البحث

التفاصيل

فضل القرضاوي

الرابط المختصر :

فضل القرضاوي

بقلم: سامي كمال الدين

 

عَرَفتُ فضيلةَ الشَّيخ يُوسف القرضاوي مثلَ الملايين حول العالم، عالمًا فقيهًا وسطيًا، سعى إلى تيسير الفتوى، وخدم الدينَ الإسلامي في مشارق الأرض ومغاربها، والمرَّة الأولى التي حضرت له خُطبة وصلاة جمعة كانت أثناء ثورة 25 يناير 2011، لكن قبل الثورة بعدة سنوات شاءَ القدرُ أن يكون للشيخ القرضاوي فضلٌ عليَّ..

كنت مُديرًا لمكتب مجلة الدوحة بجوار عملي في مؤسَّسة الأهرام واليوم السابع، وتعرَّضت لظلم شديد، تحدثت مع الشاعر الأستاذ عبد الرحمن يوسف ليتحدثَ مع والده الدكتور يوسف لرفع هذا الظلم عنِّي، وبالفعل تحدَّث الشيخ القرضاوي مع الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري وزير الثقافة في ذلك الوقت لتوضيح الأمر له، وكان من حسن الحظ أنَّ الدكتور الكواري تتلمذ على يد الشَّيخ القرضاوي في المعهد الديني في قطر، حسبما أخبرني الوزير بعد ذلك الذي عرفته عن قرب وزرتُه كثيرًا في مكتبه وبيته.

كما لعبت المصادفة دورًا كبيرًا في أن يكون الشَّيخ القرضاوي على الهواء في أستوديو قناة الجزيرة مع الإعلامي علي الظفيري يدعو لثوار يناير بالثبات، وأكون أنا معهما على الهواء أيضًا لكن من ميدان التحرير ليلة موقعة الجمل، أروي مأساة ما يحدث معنا في الميدان، فيسأل عنِّي ويدعو الشَّيخ بالثبات لثُوَّار الميدان.

وفي عام 2013 سافرتُ إلى الدوحة وأقمت فيها، فكنت مدعوًا من قِبل الشيخ القرضاوي لكل مناسبة وفي كل عيد، مع زيارات أخرى مُتعددة، لم يغلق بابه يومًا في وجهي، وكان يصرُّ على تناولي الطعام سواء في الغداء أو العشاء، يستمع إلى الرأي المُخالف ويترك الجميع ليُدلي برأيه..

حين كنت أمزح مع الحاضرين كان رحمه الله يبتسم ويقول لي: تذكرني بعهد مضى، حين كنت في السجن كنت صاحب روح مرحة أسعد من معي في أحاديث المزاح كما في أحاديث الجد، فالحياة الجادة دون بعض الروح المرحة فيها تُسبِّب للإنسان كآبة.

كان يعتزُّ بوجودنا رغم أننا لسنا من التيار الإسلامي، بل كنَّا ناقدين لهم طوال الوقت، وكان يؤيد بعض هذا النقد، أو يدافع عن إخوانه إذا رأى في النقد انتقاصًا من حق لهم.

في بيت الشيخ كنا نلتقي مع علماء وأدباء وساسة ومُفكري الأمة من مُختلف البلاد والمذاهب، كما كان العديد من قيادات الإخوان يجلسون إليه ويستمعون إلى علمه ونصيحته، وهو الذي ترك الجماعة منذ الستينيات.

عشرات اللقاءات مع هذا العالم الجليل الذي تربت أجيال وأجيال على علمه وكتبه وخطبه، عبر عشرات الكتب في الفقه والفتوى والسنة والسياسة الشرعية والشعر والأدب، تعلمنا منه فيها الكثير.

ويبقى للشَّيخ موقفه من الحكام والسلاطين، لم يكن الشَّيخ القرضاوي من وعاظ السلاطين، بل كان من واعظي السلاطين لاتباع الحق والعدل والحرية والديمقراطية، وليس للنفاق ومُناصرة الظلم، كما كان المُفسر للإسلام الحق ليسعد المسلم بدينه وقرآنه في تعايش وتسامح واعتدال.

والمُتأمل لمسيرة الدكتور يوسف القرضاوي ابن القرية والكُتَّاب يدرك كيف استطاع هذا الفتى الريفي أن يحتل هذه المساحة العظيمة في العالم الإسلامي بجده واجتهاده وثقافته، كما بجهاده لإعلاء كلمة الله ولدفاعه عن الحق، ما عرضه للاعتقال والسجن في عهد الملك فاروق وفي عهد الرئيس جمال عبد الناصر، ومنع من دخول مصر سنوات طوالًا.

لم يكتفِ القرضاوي بتأليفِ الكتب والخُطب في المساجد بل واجه الذين يريدون هدمَ دين الله في كل مكان وكان نعم الرجل في موقفه الصلب في مواجهة كل الأدعياء على الإسلام، والذين يلصقون به ما ليس فيه.. وأيضًا المتطرفين الذين أرادوا أن يكونوا ظلَّ الله في الأرض فشوَّهوا الإسلام وكانوا بلاءً عليه.. وقف في الندوات والمؤتمرات العلمية والمُناظرات مواجهًا لكل المُنظرين على الإسلام بالكذب.

القرضاوي صاحب العلم الواسع لم يكن معصومًا من الخطأ، وكثيرًا ما تراجع عن فتاوى وجد نفسه أخطأ فيها ولم يُكابر في العلم، وهذا هو العالم الحق.

ستمرُّ سنوات طوالٌ حتى يجود العصر بمثله كما كان الشَّيخ محمد الغزالي والدكتور محمد عمارة والشيخ محمد متولي الشعراوي وغيرهم من علماء الأمة.

رحمَ الله فضيلة الشَّيخ يوسف القرضاوي وغفر له وجزاه عن الأمَّة العربية والإسلاميَّة خير الجزاء.





التالي
رفع الأذان عبر مكبرات الصوت في أكبر مساجد ألمانيا أيام الجمعة
السابق
غفلةُ الإنسانيّة عن عالم البرزخ

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع