن نستشعر جميعا خطورة المرحلة التي تمر بها مصر والعالم الإسلامي.
وكلمتي لأنصار المرشحين: اعمل دعايتك لمرشحك، بذكر فضائله بالحق، ولا يعنيك شأن الآخرين، بالخوض في حياتهم، أو التنقص منهم، أو من مؤيديهم.
كما أدعو التيارات السياسية الموجودة على الساحة المصرية إسلاميين وليبراليين ووطنيين، إلى التعاون فيما بينها في مختلف القضايا، ومنها قضية تأسيسية الدستور، وإلى عدم التصلب في المواقف، وتوسيع المشاركة لتشمل مزيدا من التوجهات داخل اللجنة المشكلة، فالأغلبية تتنازل، والأقلية تتعاون، فالجميع أمام مسؤولية تاريخية عن هذا البلد أمام الله والشعب والأمة.
كما أدعو عقلاء هذا الوطن وعلماءه ورجاله ومفكريه ومثقفيه إلى القيام بدور لتقريب وجهات النظر، والمرور بالبلاد من الأخطار المحدقة بها في الداخل والخارج، وبذل المساعي الحسنة لرأب الصدع، فهذا واجبهم، والله سائلهم عنه
وكلمتي للشعب المصري الحبيب المعروف بطيبة القلب، وعفة اللسان، ونقاء السريرة، الذي لا تخفى عليه هذه المؤامرات التي تحاك ضده، فعلى الشعب دور مهم هنا، وهو البعد عن التنابز والتراشق، وعدم استجابته لمثل هؤلاء الشتامين الطعانين، الباحثين والمفتشين عن عيوب الناس، بل عليه معاقبة مَن يجعل عماد حملته الدعائية التنقص من غيره، والسباب، والنيل من سمعة الآخرين، وذلك بعدم التصويت له، فهذا خير عقاب للمسيء خلقيا ووطنيا، والله تعالى يقول: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}، فهجر المسيء واجب شرعي، إذا نُصح فلم ينتصح، ولم يرتدع عن النيل من الآخرين.
ولا يفوتني أن أشكر أجهزة الإعلام النزيهة بمختلف وسائلها، من قنوات فضائية وصحف وإذاعات وغيرها، لما قامت به من دور وطني في السابق بمحاربة الفساد، وكشف عورات النظام، وأدعو كل إعلامي حرّ إلى تحرِّي الدقة فيما ينشره من أخبار، وما يقدمه من تحليلات، وما يتبناه من دعوات، فالإعلام المسؤول هو الذي يقوم على الصدق والمهنية والتثقيف والحوار البنَّاء، ومصلحة مصر يجب أن تكون فوق الخلافات الحزبية والفكرية الضيقة.
والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
يوسف القرضاوي
رئيس الاتحاد العالمي لعلماء