البحث

التفاصيل

خدمة الزوجة زوجها وفقهاء التريند

خدمة الزوجة زوجها وفقهاء التريند

بقلم: عصام تليمة – عضو الاتحاد

 

موضوع تثيره بين الحين والآخر فئات من الناس، بسبب وبدون سبب، الكثير منهم يبتغي بذلك مخاطبة مشاعر النساء والفيمينست منهن خاصة، ويتم تناوله بعيدا عن واقع الناس ومعيشتها، وكأن أزمة ومشكلات المرأة الزوجة قد انتهت، ولم يعد عندها سوى مشكلة من يطبخ في البيت أهي أم الرجل؟ ومن يقوم بتنظيف وتربية الأطفال وإرضاعهم أهي أم الزوج؟ وهل لو قامت بذلك تستحق أجرا ماليا أم لا؟

كل هذه أسئلة مشروعة في سياقها الطبيعي، وقد تناولها الفقهاء والعلماء، وهي موضع نقاش منذ عهد النبوة، وليست المشكلة في الموقف الفقهي والشرعي، فهو واضح وبين، وناقشته معظم كتب المذاهب الفقهية، وتناولته كل الكتب التي تتحدث عن الزواج، ليس من بابه الفقهي فقط، ولكن من بابه التشريعي، لأن الأسرة أهم كيان في المجتمع، وإذا بنيت على أساس صحيح، كان المجتمع قويا محميا من الاختراق والانهيار، وسوف أذكر الموقف الفقهي ليس من باب نقاشه، بل من باب توضيحه، ثم نناقش ما هو أهم من الموقف الفقهي، وهو سياق مثل هذه النقاشات، وتناقض من يستدلون به دون غيره من الجوانب.

الموقف الفقهي من خدمة المرأة زوجها

ناقش الفقهاء قضية قيام الزوجة بأعباء البيت من حيث الأعمال المنزلية، من طبخ، وخبز، وغسل، ورعاية للبيت وأهله، بل ولأهل الزوج نفسه، وهو ما كان يحدث إلى فترات قريبة وبخاصة في البيوت الريفية وغيرها، دون هذه الضجة من النقاش الحادث الآن، واختلفوا في المسألة، ولخصت الموسوعة الفقهية الكويتية مواقف المذاهب، سواء خدمة الزوجة زوجها أو الزوج زوجته، فقالت (19/ 44، 45):

“لا خلاف بين الفقهاء في أن الزوجة يجوز لها أن تخدم زوجها في البيت، سواء أكانت ممن تخدم نفسها أو ممن لا تخدم نفسها. إلا أنهم اختلفوا في وجوب هذه الخدمة. فذهب الجمهور (الشافعية والحنابلة وبعض المالكية) إلى أن ‌خدمة ‌الزوج لا تجب عليها لكن الأولى لها فعل ما جرت العادة به.

وذهب الحنفية إلى وجوب خدمة المرأة لزوجها ديانة لا قضاء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قسم الأعمال بين علي وفاطمة رضي الله عنهما، فجعل عمل الداخل على فاطمة، وعمل الخارج على عليّ. ولهذا فلا يجوز للزوجة -عندهم- أن تأخذ من زوجها أجرا من أجل خدمتها له.

وذهب جمهور المالكية وأبو ثور، وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو إسحاق الجوزجاني، إلى أن على المرأة خدمة زوجها في الأعمال الباطنة التي جرت العادة بقيام الزوجة بمثلها، لقصة علي وفاطمة رضي الله عنها، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى على ابنته فاطمة بخدمة البيت، وعلى عليّ بما كان خارج البيت من الأعمال.

ولحديث: لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، ولو أن رجلا أمر امرأته أن تنقل من جبل أحمر إلى جبل أسود، ومن جبل أسود إلى جبل أحمر لكان نولها أن تفعل، قال الجوزجاني: فهذه طاعته فيما لا منفعة فيه فكيف بمؤنة معاشه؟ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر نساءه بخدمته فيقول: يا عائشة أطعمينا، يا عائشة هلمي المدية، واشحذيها بحجر.

وقال الطبري: إن كل من كانت لها طاقة من النساء على خدمة بيتها في خبز، أو طحن، أو غير ذلك، أن ذلك لا يلزم الزوج، إذا كان معروفا أن مثلها يلي ذلك بنفسه.

وبالنسبة لخدمة الزوج زوجته، فقد ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى جواز خدمة الرجل الحر لزوجته، ولها أن تقبل منه ذلك”.

الفرق بين موقف الفقهاء وأتباع التريند

هكذا في صفحة واحدة على الأكثر، وفي سطور قليلة في كتب الفقه، لخص الفقه الإسلامي الموقف الذي يشعل ناره كل فترة من يفقه ومن لا يفقه، وبخاصة من نطلق عليهم فقهاء التريند، فقد كان الموضوع يطرح قبل هؤلاء، ولكن في إطار معين ومحدد، وهو التفرقة بين حالين: الحال القضائي، والحال الدياني، أي: التفريق بين الحالة القانونية للزوجين، والحالة الدينية، فالأولى تتعلق بالحكم القضائي، لو ذهب الزوج وشكا الزوجة لأنها لا تخدمه، هل يحق له ذلك أم لا؟ والموقف الدياني، مقصود به أن المرأة تفعل ذلك لرضا ربها عنها، ونيل الأجر منه سبحانه وتعالى.

ولم يكن نقاشا بالحدة التي نراها الآن، فقد كان السؤال يتم والمرأة تقوم بهذه الأعمال دون طلب لمقابل، بينما اليوم يتم السؤال ومعظم الفتيات اللائي يقمن بالسؤال يسألنه وجلهن فاشلات في إدارة بيوتهن، ليس من الجانب المطبخي فقط، بل من معظم جوانبه، بل نرى في حالات منهن التنمر، والعزوف عن الزواج، بسبب النظرة التي انتشرت لديهن عن الرجل، والتعامل مع الزواج كتجربة فاشلة، والنظر إلى الزوج على أنه رجل يتحكم في الزوجة.

وفي المقابل يقوم رجال بطرح نفس الأسئلة، وأسئلة أخرى، مثل: التعدد، وهل هو حق للرجل، وله أن يتزوج بأربع؟ وأغلب من يطرح هذا السؤال للأسف، فاشل في إقامة بيت بزوجة واحدة، وهكذا، أصبح الحديث عن أخطر مشاكل الأسرة وأهمها، يتناوله كل من هب ودب، من باب التريند، والفراغ الفكري، وليس من باب البحث عن حلول حقيقية للمشاكل، فتحويل مشاكل الأسرة إلى حقل تجارب لكل من يريد الشهرة، أو التجربة، وكأن الناس فئران تجارب لأفكاره التي لا تنطلق من تصور صحيح للواقع ولا الشرع.

الاقتباس من الفقه بما يناسب الحالة فقط

وأخطر ما في هذه القضايا أنها تتناول بعين واحدة، أو من جهة واحدة، وأحيانا متناقضة في التناول، فنفس من يرفضون أقوال الفقهاء، ويقولون هي أقوال جامدة قديمة، تراهم فجأة يتمسكون الآن بأن الفقهاء قالوا: خدمة الزوجة زوجها ليست واجبة، وهم أنفسهم لو جلبت إليهم أقوال الفقهاء في حكم تعدد الزوجات، لحكمن وحكموا عليهم بالتخلف والرجعية، وأن الفقه الإسلامي فقه ذكوري.

يتناسى هؤلاء أن الفقه الإسلامي، هو أشبه بالمواد القانونية، فهو يتحدث عن حقوق وواجبات، وهو يتعامل في هذا الجانب بالشروط والضوابط الشكلية، شأنه شأن القانون، أما روح القانون، وتكوين الأسرة، فتكمله جوانب أخرى من التشريع الإسلامي، والذهاب إلى كتب الفقه في هذه الموضوعات من الأخطاء التي يقع فيها من يفتي في الموضوع، أو من يثيره أصلا من غير المختصين بالشرع والفتوى.

فمثلا لو قبلنا بحكم الفقهاء هنا في قضية خدمة الزوجة للزوج، ولأهله كذلك، ومددنا الخط على استقامته، سنجد هذا الرأي عند من يرى أن الخدمة غير واجبة، وهو قول جمهور الفقهاء كما بينا، وسنرى أنه رأي مبني على أساس أن الزواج عقد، والعقد شريعة المتعاقدين، وأنه عقد مبني على الاستمتاع، نعم الاستمتاع، ولو سمعت هذا النساء المحتميات بعدم وجوب الخدمة عند الفقهاء، فسيصرخن بأعلى أصواتهن: لسنا سلعة، ولسنا متعة.

ثم لو أكمل هؤلاء النساء ومن يقول بقولهن من الرجال ممن يتناولون الموضوع فقهًا دون النظر إلى بقية جوانبه، فسيجدون الفقهاء يحكمون بأن الزوجة لا حق لها في الجماع، سوى مرة كل أربعة أشهر، أي: ليس لها حق الشكوى، إلا إذا هجر الزوج امرأته فوق أربعة أشهر.

كما أن نفس هؤلاء الفقهاء الذين لم يوجبوا على المرأة خدمة الرجل، لم يوجبوا على الزوج علاج الزوجة إن مرضت، لأن علاجها ليس داخلا في عقد الزواج، فإذا مرضت فلتذهب إلى بيت أهلها لتُعالَج، فإذا عولجت عادت إلى بيت الزوج، فما موقفهم من هذه القضايا كلها؟

إن الخطأ كما أوضحت هو أن معظم هؤلاء تعامل مع الموضوع من الجانب القانوني، ولم يتعامل معه من الجانب الشرعي الأخلاقي، وهو الذي عليه تبنى البيوت والأسر، وهو ما قاله عمر بن الخطاب لرجل ذهب يخبره بأنه ينوي طلاق امرأته، فسأله عمر: لماذا؟ فقال: إني لا أحبها الآن، فقال عمر: وهل على الحب وحده تبنى البيوت؟! البيوت لا تبنى بالحب وحده، ولا بالقانون وحده، فكم من زوج أو زوجة قلت بينهما نسبة الحب، الحب بمعناه العاطفي والرومانسي، أو بحسب تصورهما، لكن هناك عوامل أخرى تبنى عليها الحياة الزوجية، يخطئ من يتعامل مع قضايا الحياة الزوجية دون مراعاة كل هذه الجوانب مجتمعة مع بعضها.

أيهما أولا: الطبيخ أم الطباخ؟

ثم أخيرا: ما علاقة نقاش موضوع طبخ الزوجة لزوجها، أو خدمة الزوجة زوجها وأبناءها، بواقع الناس الآن؟ هل الموضوع الأهم طرحًا الآن: من يطبخ، ومن يرضع؟ أم سؤال المواطن هو: أين ما يطبخ، وأين ما نرضع به أبناءنا؟ فيجري الهروب من الواقع الذي يقض مضاجع الحكم والسياسة، إلى إثارة الغبار وقنابل الغاز الفكري والسياسي في ساحة أخرى، يشغل بها الناس.

إن المواطن الآن يهمه: ما يؤكل، وما يطبخ، وما يسقى لرضيعه من حليب، وليس من سيقوم بذلك، فعندما يجد هذه الاحتياجات لا يفكر وقتها في من يقوم بها، لأن وجودها وتوفرها آنذاك نعمة سيستغرق جهده في السجود والشكر لله على توفرها، رجلا كان أم امرأة، لن تختلف الزوجة ولا الزوج في الطبخ، لأنه توفر لديهم ما يطبخ.

أمثال هؤلاء الذين يطرحون مثل هذه الموضوعات لشغل المواطن، يذكرك بالمثل الريفي الذي يسخر ممن يقدم مرحلة على أخرى، والذي يقال عن صاحبه: (اشترى الحبل قبل الجاموسة)، فأيهما أولى بالتقديم؟ لا شك أن الأولى أن يجد الناس ما يشبعهم، وما يطبخونه، وهو ما يهرب منه فقهاء التريند، لأن الحديث عن ذلك سيجرهم للحديث عمن تسبب في غياب الطعام الذي يطبخ، والماء الذي يشرب، بل والحليب الذي يرضعه الأطفال.

المصدر: الجزيرة مباشر





التالي
السير إلى الأمام
السابق
"الغارديان": على الدول الإسلامية استثمار التقرير الأممي حول الإيغور ضد الصين

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع