لو سمع أهل التقنية عن طبيب يجري ولادة قيصرية وهو يأخذ تعليماته من الإنترنت، لقالوا: إن هذا هو التقدم الحقيقي. لكن الواقع هو أن الطبيب الجراح الذي يعمل في المستشفى الميداني بحي القابون في دمشق لم يجد غير هذه الطريقة لتوليد امرأة بعد أن قُتل أو هرب معظم الأطباء من المنطقة. وما هو مستشفاه؟ إنه قبو في أحد المباني لا تفارقه مشاهد الموت حيث يخرج منه الشهداء إلى المقبرة بعد أن يعجز عن إسعافهم، فكانت ولادة الطفلة تعويضاً عن مئات الشهداء الذين قضوا في هذا المكان في ظل القصف العنيف والحصار المفروض على ريف دمشق.
لكن هذه الحالة الناجحة يقابلها حالات تذرف لها الدموع. فمن كان يتصور أن ينتشر بين السوريين التهاب الكبد الفيروسي الوبائي؟ ثم وباء التيفوئيد (الحمى التيفية)؟ والحمى المالطية؟ والقمل والجَرَب؟ ومرض اللشمانيا الجلدي؟. وما ذلك إلا لعدم توفر الأدوية التي تُستخدم عادة لمنع انتشار الأوبئة التي تهدد حياة المصابين.
وفي ظل الحصار المفروض على كثير من المناطق في سوريا لا تتوفر الأدوية المناسبة، وكذلك فإن عيش النازحين والمهجرين مكتظين في ظروف صعبة للغاية فإن خطورة الأوبئة تزداد، إذ لا يمكن عزل المرضى، كما لا يمكن منع المحيطين بهم من استخدام حاجاتهم الشخصية. ويُضاف إلى هذا تلوث المياه والأطعمة وتراكم كبير للأوساخ والقذارة وأكوام القمامة مما يهدد بكارثة صحية. وتقوم بعض المنظمات الإغاثية بجهود مشكورة لتأمين المستلزمات العلاجية للمرضى، لكن الخرق اتسع على الراقع.
وإذا كانت الأدوية غير متوفرة فمن باب أَولى عدم توفر اللقاحات الخاصة بتطعيم الأطفال، مما يهدد باحتمال ظهور العديد من الأمراض الخطيرة، مثل السل والسعال الديكي والحصبة وشلل الأطفال والتهاب السحايا.
ومع استمرار المعاناة والحصار ظهرت أمراض سببها نقص التغذية مثل مرض نقص (الوارد البروتيني الحروري) الذي نسمع عن انتشاره في دول أفريقية فقيرة، بسبب نقص الغذاء للكبار وعدم توفر حليب الأطفال الرضع حيث جفّت أثداء الأمهات من الأهوال وعدم توفر الطعام.
ولنتصور عدم توفر أدوية الضغط أو السكري أو الكوليسترول أو أمثالها للناس المصابين بهذه الأمراض، ما هي معاناتهم وما هو أملهم بالبقاء أحياء؟ ناهيك عن المرضى الذين بحاجة لتصفية الكلى كل يومين أو ثلاثة أيام.
والعجيب أنه خلافا لما تمليه المواثيق الدولية، فإن المستشفيات هدف مستباح لنيران قوات النظام، حيث هُدّمت مستشفيات كثيرة مما زاد الطين بلة.
والموضوع المثير للقلق هو أن منظمة الصحة العالمية تحذر من حالات تفشي مرض شلل الأطفال بسوريا في ظل انعدام التلقيح ضده، حيث تم تسجيل بعض حالات للمرض الذي ينتقل عن طريق الأطعمة والمياه الملوثة، وينتشر بسرعة بين الأطفال.
وتُقدر منظمة الصحة العالمية وجود 65 ألف طفل دون الخامسة عرضة للإصابة بالمرض. وقد حذّر علماء ألمان من انتقال المرض إلى أوروبا بواسطة اللاجئين السوريين وذلك بعد عقود من اختفائه.