معركة كربلاء واستشهاد الحسين بن علي (رضي الله عنه): من المسئول عن قتل الحسين رضي الله عنه؟
بقلم: د. علي محمد الصلابي
المقالة السابعة
بالنظر إلى أقوال الصحابة - رضوان الله عليهم - فإن الاتهام موجه إلى أهل العراق، وذلك في المسؤولية المتعلقة بقتل الحسين - رضي الله عنه -، فهذه أم سلمة - رضي الله عنها - لما جاء نعي الحسين بن علي لعنت أهل العراق وقالت: قتلوه قتلهم الله - عز وجل - غرُّوه ودلُّوه لعنهم الله.
إن المسئول عن قتل الحسين أطراف متعددة منها:
1 - أهل الكوفة:
إن أهل الكوفة هم الذين كاتبوا الحسين بن علي وهو في المدينة، ومنَّوه بالخروج حتى خرج إليهم، بالرغم من تحذيرات الصحابة له بعدم الخروج، ولما عين ابن زياد أميراً على الكوفة تأخر الناس عن نصرة الحسين وعن تأييده، بل وانخرطوا في الجيش الذي حاربه وقتله، ولذا عبَّر الحافظ ابن حجر عن موقف أهل الكوفة من الحسين بقول: فخُذِل غالب الناس عنه، فتأخروا رغبة ورهبة، ولما تقابل الحسين ومن معه مع جند الكوفة نادى الحسين زعماء أهل الكوفة قائلاً لهم: يا شبث بن ربعي، ويا حجار بن أبجر، ويا قيس بن الأشعث، ويا يزيد بن الحارث، ألم تكتبوا إلى أنه قد أينعت الثمار، واخضر الجناب، وطمت الجمام، وإنما تقدم على جند لك مجند، فأقبل؟!. قالوا: لم نفعل، فقال: سبحان الله! بلى والله لقد فعلتم، ثم قال: أيها الناس، إذا كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمني.
وبالنظر إلى أقوال الصحابة - رضوان الله عليهم - فإن الاتهام موجه إلى أهل العراق، وذلك في المسؤولية المتعلقة بقتل الحسين - رضي الله عنه -، فهذه أم سلمة - رضي الله عنها - لما جاء نعي الحسين بن علي لعنت أهل العراق وقالت: قتلوه قتلهم الله - عز وجل - غرُّوه ودلُّوه لعنهم الله. وابن عمر - رضي الله عنهما - يقول لوفد من أهل العراق حينما سألوه عن دم البعوض في الإحرام، فقال: عجباً لكم يا أهل العراق! تقتلون ابن بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتسألون عن دم البعوض.
ويقول البغدادي في كتابه الفرق بين الفرق: روافض الكوفة موصوفون بالغدر والبخل، وقد سار المثل بهم فيها، حتى قيل: أبخل من كوفي، وأغدر من كوفي، والمشهور من غدرهم ثلاثة أمور هي:
أ - بعد مقتل علي - رضي الله عنه -، بايعوا الحسن، وغدروا به في ساباط المدائن، فطعنه سنان الجعفي.
ب - كاتبوا الحسين - رضي الله عنه -، ودعوه إلى الكوفة لينصروه على يزيد، فاغتر بهم، وخرج إليهم، فلما بلغ كربلاء غدروا به وصاروا مع عبيد الله يداً واحدة عليه. حتى قتل الحسين وأكثر عشيرته بكربلاء.
جـ - غدرهم بزيد بن علي بن الحسين، نكثوا بيعته، وأسلموه عند اشتداد القتال. إن جزءاً كبيراً من المسئولية يقع على أهل الكوفة، الذين جبنوا ونقضوا عهودهم.
2 - عبيد الله بن زياد:
استمد عبيد الله جبروته وبطشه بالمعارضين من موافقة الخليفة يزيد بن معاوية، فعندما أقدم على قتل مسلم بن عقيل النائب الأول عن الحسين بالكوفة، وداعيته هانئ بن عروة الزعيم لقبيلة مراد المشهورة، استحسن يزيد هذا الفعل، ولم يعترض عليه بل إنه لم يخف إعجابه به وبطشه وعسفه، فقد قال في ردِّه على رسالته: أما بعد، فإنك لم تعد إن كنت كما أحببت، عملت عمل الحازم، وصلت صولة الشجاع الرابط الجأش، فقد أغنيت وكفيت، وصدقت ظني بك، ورأيي فيك.
فهذا التشيع دفع ابن زياد للشر أكثر، خصوصاً وأن نفسه كانت ميالة للشر بطبيعتها، متطلعة إلى الغلو في مسيرتها، متعطشة إلى الدماء في سلطانها، وإلا فماذا كان عليه لو أنه نهر شمر وعنفه وردعه على قوله، واستمر في قبول خطة السلم التي عرضها الحسين - رضي الله عنه -؟
إن النفوس الدنية التي ارتفعت بعد انحطاط، وعزت بعد ذل، وتمكنت بعد حرمان، يعزُّ عليها أن ترى الشرفاء الأمجاد، يتمتعون باحترام الناس وتقديرهم فتحاول أن تضع من مكانتهم، وتحط من منزلتهم إشباعاً لعقدة النقص التي تطاردهم في حياتهم، ولم يكن ابن زياد إلا واحداً من أصحاب هذه النفوس الدنية، فمن ابن زياد هذا - مهما كانت منزلته - إذا قورن بالحسين بن علي - رضي الله عنهما - لهذا رفض الحسين أن يضع يده في يد ابن زياد، وقال: لا أعطيهم بيدي إعطاء العبد الذليل، وقال عمر بن سعد لما وصله كتاب ابن زياد: لا يستسلم والله الحسين، إن نفساً أبية لبين جنبيه. لقد كان عبيد الله بن زياد والياً ظالماً قبيح السريرة وهو الذي دخل عليه عائذ بن عمرو المزني، وكان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال لعبيد الله: أي بني: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن شر الرِّعاء الحُطمة» فإياك أن تكون منهم، فقال له، اجلس فإنما أنت من نخالة أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، فقال: هل كانت لهم نخالة؟ إنما كانت النخالة بعدهم، وفي غيرهم.
لقد كان يتوجب على ابن زياد أن يلبي مطالب الحسين، وأن يتركه يذهب إلى يزيد، أو أي مكان آخر، خاصة أنه لن يدخل الكوفة، وقد قال ابن الصلاح في فتاويه: والمحفوظ أن الآمر بقتاله المفضي إلى قتله إنما هو ابن زياد.
وقال يوسف العش: وينبغي لنا أن نقول: إن المسؤول عن قتل الحسين هو أولاً شمر، وثانياً عبيد الله بن زياد.
والصحيح أن المسئولية الأولى والإثم الأكبر في هذه المذبحة تقع على عاتق ابن زياد؛ لأنه مدبر هذا الأمر كله، وهو الذي رفض عروض الحسين، والتاريخ يستنكر كل ما فعله، ويذمه أشد الذم، ويدمغه بالبغي والطغيان.
ويقول الذهبي في نهاية ترجمة عبيد الله: الشيعي لا يطيب عيشه حتى يلعن هذا ودونه، ونحن نبغضهم في الله، ونبرأ منهم، ولا نلعنهم وأمرهم إلى الله.
3 - عمر بن سعد بن أبي وقاص قائد الجيش:
ومن المسئولين عن قتل الحسين - رضي الله عنه - قائد جيشه عمر بن سعد بن أبي وقاص، وبئس الخلف للسلف، أو الابن لأبيه ثم الجنود الذين نفذوا أوامره من غير رحمة، وكان لهم مندوحة أن ينأوا عن ذلك، أو ينضموا إلى جانب الحسين، كما فعل الحر بن يزيد التميمي القائد الأول الذي أرسله بن زياد، ثم رأى أن ابن زياد وصحبه اعتدوا وطغوا حين رفضوا عروض الحسين المنصفة، فتحول إلى معسكر الحسين وقاتل معه حتى قتل شهيداً.
إن عمر بن سعد لم يخرج ابتداءً لقتال الحسين، ولكنه كان خارجاً لقتال الديلم في أربعة آلاف مقاتل، فلما بلغ ابن زياد أمر حسين سيره إليه، وقال له: قاتل حسيناً فإذا انتهيت فانصرف إلى الديلم، وكان قد ولاه إمارة الرَّيِّ واستعفى عمرُ ابنَ زياد من قتال الحسين، ولكن ابن زياد هدده بخلعه عن إمارة الرَّي فتراجع عمر، وقال له: حتى أنظر، وأخذ يستشير الناس، وكلهم نصحوه بعدم الخروج إلى الحسين، وقال له ابن أخته - حمزة بن المغيرة بن شعبة -: أنشدك الله يا خال، أن تسير إلى الحسين فتأثم بربك، وتقطع رحمك، فوالله لأن تخرج من دنياك ومالك وسلطان الأرض كلها -لو كان لك-، خير لك من أن تلقى الله بدم الحسين. فقال عمر بن سعد: فإني أفعل -إن شاء الله-.
وبرغم نصح الناصحين، وترهيب المرهبين، إلا أن نفس ابن سعد كانت متعلقة بالدنيا وحب الإمارة ومشغولة بالمنصب وتقلد الإدارة.
والحق يقال: إنه اجتهد في محاولة إيجاد مخرج يبتعد منه عن قتال الحسين ومن معه، ولكنه لم يوفق في شيء.
إن النفوس المتطلعة إلى الدنيا، تنسى في سبيلها شهامة الرجال، ومروءة الكرام، بل تنسى ما هو أعظم من ذلك موقفَها بين يدي الله - عز وجل -، وأنها ستحاسب على كل عمل تعمله، بل تنسى بديهيات الأمور، حيث تنسى فناء الدنيا، وزوال المنصب، وضياع الجاه والسلطان، لقد كان عمر بن سعد في غنى عن أن يقرن اسمه بأسماء الخونة الغادرين، وأن يسجل في سجل المعتدين الآثمين، لو أنه ضحى بالمنصب، وقبل طاعة الله ورسوله، ولو أنه فعل ما فاته شيء مما كُتب له من متاع الدنيا، ولكان عند الله من الأبرار الصالحين.
4 - يزيد بن معاوية:
أما يزيد، فظاهر الأمر أنه كره قتل الحسين - رضي الله عنه - وحاول أن يمنعه من الخروج، فكتب إلى ابن عباس، يسأله أن يكف الحسين عن الخروج، وحين وضعت الرأس الشريفة بين يديه وقال: لعن الله ابن مرجانة كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين، أما والله لو أني صاحبه لعفوت عنه.
وهذا البكاء على الحسين، وسب ابن مرجانة لا يرفع اللوم عن يزيد، ولا يخليه من تبعة قتل الحسين وأصحابه، ذلك لأنه كان قادراً على أن يوجه أوامر صريحة لابن زياد بعدم قتل الحسين - رضي الله عنه -، والتصرف معه بكل حكمة وتعقل؛ حفظاً لرحمه وقرابته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومكانته في قلوب المسلمين.
إن تحمل يزيد لمسؤولية قتل الحسين - رضي الله عنه – قائمة، كيف وقد قتل في خلافته وعلى أرض تسيطر عليها جيوشه؟، وقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يحمِّل نفسه مسؤولية بغلة عثرت في العراق أو في الشام، لم يسوِّ لها الطريق، فكيف إذا كان القتلة هم جند أمير المؤمنين؟
ومهما يكن، فإن مقتل الحسين - رضي الله عنه - سيظل وصمة عار ونقطة سوداء في عهد يزيد بن معاوية بن أبي سفيان.
رابط كتاب استشهاد الحسن رضي الله عنه ومعركة كربلاء:
من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي
http://alsallabi.com/s2/_lib/file/doc/8.pdf