البحث

التفاصيل

حتى لا نخطئ فهم السنّة

الرابط المختصر :

حتى لا نخطئ فهم السنّة

بقلم: د. محمد عياش الكبيسي

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

في زحمة الهجوم المشبوه على السنّة النبوية تظهر عند بعض شبابنا ردّات فعل غير متوازنة وغير مدروسة، فيقابل هذا الهجوم بغلوّ لا مسوّغ له، وليس معروفا عند سلف الأمة ولا عند علمائها المعتبرين.

– لقد رأيت وسمعت من يقدّم من الناحية العملية الرواية الآحادية وبفهمه هو أو فهم شيخه على محكمات القرآن، ويؤصّل لذلك بقوله: إن القرآن حمّال أوجه والسنّة هي التي تفصّل وتبيّن، فجعل السنّة حاكمة على القرآن وليس العكس!

رأيت كذلك وسمعت من يكذّب الواقع والحس المشاهد وكل العلوم التجريبية استنادا إلى رواية فهمها هو أو فهمها بعض علمائنا الأولين بحسب ما كان عندهم من علوم طبية أو فلكية في ذلك الزمن، بل ربما لا توجد رواية أصلا كما في مسألة أقصى مدّة الحمل فتجد الأخ المسلم يسرد لك أقوال الفقهاء واحدا واحدا ليدحض بنظره ما قطع الطب به على وجه اليقين باستحالة أن يبقى الجنين في بطن أمه سنة كاملة فضلا عن أن يبقى أربع سنوات!

ورأيت كذلك من يحتج برواية في صحيح البخاري مثلا أو في مسلم دون أن يتنبّه إلى أن البخاري نفسه لم يسند هذه الرواية إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بل أوقفها على صحابي أو تابعي، فهذا الأخ يظن أن قولنا: كل ما في البخاري صحيح يعني كل كلمة فيه وحي وواجبة العمل! والحقيقة أننا نقصد بذلك أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ما كان موقوفا وله حكم الرفع إلى رسول الله، أما إذا أورد البخاري خبرا أو قصة أو تفسيرا عن غير رسول الله فهذا ليس بحجة من حيث الأصل.

ورأيت من لا يفرّق بين الأحاديث التشريعية التعبّدية وبين الوسائل والأدوات التي كان يستخدمها رسول الله في زمانه دون قرينة واضحة بطلبها على وجه التشريع، كما في كثير من أحاديث الأكل والشرب واللباس والطب وتسيير أمور الحرب وغيرها، ولذلك ترى كثيرا من فقهائنا يقولون إن الاستياك سنّة مشروعة نعم للأمر به، لكن الاستياك بعود الأراك شيء آخر، فجوّز القدامى الاستياك بكل ما ينظّف الفم ولو بخرقة خشنة، وقد سمعت تسجيلا للشيخ ابن عثيمين رحمه الله يرغب فيه باستعمال فرشاة الأسنان ويقول إنها أعظم في تحصيل المقصود من عود الأراك (المسواك) باللغة الدارجة ويتحصل بها الأجر كذلك، بينما رأيت أحد طلاب العلم في مجلس يحذّر من فرشاة الأسنان ومن معجون الأسنان لأنها صدّ عن سنة رسول الله -بحسب زعمه-، ولا أدري بماذا يرد هذا الشاب على فتوى ابن عثيمين، بل إن العثيمين ردّ حديث (الجسّاسة) وهو حديث صحيح من حيث السند لمعارضته لأحاديث أقوى منه، ولأن أصل القصة لم تأت في الوحي (كتابا أو سنة) وإنما حكاية عن جماعة في فلسطين ركبوا البحر فرأوا ما رأوأ، فهل كان إقرار رسول الله يشمل تفاصيل الحكاية كلها؟ أو كان الإقرار على أصل خبر الدجال فقط؟

فمنهج العلماء في توجيه الأحاديث بما يتسق مع القرآن الكريم ومحكمات الشرع ومقاصده الكلية منهج معروف خاصة عند الإمام مالك وهو إمام مدرسة الحديث، حيث توقف عن العمل بأحاديث صحيحة السند كحديث صيام ست من شوّال، وحديث المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا.

لكني أرى بعض الشباب المتحمس للسنة لا يفرقون بين منهجية علمائنا الثقاة المعتبرين كمالك وأبي حنيفة في تعاملهم مع السنّة، وهي منهجية علمية رصينة مضبوطة القواعد، بغض النظر عن النتائج الاجتهادية التفصيلية، وبين الباطنيين والذين في قلوبهم مرض من أعداء القرآن وأعداء السنّة، وهذا الخلط الأعمى يخدم هؤلاء الزنادقة، كما لا يخفى.

والذي أرجوه من شبابنا أن لا يستعجلوا في الردود خاصة في هذه المسائل العلمية الدقيقة، فقد تسفّه قولا -بغير علم- ثم تكتشف أن هذا القول قال به أئمة السلف وفقهاء الأمة، سواء كان ذلك في المسائل التفصيلية أو في القواعد المنهجية.

إن المنهج الذي أنصح به الشباب أن يتتبعوا الخطوات الآتية:

(الاستشكال) وهو أمر مشروع للجميع، ثم الاستفسار من صاحب القول أو الفتوى نفسه، ثم سؤال غيره من أهل العلم إن كان الإشكال لا يزال قائما، ثم النظر فيما إذا كان هذا من باب الاجتهاد المقبول بأصله وشروطه أم كان هوى من صاحب هوى، بعد ذلك تستطيع أن تتخذ الموقف الصحيح.

 أما هذا الذي أراه من التسرع في الفتوى وتفسير الآيات والأحاديث والجرأة في الرد على علماء الأمة المعتبرين فهذه من الطامات التي ساعدت عليها برامج التواصل، فاختلط الحابل بالنابل والعالم بالجاهل والنزيه بالسفيه ولا حول ولا قوة إلا بالله.

هذه نصيحتي لإخواني وأخواتي والله يهدينا صراطه المستقيم

وصلّ اللهم على نبيك الكريم وآله وأصحابه ومن اتبع سنّته إلى يوم الدين.





البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع