في ذكرى الإمام القرضاوي
كتبه: محمد عناية الله أسد سبحاني
بسم الله الرحمن الرحيم
سادتي وسيداتي! إخوتي وأخواتي! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وبعد:
فـ(كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)
نعم، يا ربنا! فارحمنا وارحم إمامنا الفقيد يوسف القرضاوي، فقد فارقنا، ونحن، بل الأمة الإسلامية كلها بأمسّ حاجة إليه.
وكذلك فارقنا الإمام المودودي قبل ما يقارب نصف قرن، وذلك في الشهر التاسع من عام 1979م بعد فترة علاج في الولايات المتحدة الأمريكية، فجاؤوا بجثمانه الغالي من أمريكا إلى لاهور- من عواصم باكستان.
وإمامنا القرضاوي، لما وصل إليه نعي الإمام المودودي سارع إلى لاهور للمشاركة في الصلاة على جنازة الإمام المودوي.
جاء القرضاوي إلى لاهور بطائرة خاصة مع كوكبة من العلماء الصالحين، وكان فيهم الأستاذ سيف الإسلام البنا، والأستاذ سعيد حوى، والأستاذ خليفة جاسم الكواري، ولا أذكر إذا كان في الوفد غيرهم.
وصلى القرضاوي على جنازة الإمام المودودي، وأمّ الجماهير، وكانوا أكثر من مليون شخص، أمّهم القرضاوي نزولا على رغبة أسرة الإمام المودودي رحمه الله، ونزولا على رغبة محبّيه.
وفي اليوم التالي عقد مجلس عزاء وتأبين وتذكير للإمام المودودي، فأشاد القرضاوي بذكر الإمام المودودي، ونوّه بأعماله الجليلة المتنوعة، وألقى في شأنه كلمة بليغة رائعة ذرفت منها العيون، واهتزّت منها القلوب، وقال فيما قال ما معناه:
لما كان الإمام حسن البنا بين أظهرنا،كنا نستمدّ منه القوة والأمل على الرغم من تلك الشدائد والمحن التي تجعل الولدان شيبا، فكنا نكابد تلك الشدائد والمحن في السجون بهمم عالية متوثبة، من غير وهن ولا ضعف ولا استكانة!
ولكن لما حدث ما حدث من حادث اغتيال الإمام البنا، وكان حدثا مشؤوما لم يكن في الحسبان! سقطنا على الأرض، وأظلمت الدنيا في عيوننا، وأحاط بنا اليأس والقنوط من كل جانب!
ثم تذكرنا أن الإمام المودودي ما زال حيا يرزق، وفيه الخير والبركة إن شاء الله، فلا داعي لليأس والانكسار والاستكانة، وسنستمدّ منه القوة والأمل كما كنا نستمدّ من إمامنا ومرشدنا حسن البنا رحمه الله!
وهكذا كان الأمر، فقد جدّد لنا المودودي الأمل في قلوبنا، ونفخ فينا روح الصمود والجهاد، وملأنا قوة ونشاطا!
واليوم حين فقدنا الإمام المودودي أصبحنا بلا مرشد ولا إمام، فنحن نشعر بحزن شديد على الإمام المودودي كمثلكم، ونسأل الله ربنا أن ينصرنا وأن يخفف عنا، ولا يحمّلنا ما لا طاقة لنا به!
وكنت يومئذ حاضرا في المجلس مع الجماعة، فرفعت صوتي وقلت: فيك الخير والبركة يا شيخنا القرضاوي! فأنت إمامنا بعد ما ذهب المودودي!
وكان الأمر كذلك، حيث سدّ مسدّه القرضاوي، وأصبح إمام العرب والعجم بعد المودودي، وكانت إمامته وقيادته موفقة ومباركة!
فكم استفدنا العلم من كتاباته، وكم استمددنا الحرارة والحماس من أبياته المليئة بالحرارة والحماس، ولاتزال تلك الأبيات تتردد في أذهاننا، وتلهب مشاعرنا:
أظننت دعوتنا تموت بضربة ** خابت ظنونك فهي شرّ ظنون
بليت سياطك، والعزائم لم تزل ** منا كحدّ الصارم المسنون
إنا لعمري إن صمتنا برهة ** فالنار في البُركان ذات كمون
تالله ما الطغيان يهزم دعوة ** يوما وفي التـــــــــــــــــــــــــاريخ برّ يميني
صبراً أخي في محنتي وعقيدتي ** لابد بعد الصبر من تمكين
وهكذا أبيات تلك الملحمة النونية كلها تلهب العواطف، وتؤجج المشاعر، وتجدد العزيمة!
واليوم بعد ما مضى القرضاوي لسبيله، عاد السؤال مرة أخرى: فمن بعدك للناس يا قرضاوي؟
فالأمة الإسلامية تمرّ اليوم بظروف حرجة قاسية، إنها في بؤس وشقاء، وتتيه في الظلام، وكنت تنوّر لها الطريق منذ زمان، وليس هناك في بادئ النظر من ينوّر لها الطريق بعدك يا قرضاوي! وسوف نذكرك، ويذكرك قومك إذا جدّ الجدّ! وَفِي اللَّيْلَة الظلماء يُفتقد الْبَدْر!
أنت كنت تسعى يا شيخنا القرضاوي! ليل نهار، وكنت تبذل أقصى جهدك حتى تلمّ شعث المسلمين، وتجمع شملهم، فمن لهم بعدك يا قرضاوي! من يلم شعث المسلمين؟ ومن يجمع شملهم؟
إن الأمة الإسلامية وقعت في فخاخ الأعداء، وليس هناك من يخلّصها من تلك الفخاخ! فالله المستعان، وإليه المفزع والمشتكى!
اللهم اجز عنا إمامنا القرضاوي كل خير، اللهم أكرم نزله ووسع مدخله، اللهم باعد بينه وبين خطاياه كما باعدت بين المشرق والمغرب!اللهم أبدله دارا خيرا من داره، وألحقه بالصالحين.