البحث

التفاصيل

في ظلال مقاصد التوحيد (منافع العلم بأشراط الساعة)

الرابط المختصر :

في ظلال مقاصد التوحيد (منافع العلم بأشراط الساعة)

بقلم: د. انجوغو امباكي صمب - عضو الاتحاد

 

من حكمة الله تعالى، بل من رحمته بالخلق وشفته عليهم، أن يظهر لهم علامات وأشراطا تدل على قرب الساعة، وهي جملة من الأحداث العظام والأهوال الجسام التي تسبق زوال الدنيا والانتقال منها إلى الدار الآخرةـ، قال تعالى {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ}[1]، وقوله تعالى{ فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا}: ((تعليل لمفاجأتها لا لإتيانها مطلقا على معنى أنه لم يبق من الأمور الموجبة للتذكر أمر مترقب ينتظرونه سوى إتيان نفس الساعة إذ قد جاء أشراطها، فلم يرفعوا لها رأسا ولم يعدوها من مبادى إتيانها، فيكون إتيانها بطريق المفاجأة لا محالة، والأشراط جمع شرط بالتحريك وهي العلامة والمراد بها مبعثه صلى الله عليه وسلم وانشقاق القمر ونحوهما)) وقال تعالى { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}[2]، قال ابن كثير رحمه الله (( يخبر تعالى عن اقتراب الساعة وفراغ الدنيا وانقضائها، كما قال تعالى {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[3]، وقال {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ}[4] ))[5].

وأشراط الساعة وعلاماتها كثيرة ومختلفة، ومن أشهرها ما ورد في حديث حذيفة بن أسيد أبي سريحة[6] رضي الله عنه، قال : اطلع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غرفة، ونحن نتذاكر الساعة، فقال: ((لا تقوم الساعة حتى تكون عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، والدخان، والدابة، ويأجوج ومأجوج، وخروج عيسى ابن مريم عليه السلام، وثلاث خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، ونار تخرج من قعر عدن أبين، تسوق الناس إلى المحشر، تبيت معهم إذا باتوا، وتقيل معهم إذا قالوا ))[7]، وفي الحديث ذكر لأعظم أشراط الساعة وعلاماتها الكبرى، وهناك أشراط وعلامات أخرى وسطى وصغرى تراجع في مظانها من كتب العقيدة الإسلامية، قال السفاريني[8] رحمه الله (( ثم اعلم أن أشراط الساعة وأماراتها تنقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم ظهر وانقضى وهي الأمارات البعيدة، وقسم ظهر ولم ينقض بل لا يزال في زيادة حتى إذا بلغ الغاية ظهر القسم الثالث وهي الأمارات القريبة الكبيرة التي تعقبها الساعة وأنها تتابع كنظام خرزات انقطع سلكها))[9].

  • من منافع العلم بأشراط الساعة وعلاماتها:

وللعلم بأشراط الساعة وعلاماتها منافع كثيرة ولعل من أهمها : الاستعداد للرحيل عن الدنيا والتوبة الصادقة من الذنوب من المعاصي، والمبادرة إلى الأعمال الصالحة، قال ابن حجر رحمه الله تعالى ((والحكمة في تقدم الأشراط إيقاظ الغافلين وحثهم على التوبة والاستعداد))[10]، ونقل القرطبي رحمه الله عن العلماء قولهم: (( والحكمة في تقديم الأشراط ودلالة الناس عليها تنبيه الناس من رقدتهم وحثهم على الاحتياط لأنفسهم بالتوبة والإنابة كي لا يباغتوا بالحول بينهم وبين تدارك العوارض منهم، فينبغي للناس أن يكونوا بعد ظهور أشراط الساعة قد نظروا لأنفسهم وانقطعوا عن الدنيا، واستعدوا للساعة الموعود بها، وتلك الأشراط علامة لانتهاء الدنيا وانقضائها))[11]، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيرا: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض ))[12]، وعنه رضي الله عنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال )) بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا))[13]، قال النووي رحمه الله ((معنى الحديث الحث على المبادرة إلى الأعمال الصالحة قبل تعذرها والاشتغال عنها بما يحدث من الفتن الشاغلة المتكاثرة المتراكمة كتراكم ظلام الليل المظلم لا المقمر ووصف صلى الله عليه وسلم نوعا من شدائد تلك الفتن وهو أنه يمسي مؤمنا ثم يصبح كافرا أو عكسه شك الراوي وهذا لعظم الفتن ينقلب الإنسان في اليوم الواحد هذا الانقلاب والله أعلم))[14]، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( بادروا بالأعمال ستا: طلوع الشمس من مغربها، والدخان، ودابة الأرض، والدجال، وخويصة أحدكم، وأمر العامة))[15]، قال المناوي : قال القاضي عياض رحمه الله ((أمرهم أن يبادروا بالأعمال قبل نزول هذه الآيات فإنها إذا نزلت أدهشت وأشغلت عن الأعمال أو سُدَّ عليهم باب التوبة وقبول العمل))[16].

 

 

[1] سورة محمد، الآية 18

[2] سورة القمر، الآية 1

[3] سورة النحل، الآية 1

[4] سورة الأنبياء، الآية 1

[5] تفسير القرآن العظيم، 4/ 476

[6] حذيفة ابن أسيد بفتح الهمزة الغفاري أبو سريحة بمهملتين مفتوح الأول صحابي من أصحاب الشجرة مات سنة اثنتين وأربعين. انظر : تقريب التهذيب ،1 /  154

[7] سنن ابن ماجة، 5 / 177 ، برقم ( 4055 )، وقال محققوه الشيخ شعيب الأرناؤوط وآخرون : إسناده صحيح.

[8] محمد بن أحمد بن سالم السفاريني، شمس الدين، أبو العون: عالم بالحديث والاصول والادب، محقق. ولد في سفارين (من قرى نابلس) ورحل إلى دمشق فأخذ عن علمائها. وعاد إلى نابلس فدرس وأفتى، وتوفي فيها سنة 1188 هجرية . انظر : الأعلام ، للزركلي 6 / 14

[9] لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية، تأليف  شمس الدين، أبو العون محمد بن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي، 2 / 66 ، الناشر: مؤسسة الخافقين ومكتبتها – دمشق - 1402 هـ

[10] فتح الباري ، 11 / 350

[11] التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة،  تأليف أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي، تحقيق ودراسة: الدكتور: الصادق بن محمد بن إبراهيم، ص 1217 الناشر: مكتبة دار المنهاج للنشر والتوزيع، الرياض، 1425 هـ

[12] صحيح مسلم ، 1/ 137 ، برقم ( 158 )

[13] صحيح مسلم، 1 / 110 ، برقم ( 118 )

[14] المناهج في شرح صحيح مسلم، 2/ 133

[15] سنن ابن ماجة، 5/178 ، برقم ( 4056 )، وقال  محققوه الشيخ شعيب الأرناؤوط وآخرون : صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن في المتابعات والشواهد. سنان بن سعد وثقه بعضهم وضعفه آخرون، وحديثه حسن في المتابعات.

[16] فيض القدير، 3 / 194





التالي
امرأة فرعون.. نموذج للتفاؤل وقدوة في الصبر
السابق
إسبانيا.. برلمان إقليم كتالونيا يصدر قرارا يعتبر إسرائيل دولة فصل عنصري

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع