البحث

التفاصيل

الأمن الغذائي العربي

الرابط المختصر :

الأمن الغذائي العربي

بقلم: د. أشرف دوابة

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

يعد الأمن الغذائي أحد جانبي الحياة للنفس الإنسانية، بينما يمثل الجانب الآخر الأمن النفسي. وقد أشار القرآن الكريم إلى تلك الحقيقة في قوله تعالى: "فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ" (قريش: 3-4). فمن خلال توافر الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي، تكون للدول الحرية الكاملة في سياستها، وقرارتها، وتكون للشعوب الحياة الكريمة الطيبة بعيدا عن شبح الجوع والفقر والحرمان والخوف.

ويمكن التمييز بين مستويين للأمن الغذائي: مطلق ونسبي. فالأمن الغذائي المطلق يعني إنتاج الغذاء داخل الدولة الواحدة بما يعادل أو يفوق الطلب المحلي، وهذا المستوى مرادف للاكتفاء الذاتي الكامل ويُعرف أيضا بالأمن الغذائي الذاتي. وقد واجه هذا التعريف المطلق الواسع للأمن الغذائي العديد من الانتقادات، باعتباره لا يتسم بالواقعية، فضلا عن تفويته على الدولة أو القُطر المعني إمكانية الاستفادة من التجارة الدولية القائمة على التخصص وتقسيم العمل واستغلال المزايا النسبية.

أما الأمن الغذائي النسبي فيعني قدرة دولة ما أو مجموعة من الدول على توفير السلع والمواد الغذائية كليا أ وجزئيا. ويعرّف أيضا بأنه قدرة قُطر ما أو مجموعة أقطار على توفير احتياجات مجتمعهم أو مجتمعاتهم من السلع الغذائية الأساسية كليا أو جزئيا، وضمان الحد الأدنى من تلك الاحتياجات بانتظام.

وقد عرّف إعلان تونس (الصادر في كانون الثاني/ يناير 1996م) الأمن الغذائي العربي بأنه: توفير الغذاء بالكمية والنوعية اللازمتين للغذاء والصحة بصورة مستمرة لكل أفراد الأمة العربية، اعتماداً على الإنتاج المحلي أولاً على أساس الميزة النسبية لإنتاج السلع الغذائية لكل دولة عربية، وإتاحته للمواطنين العرب بأسعار تتناسب مع دخولهم وإمكانياتهم المادية.

"الأمن الغذائي بصورة مبسطة يعني توفير الغذاء الملائم لكافة أفراد المجتمع بشكل دائم ومستمر وفي كل الأوقات، لممارسة حياة فاعلة وصحية"

وفي هذا الإطار يمكن القول إن الأمن الغذائي بصورة مبسطة يعني توفير الغذاء الملائم لكافة أفراد المجتمع بشكل دائم ومستمر وفي كل الأوقات، لممارسة حياة فاعلة وصحية.

ويعتمد تحقيق الأمن الغذائي على ثلاث دعامات رئيسة؛ الأولى: توافر الأغذية، بمعنى ضرورة إنتاج البلد لكميات كافية من الأغذية السليمة والجيدة النوعية أو استيرادها على المستويين القطري والمحلى. والثانية: فرص الحصول على الغذاء، بمعنى ضرورة أن توزع الأغذية وتتوافر محلياً وأن تكون في متناول يد جميع الناس. والثالثة: استخدامات الأغذية، بمعنى ضرورة استخدام الأغذية بأفضل طريقة ممكنة لكي يتمتع كل فرد بالصحة والتغذية الجيدة كمّا وكيفا.

وبذلك يتطلب تحقيق الأمن الغذائى القُطرى من كل بلد أن يكون قادرا على إنتاج أو استيراد الأغذية التى يحتاجها، وأن يكون قادرا على تخزينها وتوزيعها وضمان الحصول عليها بصورة منصفة. كما يتطلب تحقيق الأمن الغذائي الأسري تملك الأسرة للوسائل والأمن والأمان لإنتاج أو شراء الأغذية التي تحتاجها، وأن يكون لديها الوقت والمعارف لضمان تلبية الاحتياجات التغذوية لجميع أفراد الأسرة طوال العام.

ويكشف واقع الأمن الغذائي العربي عن وجود حالة عجز غذائي متنام، فحجم الإنتاج العربي من المواد الغذائية لا يكفي لتغطية الاستهلاك المحلي العربي، وهو وما يستدعي اللجوء إلى الاستيراد لتغطية هذا العجز، وجاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتبرز عورة الأمن الغذائي العربي.

"من لا يملك غذاءه لا يملك حرية قراره، لذا فإن التبعية الغذائية لها آثارها السلبية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فالاعتماد على استيراد الأغذية من الخارج يؤدي إلى زيادة فاتورة الواردات الغذائية للدول العربية باستمرار وينمّي العجز في موازين مدفوعاتها، ويبدد مواردها من النقد الأجنبي، فضلا عن خطورة هذا الوضع على ارتهان إرادتنا لقوى خارجية"

ووفقا لأحدث بيانات متاحة عن أوضاع الأمن الغذائي العربي فإن الاكتفاء الذاتي العربي من السلع الغذائية الرئيسة لا يتعدى 36.8 في المئة في الحبوب، و32.8 في المئة في الزيوت النباتية، و31.4 في المئة في السكر، و38.4 في المئة في البقوليات، و73.7 في المئة في اللحوم الحمراء، و65.5 في المئة في لحوم الدواجن. وقد بلغت الفجوة الغذائية العربية عام 2020م نحو35.3 مليار دولار، تتصدرها الحبوب التي تمثل 47.8 في المئة من إجمالي تلك الفجوة.

إنه مما لا شك فيه أن من لا يملك غذاءه لا يملك حرية قراره، لذا فإن التبعية الغذائية لها آثارها السلبية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فالاعتماد على استيراد الأغذية من الخارج يؤدي إلى زيادة فاتورة الواردات الغذائية للدول العربية باستمرار وينمّي العجز في موازين مدفوعاتها، ويبدد مواردها من النقد الأجنبي، فضلا عن خطورة هذا الوضع على ارتهان إرادتنا لقوى خارجية، وارتفاع أسعار المواد الغذائية بصفة مستمرة بما يتجاوز إمكانيات الأسر ذات الدخل المحدود والمنخفض، ومن ثم حدوث اضطرابات اجتماعية.

إن قضية الأمن الغذائي العربي هي قضية حياة العرب، ولا ينبغي تركها للظروف المتغيرة، ولا للعوامل الخارجية لتتحكم فيها، وإنما يجب السعي وبكل جدية إلى ضمان أمن غذائي عربي مستديم قوامه الأساسي القطاع الزراعي؛ باعتباره مدخلا حيويا في تحقيق ذلك فضلا عن كونه مصدرا مهما من مصادر الدخل وتوفير فرص العمل.

وهذا يضع على عاتق الدول العربية المبادرة للتخطيط استراتيجيا بما يحقق لها الأمن الغذائي. وقد كان نبي الله يوسف -عليه السلام- سباقا لذلك من قبل، بإعداد وتنفيذ خطة خمس عشرية تم فيها توفير المخزون الاستراتيجي من الغذاء من خلال الإنتاج وترشيد الاستهلاك، حتى خرجت مصر من أزمتها.

"قضية الأمن الغذائي العربي هي قضية حياة العرب، ولا ينبغي تركها للظروف المتغيرة، ولا للعوامل الخارجية لتتحكم فيها، وإنما يجب السعي وبكل جدية إلى ضمان أمن غذائي عربي مستديم قوامه الأساسي القطاع الزراعي"

فما أحوجنا اليوم إلى خطة نبي الله يوسف -عليه السلام- من خلال ترسيخ أسس تعاون عربي قوي في القطاع الزراعي -على الأقل- وبنظرة تكاملية بين كافة الدول العربية،لتوسيع قاعدة العمل المنتج وتحسين الإنتاجية وتوفير المخزون الاستراتيجي من الغذاء، وترشيد الاستهلاك، الأمر الذي يتطلب كمرحلة أولية تطوير عمل وإمكانات مؤسسات العمل العربي المشترك العاملة في القطاع الزراعي، وكذلك تطوير وتنسيق السياسات الزراعية من خلال دعم مستلزمات الإنتاج والاستثمار الزراعي، وبرامج مساعدة صغار المزارعين، وتحسين مستويات إنتاجيتهم، وتوفير التمويل الصغير اللازم لهم، وتفعيل السياسات التسويقية والتجارية والرقابية بما في ذلك التعاقد على استيراد الحبوب بأسعار تفضيلية، ومراقبة الأسعار، وضمان الأمن الغذائي على مستوى الأسرة عن طريق الإعانات الغذائية.

وكذلك تعزيز ثقافة الاعتماد على الذات والاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية الرئيسة، وذلك من خلال تنفيذ مشروعات زراعية عربية مشتركة لإنتاج السلع الغذائية الاستراتيجية، وإقامة مخزون استراتيجي من تلك السلع ووضع نظام لتنفيذه وإدارته، وتنفيذ برامج طويلة الأمد لتحسين إنتاجية العمل لدى صغار المزارعين، وإعداد وتنفيذ برامج تطوير استخدامات المياه وتنميتها والتوعية حول استخداماتها، وتوفير الخدمات الإرشادية، والاهتمام بالتقدم العلمي التقني والبحثي، ليكون كل ذلك سبيلا نحو إيجاد وتعزيز التكامل الاقتصادي العربي الزراعي ومن ثم التكامل الاقتصادي العربي المنشود.


: الأوسمة



التالي
أكثر من 70 مؤسسة وهيئة عُلمائية تشارك في "الملتقى الإلكتروني لعلماء الأمة في مواجهة مخطط اقتحامات الأقصى"
السابق
عدَّتي..

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع