البحث

التفاصيل

كلمة الشيخ الريسوني في اجتماع مجلس الأمناء

بسم الله الرحمن الرحيم

 وبه نستعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين.

حضرات الإخوة والأخوات،

 أصحاب الفضيلة السادة العلماء ورثة الأنبياء، أعضاء مجلس الأمناء..

 سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

وبارك الله تعالى هذا اللقاء، وشكر الله تعالى للجميع حضورهم، وسفرهم، وجهودهم لمتابعة هذا اللقاء، وإغنائه وإنجاحه وبعد.

هذا اللقاء أيها الإخوة والأخوات هو أول لقاء من نوعه من حيث إننا اعتمدنا في النظام الأساسي الأخير اجتماعين رسميين عاديين لمجلس الأمناء. وبعد التشاور مع الإخوة السيد النائب فضيلة الشيخ عصام البشير  والشيخ علي القره داغي فضيلة الأمين العام، ارتأينا أن نجعل هذا اللقاء -لقاء منتصف السنة- أن يكون خاصا بالأفكار والمشاريع، وليس فيه مجال للتقارير والمتابعات التفصيلية والرقمية إلى آخره.

فلذلك قلت هذا اللقاء هو الأول من نوعه حيث تتاح فيه الفرصة. وأتيحت الفرصة لجميع الأعضاء أن يقدموا مشاريعهم ورؤاهم واقتراحاتهم التي لا يتسع لها الوقت عادة في اللقاء العادي. قد تذكر عرضا في اجتماعات مجلس الأمناء التي تكون مخصصة لقضية معينة في بعض الاجتماعات الاستثنائية أو في الاجتماع العادي الذي يكون مشحونا بالتقارير والإنجازات والملاحظات على سير الأعمال في الفروع واللجان إلى آخره.

وهذا اللقاء بهذه الصفة بكونه لقاء ثانيا في السنة، لقاء مخصصا لطرح المشاريع والرؤى والاقتراحات، يأتي أيضا ضمن خطوة كبيرة خطاها الاتحاد في الشهور الأخيرة وهي اعتماده للنظام الأساسي الجديد للاتحاد. وهذا النظام فتح أبوابا جديدة وفتح أبوابا للتطوير ويفتح آفاقا للعمل ولتطوير لجان الاتحاد وأهدافه ووسائله ومؤسساته التنظيمية. لقد كان اعتماد النظام الأساسي الجديد أيضا خطوة كبيرة ونوعية منذ تأسيس الاتحاد.

ويظهر أثر هذا النظام الأساسي بدءا من هذا الاجتماع الذي نحن فيه وانتهاء بما سنراه وما سيقدم وما سيفتح من أبواب لعمل الاتحاد بفضل هذا النظام وبفضل إعادة ترتيب أولوياته وتنظيمه واستعادة الثقة.

كما أن هذا النظام الأساسي جاء اعتماده عبر أول اجتماع من نوعه وهو الجمعية العمومية الاستثنائية. فلأول مرة يعقد الاتحاد جمعية عامة استثنائية، وخصصت هذه الجمعية الاستثنائية للنظام الأساسي، فإذا كان النظام الأساسي عادة يعالج أو يعدل في زحمة من المواضيع وفي جدول أعمال مكتظ فتأخذ التعديلات دقائق وساعة أو نحو ذلك، لكن الآن بتطوير أساليب العمل النظام الأساسي وتعديلاته ومراجعته يخصص لها لقاء كامل للجمعية العمومية ينعقد في يومين.

ومن الجوانب الاستثنائية في هذه الجمعية العمومية الأخيرة أنها عقدت عن بعد، وكان التصويت فيها إلكترونيا وعن بعد، وهذا أيضا تطور كبير نشكر عليه الإخوة في الإدارة إدارة الاتحاد والإخوة الفنيين والمهندسين الذين تعاونوا معها لنقل الاتحاد ونقل علماء الاتحاد ونقل العلماء بصفة عامة هذه النقلة ليكونوا أكثر تمكنا من استثمار الوسائل الحديثة والوسائل المتطورة، وهكذا تمكنا من عقد جمعية عمومية حضرها المئات دون أن نغادر أماكننا وبيوتنا ومكاتبنا، وهذا والحمد لله تطور كبير.

واليوم نحن نعقد اجتماعا يجمع بين الحضور وبين المشاركة عن بعد، وهذه التطويرات رغم أنها فنية وتقنية لها أهمية كبيرة في التمكين للعلماء وفي مضاعفة فعاليتهم.

كذلك على الصعيد الداخلي بدأ الاتحاد في المدة الأخيرة سنتين أو أقل أو أكثر يتجه أكثر فأكثر إلى الآمال الكبيرة والآمال الدائمة والآمال بعيدة الأمد. فأسست لجنة للترجمة والنشر والتأليف وبدأت أعمال الترجمة والتأليف، كما سنرى في تقريري فضيلة الأمين العام. فإذاً لم يعد الاتحاد يكتفي باللقاءات الشفوية والأعمال الشفوية، وإنما أعمال محررة وأعمال علمية وإصدارات في الطريق لم يصدر منها الشيء الكثير ولم ينجز منها الشيء الكثير ولكن أخذت طريقها، فإذا هذا أيضا توجه وتطور جديد في عمل الاتحاد.

 وعرف الاتحاد في هذه الفترة الأخيرة كذلك ربما في أقل من سنة تطورا هائلا في أدائه الإعلامي عبر الموقع الإلكتروني وفروعه. وقد نستطيع أن نقول إن الأداء الإعلامي للاتحاد على الأقل قد تضاعف بالكامل مئة بالمئة وازدادت فعاليته وأداؤه ومخرجاته وتأثيره، بل ربما بأضعاف مضاعفة في بعض الأحيان، لأن هناك تطورات نوعية ليست مجرد ضعف لشيء كان سابقا، وإنما هي شيء جديد تماما كما هو الشأن بالنسبة لقناة الاتحاد أون لاين، فهذه القناة الآن تؤدي دورا كبيرا وأصبحت وسيلة إعلامية كبيرة، فعلى العموم جميع المؤشرات تدل على تقدم كبير في الأداء الإعلامي للاتحاد.

هذه إشارات على الصعيد الداخلي.

 أما على الصعيد الخارجي للاتحاد  خلال هذه السنوات وبالذات في غضون سنة أو السنة الأخيرة عرف كذلك تطورا كبيرا في تعزيز مكانته ومرجعيته وأصبح الاتحاد ربما بدون مبالغة أن نقول هو المخاطب الأول للعلماء عبر العالم، المخاطب الأول لعلماء المسلمين عبر العالم. هناك جهات أخرى ومؤسسات أخرى لكل فضله ومكانته، ولكن الاتحاد الآن يصبح شيئا فشيئا المخاطب الأول والجهة الأولى التي تجسد العلماء ويلجأ إليها لمخاطبة العلماء. وقد تجسد هذا في وقائع كثيرة كانت تنشر تباعا.

ومن أهم التطورات الخارجية للاتحاد والتي تسهم وأسهمت كثيرا في تعزيز مكانته العالمية الإستقبال الأميري الذي خص به سمو أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد حفظه الله ووفقه، ونشكر له هذه الخطوة الشجاعة حين استقبل وفدا من قيادة الاتحاد، وقد نشر الخبر والصور في حينها، كان هذا الاستقبال أيضا استقبالا نوعيا له ما بعده، وقد بدأنا نجني ثمار ما بعده. وقد أسهم إسهاما كبيرا في تعزيز مكانة الاتحاد داخل قطر، لدى علماء قطر، لدى المجتمع القطري وخارج قطر أيضا.

ومن آثار ذلك أن مملكة ماليزيا بادرت إلى الدخول في شراكة تامة، بل أسلمت للاتحاد قيادة تنظيم المؤتمر الأخير الذي حضره عشرات من أعضاء الاتحاد وعلى رأسهم نائب الرئيس والأمين العام، حيث تم تنظيم هذا المؤتمر في ماليزيا وهو يتعلق بطبيعة الحال بقضية القدس وتحرير القدس. وقد جاء هذا المؤتمر أيضا تجسيدا لمكانة الاتحاد لدى بعض الدول الإسلامية الأكثر استقلالية والأكثر موضوعية في تعاملها معنا ومع الأحداث ومع المؤسسات، فنحن أيضا نشكر دولة ماليزيا على هذا التعاون وعلى هذه الشجاعة سواء في طبيعة القضية وفي موضوع القضية أو في كونها دخلت في شراكة مع الاتحاد وفي تعاون تام مع الاتحاد وفي انسجام تام.

 و الشكر لفضيلة الأمين العام الذي قاد تنظيم هذا المؤتمر والفضيلة نائب الرئيس الذي كذلك واكب هذا المؤتمر قبل انعقاده وأثناء انعقاده. وأتقدم بالشكر لجميع الأعضاء الذين شدوا الرحال من قارات وأقطار متعددة ليحضروا هذا المؤتمر، فقد كان مجرد حضورهم من مختلف دول العالم إعلانا عن تمسك تام وتوحد تام من حول قضية القدس وقضية فلسطين.

 وعلى ذكر قضية فلسطين، فالاتحاد أيضا يواكب هذه القضية باستمرار كما تعلمون، وكما تتابعون بجميع أشكال المواكبة المستطاع رئاسة وأمانة، ومجلس أمناء وأعضاء أفرادا، فالاتحاد منخرط في القضية انخراطا تاما، وكذلك ينخرط في الكثير من القضايا الإسلامية والقضايا الإنسانية التي يعلن عن مواقف الاتحاد وبياناته وخطواته في حينها.

 

أيها الإخوة والأخوات أصحاب الفضيلة الكرام أعزكم الله وأيدكم،

 الاتحاد رغم هذه الخطوات التي نعتز بها فإنه يعاني من بعض الصعوبات، ومن بعض السلبيات التي لا بد أن نأخذها بعين الاعتبار سواء في تقييمنا لعمل الاتحاد أو في سعينا لتجاوز هذه الصعوبات والسلبيات.

وأهم هذه الصعوبات هي أن الاتحاد وهو بهذا الحجم الذي تعرفونه وبهذه الآلاف من الأعضاء وبهذا الانتشار الجغرافي الكبير وبهذه السمعة الطيبة، لكنه في إنجازاته ومشاريعه وأعماله يفتقر إلى المتفرغين من العلماء والباحثين ،والتطوع فيه شبه منعدم داخل الاتحاد، أو ربما شيء ضئيل، نستطيع أن نقول أن بعض الإخوة شبه متفرغين مثل فضيلة الأمين العام وبعض الإخوة في قيادة الاتحاد، ولكن بقية اللجان والأعمال والفروع والمشاريع التي نكررها لا تجد إلا أعمالا تطوعية تزاحم بها أعمال كثيرة، فأعضاء الاتحاد وخاصة ذوي المكانة والشهرة منهم لهم أعمال كثيرة وارتباطات كثيرة لا يستطيعون التخلص منها، بل لا يستطيع كثير منهم، حتى أن يجعل الأولوية والصدارة لأعمال الاتحاد، فلذلك هذا هو الواقع الذي علينا أن نعدله ولو نسبيا لتجاوزه والبحث عن حلوله.

هذه هي المشكلة، ليس عندنا قدرة حتى الآن على تفريغ باحثين وعلماء اللجان ولخدمة الرئاسة والأمانة العامة، ولخدمة كل مشروع على حدة، فلذلك يبقى هذا الوضع معيقا ومضعفا.

 والأمر الآخر وهو مرتبط به وتعرفونه جيدا هو القدرات المالية للاتحاد. رغم أنه الآن الوضعية في قطر  على وشك الانفراج ونجدد الشكر لدولة قطر والمحسنين القطريين وخاصة ممن لهم علاقة بـ فضيلة الأمين العام، وكذلك أشكر أعضاء الاتحاد الذين أبانوا في مناسبات عديدة عن استعدادهم وتساندهم لدعم القدرات المالية للاتحاد عبر إنشاء أو عبر السعي لإنشاء وقف جديد. وعبر السعي لاستثمار الوقف الجاري في قطر، وعبر أداء الاشتراكات السنوية للأعضاء، وعبر ما يتحملونه عن الاتحاد من نفقات أسفارهم..

ولكن هذه الأمور كلها إما لم تعط ثمارها بعد أو ثمارها غير كافية، فإذاً هذا هو المشكل أو هذه هي المعضلة.

الحمد لله وقع فيها انفراج وتحسن كما قلت في الشهور الأخيرة أو في السنة الأخيرة، ولكن الاتحاد لو وجد إمكانات مالية قارة ومضمونة يستطيع بها أن يفرغ وأن يوظف وأن يبذل المكافآت للباحثين والدارسين لكان عمله أضعافا مضاعفة، فهذه مشكلة يعني نفكر فيها دائما ونفكر فيها جميعنا بطبيعة الحال.

وأخيرا رغم هذه الصعوبات أو رغم هذه السلبيات فللاتحاد دور آخر كبير وجليل وتاريخي؛ وهو دور صامت. الاتحاد يؤدي دورا صامتا دون بيان ولا توقيع ولا عمل معين وهو أنه بوجوده منذ ما يقرب من عشرين سنة ومن خلال نشاطاته ومن خلال مواقفه النزيهة والمبدئية والثابتة أصبح محفزا للعلماء المسلمين في جميع أنحاء العالم سواء كانوا أعضاء فيه أو لم يكونوا، وسواء كانوا قريبين منه أو بعيدين منه.

فالاتحاد أحدث حركية نفسية وحركية فكرية وحركية عملية في صفوف العلماء، والمؤسسات ، سواء على الصعيد القُطري الوطني لكل بلد، أو على الصعيد الإقليمي، كالمغرب العربي، ودول الخليج، ودول جنوب شرق آسيا، أو على الصعيد العالمي.

بالإضافة إلى حركية العلماء الأفراد التي دبت أكثر فأكثر في غضون السنين الأخيرة العشرين سنة أو أقل من عشرين سنة، فالاتحاد بوجوده وصموده في وجه الأعاصير، وفي وجه التحديات التي رفعت في وجهه وما زالت، ومع استقامة مواقفه ونزاهته يعطي إشارات قوية ويعطي نموذجا قويا ويعطي أملا قويا في أن يعود العلماء إلى مكانتهم وإلى قوتهم وإلى قيادتهم، وإلى أن يكونوا قدوة لهذه الأمة تعالج الانهيارات الحضارية والثقافية والسياسية التي تعرفها الأمة.

 فالاتحاد بشكل ضمني وصامت. يؤدي هذا الدور، وعلينا أن نكون واعين به لأن هذا الدور عادة لا تأتي عليه لا تقارير ولا إحصاءات، ولكنه قائم بتوفيق الله تعالى، ونسأل الله تعالى أن يسخرنا  دائما لخدمة دينه وخدمة هذه الأمة وخدمة البشرية آمين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

أحمد الريسوني

رئيس الاتحاد





التالي
إسبانيا.. برلمان إقليم كتالونيا يصدر قرارا يعتبر إسرائيل دولة فصل عنصري

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع