(الأوقات المنهي عن الصلاة فيها)
اقتباسات من كتاب " فقه الصلاة" للدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله)
الحلقة: الثالثة عشر
صحَّت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن الصلاة في أوقاتٍ خمسة، جمعها حديث عمرو بن عبسة: قلتُ: يا نبي الله، أخبرني عمَّا علَّمك الله وأجهلُه، أخبرني عن الصلاة، قال: "صلِّ صلاة الصبح، ثم أقصِرْ عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار، ثم صلِّ، فإن الصلاة مشهودة محضورة، حتى يستقلَّ الظلُّ بالرمح، ثم أقصِرْ عن الصلاة، فإن حينئذ تُسجَر جهنم، فإذا أقبل الفيءُ فصلِّ، فإن الصلاة مشهودة محضورة، حتى تصلِّيَ العصر، ثم أقصِرْ عن الصلاة، حتى تغربَ الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار".
وهذه الأوقات الخمسة هي:
- بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس.
2- من طلوعها حتى ترتفع قدرَ رُمحٍ في رأي العين.
3- عند استوائها حتى تزول.
4- من بعد صلاة العصر حتى تغرب.
5- وعند الغروب حتى يكتمل غروبها.
والحكمة من النهي عن الصلاة في هذه الأوقات– كما نفهمها من الحديث- أنَّ للشيطان وحزبه واتباعه قوة وغلبة وانتشارًا فيها، وتسلُّطًا ظاهرًا، وتمكُّنًا من أن يلَبِّسوا على المصلِّين صلاتهم، فكُرهت الصلاة حينئذ صيانة لها، كما كرهت في الأماكن التي هي مأوى الشيطان. مثل: الحمامات ومبارك الإبل أو أعطانها.
وأيضًا للبعد عن مشابهة المشركين الذين يسجدون للشمس عند طلوعها وعند غروبها، ومخالفةُ غير المسلمين في عقائدهم وعبادتهم مقصد من مقاصد الدين، لتبقى للأمة الإسلامية شخصيتها المستقلَّة التي تتميَّز بها عن غيرها من الأمم.
أقوال الفقهاء في الصلاة في هذه الأوقات:
ذهب الحنفية إلى أنَّ الصلاة لا تصح في هذه الأوقات، لا فرضًا ولا قضاء ولا نفلًا، إلا صلاة عصر اليوم، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: "من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها".
وذهب المالكية إلى أنَّ النافلة لا تصح مطلقًا بعد صلاة الصبح حتى ترتفع الشمس قِيدَ رمح، وبعد صلاة العصر حتى تغرُب الشمس، أمَّا النافلة عند استواء الشمس وعند زوالها، فغير مكروهة عندهم؛ وذلك لما جرى به عمل أهل المدينة؛ فهو عندهم حجة.
قال الإمام مالك: «ما أدركتُ أهل الفضل والعُبَّاد إلا وهم يُهَجِّرون ويصلُّون في نصف النهار في تلك الساعة، ما يتَّقون شيئًا في تلك الساعة».
أما قضاء الفوائت المفروضة، فيجوز عندهم من غير كراهة، وذلك في كل وقت من ليل أو نهار، وعند طلوع الشمس وعند غروبها، وكيفما تيسَّر ذلك للمصلِّي.
وذهب الشافعية إلى كراهة ما ليس له سبب من الصلاة في هذه الأوقات، أما ما له سبب، فلا يكره، سواء أكانت فريضة أم نافلة، كقضاء الفوائت، والصلاة المنذورة، وسجود التلاوة، وصلاة الكسوف، وصلاة الجنازة، وتحية المسجد... وغيرها مما له سبب، وأجازوا كذلك الصلاة وقت الزوال يوم الجمعة.
واستدلُّوا على جواز الصلاة المسبَّبة في هذه الأوقات، بحديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى ركعتي الظهر بعد العصر، وبإقراره صلى الله عليه وسلم من صلَّى نافلة الصبح بعد أداء الفريضة قضاء. وبعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أحدكم المسجد، فلا يجلس حتى يصلي ركعتين".
وأجاز الحنابلة في هذه الأوقات قضاء الفرائض الفائتة بالنوم أو النسيان، لعموم حديث أنس: "من نام عن صلاة أو نسيها، فليصليها إذا ذكرها". وكذلك الصلاة المنذورة، وركعتي الطواف، لحديث جبير بن مطعم: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا بني عبد مناف، لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت، وصلَّى أية ساعة شاء، من ليل أو نهار".
وتجوز صلاة الجنازة بعد الصبح والعصر، ولا تجوز في الأوقات الثلاثة: (الشروق والاستواء والغروب)، إلَّا ان يُخاف عليها، فتجوز مطلقًا للضرورة، ودليل المنع حديث عقبة بن عامر السابق: ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبُر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيَّف الشمس للغروب حتى تغرب. ومعنى تضيَّف: تميل.
ومنعوا التطوع المطلق، وإن كان له سبب، كصلاة الكسوف، وسجود التلاوة، وقضاء سنة راتبة، وتحية المسجد، إلا حَالَ الخطبة في يوم الجمعة.
وقد أجاز ابن حزم صلاة الركعتين بعد العصر بدون كراهة لحديث عائشة رضي الله قالت: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد العصر عندي قط. وقد رد عليه الجمهور بأنَّ بداية الفعل كان قضاءً، فعن أبي سلمة، أنه سأل عائشة عن السجدتين اللتين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما بعد العصر، فقالت: كان يصليهما قبل العصر، ثم إنه شُغل عنهما أو نسيهما، فصلاهما بعد العصر، ثم أثبتهما، وكان إذا صلى صلاة أثبتها. قال يحيى بن أيوب: قال إسماعيل: تعني داوم عليها. وقالوا المداومة على ذلك مختصَّة به صلى الله عليه وسلم.
هذه الحلقة مقتبسة من كتاب فقه الصلاة للدكتور يوسف عبد الله القرضاوي (رحمه الله) صص 38-3