البحث

التفاصيل

أحكام العودة من الحج

الرابط المختصر :

أحكام العودة من الحج

الشيخ د. تيسير رجب التميمي – عضو الاتحاد

 ها قد عاد وفد الرحمن إلى أرض الوطن، عادوا مغفوراً لهم بإذن الله، عادوا كيوم ولدتهم أمهاتهم، فهنيئاً لكم يا حجاج بيت الله الحرام فضل ربكم عليكم، هنيئاً لكم أن أتممتم مناسككم وأديتم فريضتكم، وحمداً لله على سلامة عودتكم، والعقبى لكل مسلم بعدكم أن يبلغ الديار المقدسة التي بلغتم.

الحج عبادة روحية وبدنية ومالية ، زُيِّنت بمحاسن الأخلاق والآداب والفضائل ، وأولها أن يكون الحاج بعد رجوعه خيراً مما كان عليه قبل ذهابه، بازدياد صلاحه وإقباله على الخير والبعد عن الشر فهذا من علامات الحج المبرور، وألاَّ يعاود المعاصي، قال صلى الله عليه وسلم: {الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة} رواه البخاري، ومن علاماته أيضاً أن يرجع الحاج زاهداً في الدنيا وما فيها، راغباً بالآخرة مقبلاً عليها، كيف وقد عاهد الله في كل المناسك والمشاعر المقدسة التي أداها على الاستقامة في القول والعمل والنية، وعاهده على ما يرضيه وتجنب ما يغضبه، فقد أعلن بالتلبية إقباله على الله وانقياده له، وبالطواف أعلن تصميمه على التمسك بشريعته والعمل لإعلاء كلمته، وبرمي الجمار أعلن محاربة قوى الشر والطغيان، وبالنحر أعلن التضحية والفداء، وبتقبيل الحجر الأسود عاهد الله تعالى على الالتزام بشرعه وهديه.

فليحرص الحاج على إرضاء ربه وطاعة أمره واجتناب نهيه ، وليحذر أن يبطل عمله أو يضيع أجره، وليحفظ ما أكرمه الله به من مغفرة الذنب وقبول التوب ، وليلتزم التقوى في القول والعمل، قال سبحانه وتعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} المائدة 93 ، فالتقوى خير زاد للروح، ويتأكد ذلك إذا بلغت درجة الإحسان ، وقد وصف لنا الرسول صلى الله عليه وسلم الإحسان في العبادة بقوله: {أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك} رواه مسلم، أما الإحسان في المعاملة فهو مقابلة الإساءة بالإحسان ومقابلة الحسنة بأحسن منها ، قال تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ} الرحمن60.

وليعلم الحاج أن تجديد المعاصي والإصرار على نقض التوبة من أكبر الكبائر في كل الأوقات، بل هو الكفر والردة بعينها ، فقد قال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً} النساء 137، ويتأكد ذلك بعد أداء فريضة الحج؛ وبالأخص بعد قوله صلى الله عليه وسلم {من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه} رواه البخاري، أي أنه رجع بلا ذنب باستثناء حقوق العباد.

وليكثر من الدعاء والذكر والشكر، قال تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} البقرة 200-202.

أما أبرز أحكام عودة الحاج إلى الأهل والوطن والبلد فمنها:

* يستحب له إذا رأى بلدته أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فكان إذا قفل من الحج أو العمرة { يكبر ثلاثاً ثم يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون} رواه البخاري.  

* ويحسن بالحاج ألاَّ يَقْدِمَ على أهله ليلاً إلاَّ إذا بلَّغهم بذلك وأخبرهم بوقت قدومه لقوله صلى الله عليه وسلم: {إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرق أهله ليلاً} رواه البخاري، وما أيسر ذلك اليوم مع توفر وتطوُّر وسائل الاتصال وتنوعها.

* ويندب له أن يبتدئ بالمسجد الذي بجوار بيته ويصلي فيه ركعتين، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا يقدم من سفر إلا في الضحى فيبدأ بالمسجد فيصلي فيه ركعتين ويقعد فيه} رواه البخاري.

* ويستحب له أن يلاطف الأطفال والصغار من أهل بيته وجيرانه وأن يحسن إليهم إذا استقبلوه ، قال عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر تلقاه).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* الشيخ الدكتور تيسير رجب التميمي: عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وقاضي قضاة فلسطين، ورئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي سابقاً، وأمين سر الهيئة الإسلامية العليا بالقدس





التالي
التم.سي.خ  البشري.. جهود الأمم المتحدة في (ت.خ.ن.ي.ث العالم)
السابق
الاتحاد ينعي علامة الموصل وفقيهها الشيخ مصطفى البنجويني – رحمه الله، عن عمر ناهز الـ 90 عاما

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع