- الحرية تضمن عدم تحول البلد إلى رصاصة أو قنبلة أو سيارة مفخخة
- ثقافة الكاتب أغفلت الجانب الروحاني وحولت الصحوة لحركة مادية
- معلومات الكتاب لا تعطي نتيجة دقيقة نظرا لسياق التعميم
- المجتمع يواجه انفتاحاً غير مدروس تواجهه ردة فعل أكثر تشددًا
- "الوهابية" مدرسة ملهمة بلا جدال إلا أن قيمها قابلة للتجديد
اعتبر الدكتور سلمان بن فهد العودة، الأمين العام المساعد لاتحاد العلماء المسلمين، أن كتاب "زمن الصحوة" لـ"ستيفان لاكروا" من أهم الكتب التي عالجت موضوع الصحوة بالمملكة ، على الرغم مما شابه من ملاحظات عديدة ، لافتا إلى أن كون المؤلف من بيئة غير عربية أو إسلامية أضفي نوعا من الحيادية، في البحث الذي استمر ست سنوات ولم يزد عن ثلاثمائة وخمسين صفحة، عقد خلالها الكاتب عشرات اللقاءات المطولة وحفر في منطقة صلبة وغريبة.
وأضاف أنّ "هذا الكتاب وبعده كتاب "المملكة" للدكتور عبد العزيز الخضر من أكثر الكتب التي عالجت هذا الموضوع بجدية ، مشيرا إلى أنه ـ وعلى الرغم ـ من أنك قد تختلف مع كثير من النتائج التي توصل إليها الكتاب، إلا أنه لا تملك إلا أن تلاحظ الجهد والصبر والنفس الطويل والتقاط المعلومات من أطراف مختلفة.
جوانب سلبية
وأوضح د. العودة أنه ـ وفي مقابل هذه الجوانب الإيجابية ـ فإن هناك ملاحظات عديدة شابت الكتاب من بينها، مسألة نقص المعلومات، مشيرا إلى أن الكاتب حصل على معلوماته من خلال خمسين مقابلة، غير أنها في المجمل لا تعطي نتيجة دقيقة نظرا لسياق التعميم وعدم الدقة في كثير من القضايا.
وبيَّن أن هذه المعلومات حصل عليها من خلال شباب تعرف عليهم في البداية ليكونوا وسطاء لشخصيات أخرى، غير أنه اكتفى بمعلومات هؤلاء الشباب الذين هم درجة ثانية أو ثالثة في "التراتبية"، مشيرا إلى أن هؤلاء الشباب ربما تفتقد معلوماتهم للصحة أو قد تكون جزئية أو ناقصة.
صحوي سابق
ولفت الشيخ سلمان إلى أن الكاتب تحدث عن بعض هؤلاء الشباب تحت مسمى "صحوي سابق"، ما يعني أنهم خرجوا من إطار هذه الجماعات، وهو ما يقدح في حياديتهم، إضافة إلى أنه قلما يذكر أشخاصاً معروفين في الميدان، وإنما تعتمد معلوماته عن أشخاص يعبر عنهم بـ"صحوي رفض الإفصاح عن اسمه" ، وبالتالي فإن "المعلومات أماأن تكون منقوصة بالنظر إلى مستواه "التراتبي" أو تكون متأثرة بموقف معين".
وأشار إلى أنه ـ وضمن هذا الإطار ـ نقل الكاتب معلومة عن سيد قطب من الشيخ ربيع المدخلي، مؤكدا أنه لا ينبغي أخذ معلومات عن طرف من طرف آخر في مقام الرد عليه أو في مقام عدم الرضا بمذهبه ومشربه.
المعلومة والتحليل
وبين فضيلته أن من ضمن الملاحظات على الكاتب هو خلطه بين المعلومة و التحليل، بمعنى أن ما كثيرا مما نقله أو قدمه ليس معلومة صرفة؛ على اعتبار أنالحصول على معلومة صرفة فيه صعوبة، وبالتاليفقد تداخلت بشكل واضح المعلومة هنا مع التحليل والدوافع والسبب.
وأشار الشيخ سلمان ـ في هذا الصدد ـ إلى تكرار اسمه في الكتاب بشكل واضح، على الرغم من ان حراكه كان بدافع ذاتي ولم يكن حينها مرتبطا باي مجموعة
الكلمة الحرة ضمان
وقال: "كنت أحلم أن يكون الناس قادرين على العطاء؛ بمعنى أن يكون الواقع الاجتماعي والإداري والمؤسسي والسياسي يسمح للناس بأن يعطوا وأن يعبروا عن آرائهم في حدود مسئولياتهم ، وأن يكون هناك قدر من الحرية للناس في هذا الإطار"، مشيرا إلى أن آخر محاضرة تقريباً قبل السجن كان عنوانها "الكلمة الحرة ضمان"، لافتا إلى أنه أراد "توصيل رسالة للمستمع وللحاكم أيضاً أن منح الناس قدراً من الحرية في التعبير هو الذي يضمن ألا تتحول البلد إلى رصاصة أو قنبلة أو سيارة مفخخة".
غياب البعد الروحاني
وأشار د. العودة إلى غياب البعد الروحاني والإيماني عن الكتاب؛ مشيرا إلى أن أي كاتب غربي يفسر الأشياء وفقا لدراساته ومنهجه الاجتماعي بحيث تجد الحديث عن أهداف ودوافع وتطلعات ومطامح، بعيدا عن المعاني الروحية والنية الصالحة، موضحًا: "لن أستغرب من باحث ينتمي إلى ثقافة وإلى بيئة مختلفة أن يغفل عن هذا الجانب فتكون القصة تحليلاً -إن صح التعبير- مادياً صرفاً للأعمال والتصرفات والحراك".
منهجية محددة
كما اشارد. العودة الى اعتماد الكاتب على منهجية محددة للحصول على نتائج، مشيرا إلى أن هذا الأمر هو "بيت القصيد" في الكتاب.
وقال: إن المؤلف تقريباً في صدر الكتاب وضع نظاما اجتماعيا سياسيا مقطعا، أي "عبارة عن قطاعات"، مشيرا إلى أن "هذه الحقيقة راقت لي وإن كنت لا أستطيع أن أجزم بصوابيتها، ولكنها قراءة قد تكون واقعة ومعقولة للمجتمع المحلي".
وبيّن أن الكاتب أشار إلى أن المجتمع قائم على أساس قطاعات متنوعة تسير بطريق متوازٍ كقطاع العلماء، وقطاع الأدباء، وهناك قطاع عسكري معزول تماماً ومنفصل، إضافة إلى القطاع الإعلامي، وقطاع المرأة في المجتمع، والقطاع المالي، وغير ذلك، مشيرا إلى أن هذه القطاعات لا يكاد يوجد بينها روابط أفقية، وإنما هي مرتبطة رأسياً بحيث تُدار من الأعلى، لافتا إلى أن الكاتب عبر بكلمة جميلة حينما قال: (هؤلاء لا يتكلمون بلغة واحدة) بمعنى أن كل قطاع له لغته المختلفة، دون أن روابط أفقية بين الجميع.
قطاعات منفصلة
وأشار إلى أن "كون هذه القطاعات منفصلة بعضها عن بعض يجعل من الصعوبة حشدها في مواجهة أي قرار رسمي أو أي مطلب إصلاحي"، معتبرا أن "هذا الأمر تقريباً هو الفكرة الجوهرية -إن صح التعبير- في نظري التي بُنى عليها الكتاب، وتم التوصل من خلالها إلى النتائج".
وأشار إلى أن هذه الفرضية ـ على الرغم من أنه ليس مقطوعا بها ـ فلم يَسعَ المؤلف إلى لاستدلال عليها بشكل كافٍ مع أنها أساسية في البحث.
وأشار إلى أنه "مع التسليم بهذه الفرضية من حيث الجملة فإن هناك بعض التحفظات عليها من جهة عمق الموضوع، زد على ذلك سؤال عن فاعلية هذا التقطيع -إن صح التعبير- مع وجود إرادة سياسية لحدوثه وتعميقه".
وقال د. العودة إنه "من الناحية الواقعية هناك خطان متوازيان في المجتمع الآن؛ الخط الأول يمارس انفتاحاً غير مدروس، والآخر يمارس تشدداً أخلاقياً كردة فعل لذلك الانفتاح".
كسر العزلة
واعتبر أنه وبعد تغير الزمن استطاعت الشبكات الاجتماعية ـ بعض الشئ ـ كسر عزلة هذه القطاعات، مشيرا إلى أن "تويتر" و"فيس بوك" وبقية الشبكات الاجتماعية الأخرى أزالت كثيراً من الحواجز بين الناس.
الإسلام والمدرسة الوهابية
كما أشار فضيلته إلى أن الكاتب ذكر أن الإسلام يحتاج إلى ثورة "كوبرنيكية" بمعنى آخر ثورة بروتستانتية، وهو ما يعد مجازفة، "فالعالم الإسلامي لم يشهد ما شهدته أوروبا من الفصل بين العلم والدين ومحاكم التفتيش"، إضافة إلى حديثه عن"الوهابية" كمدرسة متشددة، بينما تعد "الوهابية" مدرسة ملهمة بلا جدال، ولكن يجب أن تُفهم على أنها قيم جوهرية قابلة للتجديد.
ونوه إلى أن الدعوة الوهابية قامت على أساس رفض التقليد، والدعوة إلى الاجتهاد، ومن هنا فإن الفتاوى الفردية لآحاد العلماء حتى من داخل المدرسة ليس لها صفة القطعية وإنما هي اجتهاد يمكن أن يعالج باجتهاد آخر.
مرحلة قيام الدولة
وأشار في هذا الخصوص أن ظروف قيام الدولة حتمت تبنّي وجهة نظر ــ متشددة حيال بعض القضايا، على سبيل المثال الموقف من الدولة العثمانية، عند قيام دولة الملك عبد العزيز -رحمه الله- بحيث كان لا بد هنا من أن يكون الموقف من الدولة العثمانية واضحاً، ولهذا كان العلماء الذين يقولون بتكفير الدولة العثمانية هم أصحاب القبول والحظوة بهذا الخصوص، باعتبار تلك الفترة مرحلة النشأة أو ما يمكن التعبير عنها بمرحلة الثورة".
وقال: "بعد ذلك جاءت مرحلة الدولة ومرحلة التكوين ومرحلة التعامل مع العالم وهو ما كان يقتضي خطاً آخر يعبر عنه بمرحلة المصالحة وليس "البرجماتية"؛ لأن كلمة البرجماتية قد يُفهم أنها انتهازية أو نفعية لمصالح أشخاص".
الصحوة والاخوان
ذكر. الدكتور سلمان ان الكاتب اعتمد منهجية محددة للحصول على نتائج، بمعنى أنه صنَّف شخصيات باعتبارها تنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين بناءً على معلومات منقوصة. وأضاف أن الكاتب "ذكر أسماء شخصيات مشهورة ومعروفة، وتحدّث عن انتمائها الإخواني ولم يكن دقيقاً في ذلك على الأقل بالنظر إلى بعض هذه الشخصيات التي قد تكون متعاطفة أو محبة أو متأثرة".
وأشار الشيخ سلمان إلى أنَّ الكاتب "ذكر انقسام الصحوة فيما بعد إلى صحوة جهادية وصحوة غير جهادية، وكأن هذا الانقسام مبني على معطيات داخلية ضمن الصحوة، وفاته أن يشير إلى المؤثر الاجتماعي والمعطيات العالمية وغيرها".
عصر البث الفضائي
واعتبر أن من أبرز الأهداف التي كانت مقصودة هوكسر احتكار السلطة للميدان، وهو ما تحقق بشكل أكبر بعد ذلك مع عصر البث الفضائي، مشيرا إلى أن الإصلاحات السياسية التي تحدث عنها الكاتب كانت في الغالب شكلية.كتاسيس مجلس الشورى
خطاب المطالب
وأشار إلى أن ذروة الحراك ـ بحسب المؤلف ـ "هي دخول السجن بينما ذروة هذا الحراك هو ما سمي بخطاب المطالب، وذلك لأن هذا الخطاب مع كونه واضحاً في مطالبه فإنه ظفر بموافقة الجميع تقريباً،بحيث لم يكن خطاباً فئوياً أو منتمياً إلى جهة خاصة".
ذروة الحراك
وأوضح أن "هذا الخطاب زكّاه الشيخ ابن باز،والشيخ ابن عثيمين –رحمهما الله-، والشيخ ابن جبرين، والشيخ حمود التويجري، ووقّع عليه أمثال الشيخ عبد الرحمن السديس، والشيخ صالح بن حميد، والشيخ ربيع المدخلي، والشيخ صالح الفوزان"، معتبرا أن "هذا الخطاب كان ذروة الحراكوكان يمكن أن يبنى عليه لولا أنه ـ حسبما أشار المؤلف ـ آنذاك بجلاء أنه تم توزيع هذا الخطاببطريقة عاصفة جداً، حيث وُزع في كل مكان، خاصةًمع تزكية المفتي الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمينوغيرهما".
وأشار إلى أن هذا الأمر سبب مزيدًا من السخط،فاجتمع أعضاء هيئة كبار العلماء وأصدروا بياناً أدانوا فيه طريقة توزيعه ونشره، باعتباره خطابا يفترض فيه الخصوصية وليس النشر"، مشيرا إلى أنه "بقدر ما كان يُشكّل ذروة الفعل إلا أنه أشعر الطرف السياسي بالخطر نتيجة حشد هذا العدد الكبير من الناس ومن الشيوخ".
رفض العنف
وأشار الشيخ العودة أن الكاتب "تحدث ـ على سبيل المثال ـ عنا وعن رفضنا للعنف الداخلي كما لو كانبهدف التقارب مع السلطة السياسية، بالرغم من أنإدانتنا للعنف كانت ولا زالت منطلقة من مسئوليتنا التاريخية أمام الله ثم أمام الناس حتى من قبل السجن"، نافيا استعانة السلطة بهم إثر إحساسهمبغياب أو تراجع دور هيئة كبار العلماء.
وأشار ـ في هذا الصدد ـ إلى خطاب الجبهة الداخلية وجمعهم توقيعات نحو ثماني وعشرين شخصية قبل اندلاع أعمال العنف بثمانية شهور ، مشيرا إلى أن "هدفه الأساسي كان التحذير من اندلاع موجات عنف داخل البلد".
جهد كبير
واختتم د. العودة بالتأكيد على أهمية الكتاب والجهدالكبير الذي بذل فيه والذي لا يملك الإنسان إلا أن يتعجب من هذا الصبر الطويل وهذا الجهد، معربا عن تمنيه من نملك العديد من مثل هذه الدراسات التي تؤرخ لمرحلة مهمة في مجتمعنا بأقلام من أبناء هذا البلد يملكون الحياد والرؤية.
ندرة الإنصاف
وبين د. العودة ـ في هذا الصدد ـ أن الباحث بشكل عام مثل القاضي، والنبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر أن قاضياً في الجنة وقاضيان في النار، مما يوحي بندرة الإنصاف والحياد في القضايا التي يكون فيها خصومة بين أكثر من طرف، لافتا إلى معنى آخر، أيضاً، هو أن القاضي لا بد أن يسخط على الأقل نصف الناس، وبالتالي فإن تقييم الناس لهذا العمل قد يكون متأثراً أيضاً بموقفهم.
بحوث "أمنية"
وأشار د. العودة إلى أن كثيرا من الدراسات والكتب والرسائل الجامعية كان يُكتب فيها وشايات أمنية أو دعايات سياسية أو تحريض أو مديح أو تصنيف وتعيير، مشيرا إلى أن هذه اللغة لا زالت هي الصوت الأرفع والأعلى في مجتمعنا المحلي.
وقال: "نحن هنا في الخليج لا نستطيع أن نذكر مركزا علميا ومعرفيا بحق فضلاً عن مركز محايد سواء المراكز البحثية العامة أو تلك المراكز التي تتحدث عن جزء من التاريخ الذي عشناه في هذه المجتمعات"، مشيرا إلى أن هذه المراكز إما حكومية أو مدعومة من جهات معينة تؤدي هدفاً مرسوماً لا غير. واعتبر أنه في "غيبة الحرية تغيب المعلومة أيضاً".