الرابط المختصر :
على الخليح المسارعة في الإصلاح أوضاع السجناء وحقوقهم تحتاج لإصلاح وبشكل عاجل استمرار "الندم" ترسيخ للفشل والمستقبل كفيل بتصحيح الأخطاء
الانتماء للحياة مطلب شرعي والدين حثنا على الأمل والإبداعقال الدكتور سلمان العودة الأمين المساعد لاتحاد علماء المسلمين إن "الفترة الأخيرة شهدت تحولاً في مسار الأحداث وتقدماً لقوى المعارضة والجيش الحر؛ وهو ما يبشر إن شاء الله بزواله النظام وأن تحل محله في سوريا حكومة تمثل شعبها تمثيلاً حقيقياً".
مشيرا ـ في ذات الوقت ـ إلى أن زوال الرجل الأول في النظام لا يعني زوال النظام بأكمله لأننا نتحدث عن عشرات السنين من الفساد المالي والسياسي والإداري والمحسوبية والرشوة والحكم بواسطة الأجهزة الأمنية والقهر والخوف والتجسس وهو ما يصعب زواله حتى منة نفوس الناس بسهولة.
وأكد العودة في محاضرة له للمبتعثين في كندا عبر "سكايب" على ضرورة النظرة الإيجابية والتفاؤل بالأحداث ذلك أنه "حيثما كانت زاوية النظر عند الإنسان كانت النتيجة"، مضيفا "على الإنسان هنا أن ينظر إلى مجمل الصورة ليس فقط فيما يتعلق بالربيع العربي وإنما في كل شئون الحياة بحيث تميل النظرة إلى الإيجابية وقراءة الأشياء بتفاؤل وأمل"، لافتا إلى أن "التركيز على السلبيات الموجودة في الصورة سوف تضر ـ حتمًا ـ بالنتائج".
وبين د. العودة أن الأحداث الأخيرة في سوريا فضحت أشياء كثيرة، لأنها كادت أن تتحول إلى صراع طائفي ،علماً أن الطوائف التي تقاتل الشعب السوري اليوم هم أقلية تدعمها إيران بقضها وقضيضها ومالها وثروتها وجندها، مشيدا ـ في المقابل ـ بجمهور السنَّة الذي يقف مع الثورة السورية دون احتقان طائفي، بل إن الشيعة مثلاً في الخليج أو في أي بلد آخر لم يتم محاسبتهم على أخطاء ارتكبت في إيران أو أخطاء ارتكبت في العراق أو أخطاء ارتكبت في لبنان.
طوائف إسلامية
واعتبر د. العودة، أن الطوائف الإسلامية من سنة الله تعالى في الاختلاف، وغالب هذه الطوائف نشأت في القرون الأولى، كما أن وبقاءها تحت ظل حماية الدولة الإسلامية دليل على رحمة الإسلام وعلى سعته وشموله وقبوله بهذا التنوع، مشيرا إلى ضرورة مراعاة الفروق العقائدية والمعرفية العميقة، بمعنى أن ندرك أن هذه الفروق لا تعني دائماً الصدام والصراع أو كما نسميه بـ"الطائفية"، مشيرا إلى أن النبي ـصلى الله عليه وسلم ـ تعايش في المدينة مع اليهود والوثنيين والمنافقين والنصارى.
كما لفت فضيلته إلى أن هذه الطوائف ليست لونا واحدا فحينما نتكلم عن الشيعة على سبيل المثال الاثني عشرية الجعفرية الموجودين الآن في غالب بلاد العالم الإسلامي فهم مستويات مختلفة منهم المعتدل ومنهم المتشدد والمغالي إلى أبعد الحدود، مشيرا إلى ضرورة إدراك أن انتماء شخص لطائفة لا يعني محاسبته على خطأ شخص آخر من الطائفة التي ينتمي إليها.
الإصلاح في الخليج
وبين د. العودة أن الثورات تندلع "حينما ينسد الأفق ويصبح لا أمل في الإصلاح وهنا يبدأ الناس بالتفكير في مثل هذه الطريقة"، مجددا دعوته لأن تبادر دول الخليج بوسائل إيجابية لإشراك الناس في العملية السياسية لأن الوقت ليس في صالجهم وإن كان يسمح بالتفكير في الإصلاح السياسي وكل ما يتعلق بالشفافية في الشأن المالي والوضوح والتعاطي الإعلامي الرشيد مع القضايا المختلفة التي تهم المواطن.
وأشار إلى أن الناس في أي بلد لا يحبون الثورات بذاتها لأنها عادة ما تأخذهم إلى المجهول بمعنى أن الثورة تحقق جزءاً من أهدافها المتعلقة بإزالة أو زحزحة واقع معين، ولكنها لا تضمن للناس أن يتحول الواقع ما بعد الثورة إلى واقع أفضل منه".
حقوق السجناء
ودعا د. العودة إلى أهمية أن تكون هناك صناعة جديدة لطبيعة الترتيبات التي تسمح بالرقابة العامة؛ بحيث لا يكون هناك اعتداء على حقوق المواطن، حقوق الطفل، حقوق المرأة كما يقع -أحياناً- من التعنيف -مثلاً- أو الاعتداء، وكذلك حقوق السجناء التي تعاني إشكالات كبيرة جداً من بقائهم فترة طويلة في السجون دون محاكمة أو أن ويبقى بعد انقضاء الحكم فترة طويلة جداً، إضافة إلى أن هناك بعض السجناء ربما لا يعرف أهلُه مكانه، مشددا على ضرورة أن يكون هناك تصحيح لمثل هذه الأشياء وبشكل عاجل.
انتماء للوطن
وردا على سؤال حول مفهوم الانتماء للوطن أكد د. العودة على ضرورة أن نترجم هذا المعنى الانتماء ، مناشدا المبتعثين بقوله:: "البعض يرى أن بلده هو المكان الذي يحصل فيه على حريته بشكل صحيح وتحفظ فيه كرامته وإنسانيته، ولذلك أقول: وطنك أحق بخيرك وأحق ببرك"، مشيرا إلى أن هناك نحو "مائة وعشرين ألف فتى وفتاة مبتعثون في كل مكان سيرجعون ولديهم معرفة ولديهم شهادات ماجستير أو دكتوراه وفي تخصصات مختلفة وسيكونون مصابيح تضيء الظلام في هذا البلد وتنشر الخير والمعرفة والعدل والإنصاف والكلمة الصادقة".
استقبال الفنانات
وردا على سؤال حول استقبال بعض الشخصيات الفنية الغربية في مهرجانات أو احتفالات أكد د. العودة رفضه لاستقبال هذه الشخصيات التي ليس لها قيمة أو وزن في المعيار القيمي والمعيار الأخلاقي، مضيفا "ربما تجد بعض الممثلات مشاركات في أفلام أستطيع أن أقول بين قوسين أنها أفلام تُلحق بـ"الإباحية"، فأيّ معنى لأن تحضن بلاد العرب وبلاد المسلمين مثل هذه الشخصيات، خاصة وأن استقبالها له معنى رمزي للأجيال والشباب"، مشيرا إلى أن مثل هذه الأمور لا تخدم التنمية ولا الوحدة الوطنية في بلادنا.
جانب حضاري
وأوضح فضيلته ـ خلال حديثه عن أحداث العام الماضي ـ أن اللافت ليس التحول السياسي وإنما الجانب الحضاري، قائلاً: "كنت كثيراً ما أشعر بالألم حينما أشاهد أن دولا مثل فنلندا أو كوريا أو سنغافورة كانت صغيرة وبلا موارد ونجحت، بينما تجد أن العالم العربي على رغم وجود الموارد والنفط والخيرات والتجربة التاريخية الباذخة والقيم إلا أنك لا تجد مشروعاً تستطيع أن تعول عليه".
وأضاف: "الآن أصبحنا نستطيع أن نقول هناك مشروع ماليزي، وهناك مشروع تركي، وعما قريب سيكون هناك مشروع مصري بإذن الله، ويجب أن يكون هناك مشروع ليبي ومشروع تونسي ومشروع سوري ومشروع يمني ومشروع خليجي".
وأشار د. العودة إلى أن "العام الذي مضى سواء قصدنا العام الهجري أو حتى العام الميلادي تحولات غير عادية؛ بحيث لم يقع منذ فترة بعيدة في عالمنا العربي والإسلامي تغيير جذري وواعد بحجم ما وقع في العالم العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا"، معتبرا أن "ما نشاهده من آثار هذا التحول في مصر من جهة المعارضة ومن جهة الموالاة - إن صح التعبير- هو تحول "إيجابي وناضج"، شريطة ألا يفضي هذا الاختلاف إلى كسر الأذرع أو الضغط أو الاستقواء بطرف خارجي أو تجاوز الحدود وهو ما نأمل ونتوقع أن يحدث".
نظرة سلبية
وأشار د. العودة إلى خطورة النظرة السلبية للماضى ، مشيرا إلى أن الكثير من الناس ينظرون إلى الماضي بحسرة ولوم على فشل أو إخفاق أو حتى ارتكاب خطأ، وعو ما يسبب مزيدا منى الحسرة والإخفاق ، لافتا إلى حديث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : «وَإِنْ أَصَابَكَ شَىْءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ».
وقال: "الشريعة تعلمنا أمرين الأول: أن نعيش الحاضر بجمالياته مع نفسك، مع زوجك، مع حبيبك، مع طفلك، مع صديقك، مع زميلك، مع شريكك في الحياة، ومع النوم الذي تهنأ به والأكل أو الشرب أو المتعة أو السعادة ، وعش المستقبل أيضاً بقدر معتدل من التخطيط ومحاولة التدارك، لأنه لا شيء من الماضي يمكن أن يعاد ولكن يمكن أن تعيد الماضي في المستقبل بمعنى أن ما وقعت فيه من أخطاء في الماضي يمكن أن تصحهها في المستقبل".
وأضاف أنّ الذي قضى وقدَّر على العباد - مثلاً- أن يقعوا في الذنب هو الذي شرع لهم أن يبادروا إلى التوبة، والله -سبحانه وتعالى- يقول: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}، لافتا إلى أن الذنب ليس محصوراً فقط في الأمور الأخلاقية وإنما أيضاً التقصير في الواجبات العامة وفي حقوق الناس وفي حق الأمة.
انتماء للحياة
وشدد د. العودة على ضرورة الانتماء والتشبث بالحياة، مشيرا إلى أن "الكثير من الشباب والبنات عندهم حالة قلق وتذمر من الحياة ورغبة في إنهائها بأي شكل بسبب نقص التكيف مع المتغيرات"، لافتا إلى نقطتين هامتين للخروج من هذه الحالة الأولى هي "الأمل" وعدم اليأس "وأن يدرك الإنسان أن الشيء الذي لم يتحقق أمس يمكن أن يتحقق اليوم أو غداً، المهم هو ألا يستسلم لليأس ولا يتوقف عن المحاولة".
أما النقطة الثانية فهي "العمل" لأن الإنسان كلما عمل أصبحت حياته أجمل وأكثر إيجابية وسعادة. وقال: "حينما يشتري الإنسان -مثلاً- الفاكهة من السوق يأكلها ويجدها لذيذة، لكن لو أنه ذهب إلى المزرعة - مثلاً- وقام بقطف الفاكهة بيده ستكون ألذ وأجمل، وسيكون الألذ والأجمل لو كان هو الذي زرع هذه الشجرة".
انتظار الموت
وأشار فضيلته، إلى أهمية أن ننظر إلى الحياة من المنظور النبوي الذي بينه الرسول -عليه الصلاة والسلام- بقوله: « كُنْ فِى الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ»، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ، لافتا إلى أن انتظار الموت ليس كما يتوقع البعض أن يجلس الإنسان في بيته محبطا وإنما يعني التحفيزعلى العمل والإبداع والإنجاز بقدر ما نستطيع وكأن اليوم هو الفرصة الأخيرة عندنا، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: « إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لاَ يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ».