البحث

التفاصيل

من أحكام الأسرة المبنية على العرف

الرابط المختصر :

من أحكام الأسرة المبنية على العرف

بقلم: د فتحي أبو الورد

 

كثير من أحكام الأسرة يخضع للعرف بلا إسراف ولا تقتير، أو الوقوع في محرم، كالنفقة والمهر والملبس والمسكن والخادمة للزوجة، وتحديد مكان العرس وحفل الزفاف؛ بل والتنزه والترفيه، ونوعية ومكان تعليم الأبناء والتداوي، وما إلى ذلك. ومرد هذا إلى مكانة الزوج الاجتماعية وحالته المادية يسارا أو إعسارا، وكذا حالة الزوجة وأهلها ومكانتهم الاجتماعية، ولذلك كثيرا ما يتردد على ألسنة الفقهاء قولهم: لها نفقة المثل، ولها مهر المثل، ولها مهر مثل نساء عائلتها. والعرف يتغير من بيئة لأخرى، ومن زمان لآخر، ومن بلد لآخر، وهو مقبول ومعمول به ما لم يصطدم بنص شرعي، أو قاعدة شرعية، ولذلك يصبح العرف قانونا معمولا به لا يحتاج إلى نص؛ لأنه من مصادر التشريع لدى القاضي إذا لم يجد نصا تشريعيا صريحا في الحالة التي أمامه، ولذلك قرر الفقهاء في ذلك قاعدة تقول: المعروف عرفا كالمشروط شرطا.

 وتبقى مساحة غير كبيرة منصوصا عليها في باب الأسرة تمثل قطعيات للشريعة مثل: وجوب المهر والنفقة على الرجل على قدر وسعه، وأصناف المحرمات من النساء، وكثير من قضايا الميراث، وعدد الطلقات المشروعة والتي يحرم تجاوزها متى ثبت وقوعها، وأقصى عدد من الزوحات للجمع بينهن في وقت واحد والذي يحرم الزيادة عليه، والحضانة للأم مالم تتزوج، وحرمة عضل النساء ومنعهن من الزواج، وتحريم الإضرار بالزوجة عمدا، وإعطائها حرية الاختيار في حالة وقوع الضرر غير المتعمد.

وفي ضوء ذلك لا يصح أن نردد أحكاما بالجواز أو المنع بإطلاق، وهي في الأصل مبنية على العرف الذي يتغير، أو على واقع غير الواقع الذي صدرت لأجله، أو على زمن غير الزمن الذي صدرت فيه. 

ومن ثم فإن إصدار الأحكام المبنية على العرف بإطلاق، واستدعاء أحكام لا تناسب الواقع أو المكان أو الزمان، وانتقاء أحكام من هذا القبيل تصطدم بواقع ليست له، وترديد أحكام ناسبت بيئة لم تعد موجودة، أقول: استدعاء هذا يعد أمرا تحيطه الريب، ولا يمكن قبوله على أنه أمر أريد به وجه الله، أو  قصد به الدفاع عن حقوق المرأة، أو صيانة حقوق الزوجة، أو أنه أمر أطلق عفو الخاطر، أو تردد من قبيل توارد الأفكار؛ بل بمقدور كل صاحب عقل، وكل ذي عينين أن يتشكك في دوافع إثارة مثل هذه الأحكام، في نفس واحد، وفي توقيت واحد، ومن أصحاب وصاحبات مشارب واحدة.

من حق المرأة وأهلها أن يتفقوا ويشترطوا شروطا مقبولة شرعا لابنتهم قبل عقد الزواج ما دامت أعرافهم تقضي بذلك، وما دام الزوج قد رضي ووافق، وأعتقد أن اشتراط أهل الزوحة شروطا غير مقبولة في أوساطهم عرفا زمانا أو مكانا، أو ليس لها رصيد من المنطق أو العقل عند أسر بسيطة ومجتمعات بسيطة من نحو: خادمة لزوجة لا تعرف الخادمات في بيت أهلها، أو اشتراط عدم الإرضاع للطفل في بيئة تغيرت عن البيئة التي نزل فيها التشريع بالإرضاع، أو ما شابه، سيؤدي ذلك حتما إلى رفض كثير من الشباب لإتمام عقد الزواج، وعدم قبول الشروط، وسيكون لذلك أثر بالغ على زيادة حالات العنوسة.

وأعتقد كذلك أن كثيرا مما يثار اليوم في هذا الباب لم يرد به الإصلاح، أو الدفاع عن المرأة، أو حفظ حقوق الزوجة؛ بل أريد به تفكيك الأسرة وإضعافها، أو قل هدمها.





التالي
كندا.. مسلمات يطلقن حملة لبناء قرية للنازحين شمالي سورية

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع