البحث

التفاصيل

الصحابي المجاهد تميم الداري أول أمير لبيت المقدس

الرابط المختصر :

الصحابي المجاهد تميم الداري أول أمير لبيت المقدس

بقلم: الشيخ د. تيسير رجب التميمي

 

        تميم بن أوس الداري رضي الله عنه ، هذا الصحابي الجليل الذي ارتبط اسمه بأول إقطاع في الإسلام وهو الإنطاء النبوي له ولعقبه من بعده ، وارتبط اسمه بحديث الجساسة والمسيح الدجال، وبحديث: {الدين النصيحة}، وكان تميم أول من أسلم من أهل فلسطين ، وكان له دور عظيم في نشر الإسلام فيها،،

وأما قصة إسلامه وتحوله من النصرانية فقد ابتدأت في العهد المكي ؛ حيث علم تميم من أحد الرهبان بمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أورد ابن عساكر قول أبي هند الداري أخو تميم { قدمنا على رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم بمكة ونحن ستة نفر : تميم بن أوس ونعيم بن أوس أخوه ، ويزيد بن قيس ، وأبو هند بن عبد الله وأخوه الطيب بن عبد الله ، فسماه رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن ، وفاكِه بن النعمان فأسلمنا.. ثم قال: انصرفوا حتى تسمعوا بي قد هاجرت ، قال أبوهند فانصرفنا ، فلما هاجر رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قدمنا عليه ... }.

     وفي رواية تميم رضي الله عنه أنه {لما قدم المدينة طلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيه أرضاً من الشام إذا أعطاه الله الأرض ، فطلب الرسول صلى الله عليه وسلم منه أن يأتيه بمن يستطيع من قومه} وبالأخص أن قومه مع هرقل هم وباقي اللخميين وجذام والغساسنة ، وكانوا يجتمعون في البلقاء على مسافة ليست ببعيدة من تبوك.

     ويبدو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يريد تخذيل من في الثغور الجنوبية من جيش هرقل وتأليب الداريين عليه حيث إنهم كانوا في جيشه ، وهذا ما كان ، فقد انتهت غزوة العسرة هذه بغير قتال أو صدام لأن الجيش الروماني تشتَّت وتبدَّد في البلاد خوفاً من مواجهة الجيش المسلمين ، فتخلّى عنهم حلفاؤهم العرب ، لذلك حققت هذه الغزوة الغرض المرجو منها بالرغم من عدم الاشتباك الحربي مع الروم الذين آثروا الفرار من مواقعهم ، هذا على الرغم من كثرته إذ بلغ عدده أربعين ألفاً ، فلما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك لم يجد أحداً فقال؛ {نصرتُ بالرعب مسيرة شهر} رواه البخاري ، ومكث فيها بضع عشرة ليلة ولكن لم يأت أحد من جيش المشركين.

     وفعلاً جاء الداريون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه من غزوة تبوك من طريق البحر ، وقصوا عليه خبر الدجال والجساسة اللَّذَيْن صادفوهما أثناء سفرهم ، فعن الصحابية فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت؛ {سمعتُ نداء المنادي أيْ منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي : الصلاة جامعةً ، فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت في صف النساء التي تلى ظهور القوم ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته جلس على المنبر وهو يضحك ، فقال ليلزم كل إنسان مصلاه. ثم قال: أتدرون لم جمعتكم قالوا الله ورسوله أَعلم قال إني واللَّه ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ولكن جمعتكم لأن تميما الداري كان رجلا نصرانيا فجاء فبايع وأسلم وحدني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال ـ ثم ساقت حديث الدجال. قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وطعن بمخصرته في المنبرـ هذه طيبة هذه طيبة هذه طيبة. ألا هل كنت حدثتكم ذلك؟ فقال الناس نعم. فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذى كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة، ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن ، لا بل من قبل المشرق ما هو ، من قبل المشرق ما هو ، من قبل المشرق ما هو ، وأومأ بيده إلى المشرق . قالت فحفظتُ هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم} رواه مسلم.

     أصبح تميم من مشاهير الصحابة وكبارهم، وبلغ هذه المكانة الرفيعة لمناقبه العديدة والتي كان من أبرزها ما يلي:

* فهو من المجاهدين ، لازم تميم الداري رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاهد معه ومع الخلفاء من بعده ، وشارك في فتح مصر وكان ممن نزلوا بها من الصحابة ، قال عنه موسى بن نصير رحمه الله [ كان تميم الداري في البحر غازياً ، فكان يرسل إليَّ لأرسل إليه بالأسارى من الروم فيتصدق عليهم ويأمر بهم فيغسلوا ويدهنوا ويمشطوا ].

     ومن صور جهاد تميم رضي الله عنه أن رَوْحَاً بنَ زنباع قال: {دخلتُ على تميم الداري وهو أمير على بيت المقدس وهو ينقّي لفرسه شعيراً فقلت: أيها الأمير أما كان لك من يكفيك هذا؟ فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من نقى لفرسه شعيراً في سبيل الله ثم قام به حتى يعلّقه عليه كتب الله عز وجل له بكل شعيرة حسنة} رواه ابن ماجه ، وفي رواية أخرى لتميم {من ارتبط فرساً في سبيل اللَّه ثم عالج عَلَفَهُ بيده كان له بكل حبة حسنة} رواه ابن ماجه.

* وهو أول من أسرج المساجد: قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه { أول من أسرج في المساجد تميم الداري} رواه ابن ماجه ، وتفصيل الرواية ذكرها ابن عبد البر مؤلف كتاب الاستيعاب في ترجمة حياة سراج مولى تميم فقال { قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم ونحن خمسة غلمان لتميم الداري ، فأمـرني فأسرجتُ المسجد بقنديل فيه زيت ، وكانوا لا يسرجون إلا بسعف النخل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أوقد مسجدنا ؟ فقال تميم غلامي هذا ، فقال ما اسمه ؟ فقال فتح ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل اسمه سراج ، فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم سراجاً } .

* وهو أول من أشار ببناء المنبر ، قال ابن عمر رضي الله عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بدن قال له تميم الداري : ألا أتخذ لك منبراً يا رسول اللَّه يجمع أو يحمل عظامك ؟ قال بلى ، فاتخذ له منبراً مرقاتين } رواه أحمد ، ومعنى بدن أي ثقل جسمه ، والمرقاة هي الدرجة .

* وهو أول قاصٍّ في الإسلام ، فقد أورد الذهبي في كتاب تاريخ الإسلام { استأذن تميم عمرَ في القصص سنين ويأبى عليه ، فلما أكثر عليه قال ما تقول ؟ قال أقرأ عليهم القرآن وآمرهم بالخير وأنهاهم عن الشر ، قال عمر ... عِظْ قبل أن أخرجَ للجمعة ، فكان يفعل ذلك ، فلما كان عثمان استزاده فزاده يوماً آخر }

* وهو أول أمير على بيت المقدس التي فتحت في السنة الخامسة عشرة من الهجرة في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وامتدت إمارته منذ عام 35 حتى عام 40 من الهجرة النبوية .

     ولعل إرجاع الحق إلى صاحبه من أبرز مناقب تميم رضي الله عنه ، فقد فعل ذلك بعدما أسلم ، ففيه وفي عدي بن بدّاء نزل قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ الآثِمِينَ } المائدة 106 ، قال تميم الداري { برئ منها الناس غيري وغير عدي بن بداء ، وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام قبل الإسلام فأتيا الشام لتجارتهما ، وقدم عليهما مولى لبني هاشم يقال له بديل بن أبي مريم بتجارة ومعه جام من فضة يريد به الملك وهو عظم تجارته ، فمرض فأوصى إليهما وأمرهما أن يبلّغا ما ترك أهله ، قال تميم فلما مات أخذنا ذلك الجام فبعناه بألف درهم ثم اقتسمناه أنا وعدي بن بداء ، فلما قدمنا إلى أهله دفعنا إليهم ما كان معنا ، وفقدوا الْجام فسألونا عنه فقلنا ما ترك غير هذا وما دفع إلينا غيره ، قال تميم فلما أسلمتُ بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة تأثمت من ذلك فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر وأديتُ إليهم خمس مائة درهم وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها ، فأتَوْا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم البينة فلم يجدوا ، فأمرهم أن يستحلفوه بما يقطع به على أهل دينه فحلف ، فأنزل الله يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت إلى قوله أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم ، فقام عمرو بن العاص ورجل آخر فحلفا ، فنزعت الخمس مائة درهم من عدي بن بداء } رواه الترمذي ، والجام هو إناء للأكل أو الشرب وقد يكون من الفضة أو الذهب أو غيرهما ،

     كان تميم عابداً لله كثير التهجد والقيام ، ورد عنه أنه كان يقرأ القرآن الكريم كله في ركعة واحدة ، وورد أن أبيّاً بن كعب رضي الله عنه كان يختم القرآن الكريم في ثماني ليال أما تميم فكان يختمه في سبع ، وكان تميم من الخمسة الذين جمعوا القرآن الكريم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتميم يحفظ القرآن الكريم كله .

     وفي مكانته قال قتادة التابعي رحمه الله فِي قوله تعالى { وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ } سَلمان وابن سلّام وتميم الدّاريّ ، والآية 43 من سورة الرعد .

     عاش تميم في فلسطين مع عدد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم شداد بن أوس وأبو هريرة وعبد الله بن سلام رضي الله عنهم جميعاً ، فقد انتقل إليها من المدينة المنورة عقب مقتل أمير المؤمنين سيدنا عثمان رضي الله عنه ، فهي موطنه ومنبته وفيها جذوره ، وربما الْتزم توصية رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابي ذي الأصابع الخزاعي رضي الله عنه الذي قال { قلتُ يا رسول اللَّه إن ابتلينا بعدك بالبقاء أين تأمرنا ؟ قال عليك ببيت المقدس ، فلعله أن ينشأ لك ذرية يغدون إلى ذلك المسجد ويروحون } رواه أحمد ، فكان تميم يتجوّل فيها ويتنقل بين مدنها وقراها إلى أن توفي رضي الله عنه في قرية بيت جبرين من أعمال الخليل ، وفيها قبره الذي سجل عليه اسمه وتاريخ وفاته وهي سنة 40 من الهجرة ، ولكن بعد الاحتلال الإسرائيلي الغاشم للقرية عام 1967 ثم تحطيم بلاطة القبر ومحو جميع آثاره وآثار كل بناء إسلامي وعربي فيها.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* الشيخ الدكتور تيسير رجب التميمي؛ عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، قاضي قضاة فلسطين، رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي سابقاً، أمين سر الهيئة الإسلامية العليا بالقدس





التالي
بحثا مستجدات القضية الفلسطينية.. هنية وذبيح الله يلتقيان في إسطنبول التركية

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع