البحث

التفاصيل

القاتل المستهتَر به!

القاتل المستهتَر به!

بقلم: عبد الله رفيق السوطي

 

قصص مأساوية، وحكايات مرعبة، وشكاوى مقلقة، واستفتاءات مؤرقة آخرها قبل يومين في المجموعة الثامنة المفتوحة من مجموعات الفتاوى الشرعية يسألني أحدهم عن قتل رجل لطفله الرضيع بكلمة شيطانية خرجت من فمه وزوجته ترضع طفلها: "البطارية ممتلئة، فمات الولد في لحظته"، وقبل أيام أرسل أحد الإخوة صورة لأحد الآباء مستعرضًا بأبنائه السبعة فقال أحد الحاسدين: "التغطية فل" فماتوا ثلاثة، والبقية أصابتهم الأمراض والعمى حتى اللحظة، (مرفق صور)، فأي كوارث هذه، وأي جرائم مثل تلك الكلمات الشيطانية التي تخرج من فم أحدهم لا يحسب لها، ولا يزنها، ويحضرها الشيطان، وقد تكون من حاسد حاقد شرير فتحدث الأثر في لحظته، ولهذا صح عند الإمام مسلم في صحيحه عنه ﷺ: "العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، و إذا استُغسلتم فاغسلوا"، واللفظة الأولى: "العين حق" حديث متواتر كما قال عنه غير واحد من المحدثين، بل ثبت عنه ﷺ قوله: "العين تدخل الرجل القبر، والجمل القدر"، وحسنه الألباني، وفي حديث آخر: "إن العين لتولع بالرجل بإذن الله حتى يصعد حالقًا ثم يتردى منه"وقد صححه الألباني، وهو المشاهد في عصرنا، المقطوع به في زمننا، بل لا يخلو يوم واحد قطعًا منذ سنوات إلا وسؤال يردني حول مثل هذه من أمراض، أو رقية، أو شكوى… وما أكثر تلك الأمراض القاتلة كالسرطان مثلًا الذي حدثني أحد الثقات أن طبيبًا مشهورًا في مصر أخبره أن سبب السرطان الأول غير معروف، ويرجح أنه من العين، والأمر يطول من هذه الحقائق فلهذا أسرد هنا بعض النقاط المهمة، والأحكام الضرورية في الموضوع:-

- أولًا: يجب على من أنعم الله عليه نعمة يرى أنها ليست عادية، وليست عند غيره أن لا يستعرض بها أمام الآخرين، ولا ينشرها في داء العصر وسائل التواصل، بل واجبه كتمها إلا عند من يحب، ومن يرى أنهم لن يضروه، أو من سأله عنها فهنا لا كتم ولا كذب، ولقد ثبت عنه ﷺ قوله: "استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان؛ فإن كل ذي نعمة محسود"، بل ورد أنه ﷺ أمر بإخفاء الجمال من الصبيان فقال: "دسموا نونته"، وأما قول الله: ﴿وَأَمّا بِنِعمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث﴾ [الضحى: ١١] فليس معناها الاستعراض بها، إنما عدم تجاهل شكر الله عليها، وحرمة نسيانها، أو الكذب على من سأله أنها ليست لديه وهي معه.

ويجدر بي هنا أن أسوق منشورًا قديمًا نشرته: "وردتني هذا الأسبوع قصة مأساة أسرة بكاملها بعد أن كانوا في أفضل سعادة، ونعيمًا، ومالًا، وصحة… انقلب عليهم كل شيء؛ باستعراضهم على وسائل التواصل ما أنعم الله عليهم وحرم غيرهم، فاجتنب الاستعراض الزائد بالنعم؛ فلا تدري أي عين خبيثة تصيبك، خاصة في وضعنا الذي فقد كثير منهم نعمه!..

- ثانيًا: لا يحل للمسلم أن يظلم غيره بكلمات شيطانية تخرج منه يظل بعدها الرجل مريضًا طول حياته، أو ميتًا من ساعته، ولهذا ورد في بعض الروايات: "العين حق، وصاحبها في النار"، فليحذر كل الحذر، وليلزم الدعاء بالبركة لكل أمر أعجبه حتى من نفسه وأولاده، أو يقول ما شاء الله تبارك الله، ونحوها، وليجعل هذه عادته الدائمة؛ فقد صح عنه ﷺ قوله: "إذا رأى أحدكم من أخيه، ومن نفسه، ومن ماله ما يعجبه فليبركه؛ فإن العين حق"، وفي رواية: "إذا رأى أحدكم من نفسه، أو ماله، أو من أخيه ما يعجبه فليدعُ له بالبركة؛ فإن العين حق"،  ومن كان عيانًا لكل شيء، أو كثُر ذلك منه فلابد من الحذر منه، ويجوز نفيه من تلك البلاد، وواجبه أن يتجنب الناس، والأصل أن تكفله الدولة ثم يحبس في بيته كما فعل الفاروق رضي الله عنه بالمرأة.

- ثالثًا: ليلزم المسلم ذكر الله ﷻ على كل أحيانه، ومنه أذكار الصباح والمساء، وسورة البقرة في بيته، والذكر الذي له سبب كدخول وخروج من بيت وحمام…، ومنه كثرة الاستعاذة من العين كما ثبت عنه ﷺ: "استعيذوا بالله من العين؛ فإن العين حق" وصحّحه الألباني.

- رابعًا: ليس بصواب أن يسيء المسلم الظن بالله ﷻ فيظل خائفًا من كل شيء، ومتهمًا لكل شيء، بل ووصل ببعضهم الحال إلى الخوف من الحيوانات وأنها تصيب بالعين، وهو لا شك من أبطل الباطل، وإلا كان قد كلفنا الله ﷻ ما لا نطيق لو احترزنا منها، خاصة مع نفيه ﷺ: "لا شيء في البهائم" أي من العين.

- خامسًا: من أصابته العين فإن عرف العائن أمره بالوضوء أو حتى الغسل؛ لما ثبت عنه ﷺ عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: رأى عامر بن ربيعة سهل بن حنيف يغتسل فقال: والله ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة، قال: فلبط سهل فأُتي رسول الله ﷺ فقيل له: يا رسول الله هل لك في سهل بن حنيف؟ والله ما يرفع رأسه، فقال: "هل تتهمون له أحدًا ؟ " فقالوا: نتهم عامر بن ربيعة، قال: فدعا رسول الله ﷺ عامرًا فتغلظ عليه وقال: " علامَ يقتل أحدكم أخاه؟ ألا بركت؟ اغتسل له"، فغسل له عامر: وجهه، ويديه، ومرفقيه، وركبتيه، وأطراف رجليه، وداخلة إزاره في قدح ثم صُب عليه، فراح مع الناس ليس به بأس، وفي روايته بدل اغتسل له: "إن العين حق توضأ له"، وكله جائز نافع اغتسل، أو غسل بعض أعضائه، أو توضأ، ولو لم يتمكن من هذا صح أن يأخذ أي شيء من ثيابه بعلمه أو بدون علمه ويغسّله، ثم يغتسل منه، أو أي حيلة كانت كعزومة عليه ويقدم له ماء لغسل يديه وهو هو غسل العين، وأما قص الشعر، أو من تراب بيته وغير هذا فلم يرد شيء فيه لكن إن ثبت نفعه، مع سلامة العقيدة فليس فيه اعتقادات محرمة كجن ونحوه جاز، مع أن الأصل والواجب على من طُلب منه الغسل أن يغتسل وليس له أن يمانع؛ لأمره ﷺ: "إذا استُغسلتم فاغسلوا" رواه مسلم، ومن هنا يتبين لنا أن الغسل أمر مشروع وليس كما يظن بعض الناس أنه شعوذة، بل هو نوع علاج كما هي الأدوية الأخرى.

- سادسًا: إذا لم يعلم من أصابه فلا بأس بأن يطلب ممن حوله أن يغسلوا له دون اتهام مباشر لهم، أو إكثار من هذه الطلبات بين حين وآخر حتى يصبح أشبه بالمرض والإدمان.

- سابعًا: إذا لم يستطع الوصول للعائن بحيث لم ينفع الغسل فليتجه للرقية الشرعية وليس للمستشفيات والأدوية التي تهلك ماليًا وصحيًا ونفسيًا دون فائدة تذكر حتى الأطباء الذين يخافون الله ﷻ ينصحون بعدم العودة إليهم؛ فالأمر واضح حتى من الفحوصات والكشفيات "سليم"، ولهذا فالحل الصحيح والشرعي النبوي هي الرقية الشرعية كما أمر ﷺ عائشة رضي الله عنها بها كما عند مسلم: عن عائشة -رضي الله عنها-: أن النبي ﷺ أمرني أن أسترقي من العين"، وكذلك أسماء بنت عميس -رضي الله عنها- لما سألته فقالت: يا رسول الله إن ولد جعفر - رضي الله عنه- تسرع إليهم العين أفأسترقي لهم؟ قال: "نعم؛ فإنه لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين"، رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني، وفي حديث حسنه قالﷺ: "ما لصبيكم هذا يبكي، فهلا استرقيتم له من العين".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* عبد الله رفيق السوطي؛ الأسـتـاذ الجامعي، وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين





البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع