البحث

التفاصيل

الشيخ القرضاوي -رحمه الله: رسالة إلى ابنتي عُلا

الرابط المختصر :

رسالة إلى ابنتي عُلا

 بقلم: الشيخ د. يوسف القرضاوي – رحمه الله

 

ابنتي وحبيبتي عُلا.. فلذة كبدي، ومهجة قلبي، وثمرة فؤادي، ابنتي التي لها مني كل القلب، ومن قلبي كل الحب، ومن حبي كل الصدق، ومن صدقي كل الإخلاص.

حبيبتي.. صار لك أكثر من مائة يوم في سجون الطغاة، وما أطول أيام الظلم على المظلوم! حتى لكأن اليوم بسنة. ستنقضي إن شاء الله أيام الظلم هذه، وتعودين أنت وزوجك لأهلك وبيتك، سالمة غانمة.

كنتِ تظنين أنك بعيدة عن مظنة القوم، وأنت بعيدة عنهم، وُلدتِ في غير أرضهم، وتعلمتِ في غير مدارسهم وجامعاتهم، وتوظفت في غير دواوينهم، فما لهم ولكِ؟! أنت زوجة وأم وجدة، وامرأة مسالمة، وموظفة في سفارة بلدك، التي تحملين جنسيتها، لا علاقة لهم بعملك، ثم أنت لا تشتغلين بالسياسة، يشتغل بالسياسة زوجك، من خلال حزب الوسط، المرخص والمعترف به قانوناً، ورغم ذلك اعتقلوه سنتين أو أكثر، وحُوكم فلم يوجد عليه شيء، فبرَّأوه وأفرجوا عنه، ثم أعادوه مرة أخرى؛ لأنه زوجك!

الأصل في الإنسان أنه بريء، هكذا يراه القانون، كل قانون. والأصل في كل متهم أنه بريء، ما لم تدنْه محكمة عادلة، ومن حقِّه أن يستأنف الحكم، ومن حقِّه أن يلجأ إلى النقض. والأصل في محاكم النقض، أنها مع المتهم حتى تبرّئه أو تدينه، والله وكيل عليها.

لماذا يعاملونك هذه المعاملة القاسية؟! ولماذا هذا الحبس الانفرادي في زنزانة ضيقة، لا يُعرف فيها ليل من نهار؟! بل لماذا الحبس أصلاً؟ ولماذا التشهير في الصحف والأخبار في أثناء المحاكمة؟! ولماذا المنع من الحقوق الأساسية، من زيارة ورعاية صحية ودواء؟! فلا ارتكتبتِ كبيرة ولا صغيرة، لا دينية ولا دنيوية، ولا شاركتِ في مظاهرة ولا مغامرة، وقد مرَّ عليك سنوات، وأنت تخرجين وتدخلين، وتسافرين وتعودين، ولم يقل لك أحد أي كلمة، فما الذي جرى اليوم؟! وكأنهم تذكروا فجأة أنك بنت القرضاوي!

 

وأبوك يا ابنتي، قد سار بين الناس طول عمره بالدين، وتعليم الدين، فقيهاً ومفتياً، وداعياً ومعلماً، وشاعراً وكاتباً، ما خان أمته، ولا أضاع رسالتها، ولا كذب عليها في حياته منذ عرفه الناس إلى أن جاوز التسعين.

زار القارات كلها، وزار البلاد المهمة، ولم يتخلف عن قضية للأمة، ولم يتكاسل عن واجب للمسلمين، وإذا كان هذا لم يعجبهم؛ لأنهم لا يهمهم أمر الإسلام، ولا أمته، ولا حضارتها، ولا دينها وثقافتها، فما ذنبك أنت؟! لماذا يعاقبونك أنت؟! أو لماذا يعاقبون أباك في صورتك؟!

لقد حاكموا أباك، وهم لا يرونه إلا مشاركاً في تجمعات الأزهر الكبرى، وهو رئيس للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ولعدد من المؤسسات العلمية والدعوية، وعضو وخبير بالمجامع الفقهية الكبرى.

لقد كان حين وجهوا له هذه التهم عضواً في هيئة كبار العلماء، ومجمع البحوث الإسلامية بمصر، ثم استقال منهما حين رأى أنهما لا يجتمعان من تلقاء أنفسهما لمناقشة الملمّات العظمى التي تمر بها مصر، فودعهم راجعاً إلى موطنه الاختياري.





التالي
الشيخ عبد الدايم بن الشيخ أحمد أبي المعالي يعزي في وفاة العلامة القرضاوي
السابق
ماذا قدم الأمين العام فضيلة أ. د. علي محيي الدين القره داغي للأردن الشقيق (تصريح صحفي)

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع