أدخلوا آل لوط إلى قريتكم!
بقلم: د. محمد الصغير
رحل من جنوب مصر وتجاويف الصعيد إلى كلية دار العلوم في جامعة القاهرة، ومع ولعه بالشعر والأدب، ونبوغه في علوم البلاغة والنقد، إلا أنه كان مهتمًا بإصلاح المجتمع، وأدرك مبكرًا أن التعليم هو مفتاح الإصلاح، وبدأ في السعي لإصلاح المنظومة التعليمية، وهنا بدأ الصدام مع المؤسسة الحكومية، التي ترى الإصلاح هجرًا، والتطوير فجرًا، والتغيير خروجًا وكفرًا، ومع إصراره على فكرته، ودأبه في تنفيذ خطته، قررت الحكومة نفيه إلى أمريكا تحت مسمى الابتعاث، والاطلاع على منظومة التعليم هناك، وبالفعل بقي الأستاذ سيد قطب في أمريكا مدة عامين من 3 نوفمبر 1948م، إلى 20 أغسطس 1950، وسجل ملاحظاته في كتاب أسماه أمريكا التي رأيت، أو أمريكا من الداخل، دوَّن فيه خلاصة تجربته، وبيّن أن أمريكا رسالتها تكمن في الحرب على الأخلاق، وأن الغرب بصفة عامة سيسعى إلى فرض ذلك بما له من هيمنة وسطوة.
وبما أن النبي الخاتم -صلى الله عليه وسلم- قال: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، فإن النصيب الأكبر من هذه الحرب سيوجه له ولدينه، وقد حدث ما حذّر به الأستاذ سيد، حذوك النعل بالنعل.
وما حذّر منه المسيري
وفي حقبة التسعينيات بيَّن الدكتور عبد الوهاب المسيري -رحمه الله-: أن المرحلة القادمة هي مرحلة الشذوذ الجنسي، وأن الغرب سيسعى إلى فرض ذلك، وأن الدفاع الشرس عن المثلية الجنسية والدعوة إلى تطبيعها، ليس دعوة إلى التسامح أو تفهم وضع المثليين، بل هو في أصله هجوم على المعيارية البشرية، وعلى الطبيعة البشرية كمرجعية نهائية ومعيار ثابت يمكن الوقوف على أرضه لإصدار أحكام وتحديد ما هو إنساني، وهي محاولة أخرى لإلغاء ثنائية إنسانية أساسية، هي ثنائية الذكر/الأنثى.
وها نحن نرى ما حذّر منه الأستاذ المسيري واقعًا ملموسًا، وبقيت لهم المرحلة الأخيرة التي يعدونها الجائزة، وهي مرحلة الشذوذ الجنسي مع الأطفال، ومن يتابع الأخبار العالمية يرى سوادًا حالكًا وظلامًا دامسًا تحمله الأخبار المسربة من الكنائس والأديرة، حيث ذكر الكاتب الفرنسي فردريك مارتيل في حوار أجراه مع صحيفة “لونوفال أوبسرفاتور” الفرنسية أن الشذوذ الجنسي لكبار قساوسة الفاتيكان المسيحيين يعد “من بين أكثر الأسرار التي تكتم الفاتيكان عليها في آخر 50 سنة”، ونوّه الكاتب الفرنسي إلى أنه وضع كتابًا في ذلك بعنوان “سودوما” استوحى اسمه من قرى “سدوم” التي كان فيها قوم لوط ونزل عليهم العذاب بها {وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ}، ومكان القرى المؤتفكة الآن في مملكة الأردن، ثم فجّر مفاجأة عن الشذوذ الجنسي عند الرهبان والقساوسة فقال: “الفاتيكان واحدة من أكبر مجتمعات الشاذين جنسيًّا في العالم”.
جولة تغيير المصطلح:
ونؤكد هنا أن أول ملامح الهزيمة في هذه المعارك الشرسة، هي جولة تغيير المصطلح، والانتقال من الحديث عن الشذوذ الجنسي والانتكاس الفطري إلى حقوق المثلية، كما أصبح الربا فوائد بنكية، والزنا علاقات عاطفية، وعند التحذير من هذه المنزلقات، يرى بعضهم أنها من القشور وسفاسف الأمور، والحقيقة أنه لولا القشر ما سلم اللباب، وهي المرحلة الأخطر التي تسبق الوقوع في المصيدة وبداية تتبع خطوات الشيطان، التي تبدأ بخطوة قبول المصطلح والتعامل به، وبدأ مشوار التدرج من الحديث عن مرضى يجب علاجهم، والسعي لقبولهم في المجتمع، إلى فرض الشذوذ كثقافة عامة وحق أصيل، وأصبح الشعار “أدخلوا آل لوط إلى قريتكم”، لتعميم الخبائث ومزاحمة الطيبات على أرضها وبين أهلها، بعد أن كان أمل الشذاذ الأوائل أن يخلو لهم مجتمع الرذيلة من أنفاس الأسوياء الأطهار {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}.
الأمم الهالكة
وتعاملت شريعة الله مع هذا الخروج عن حدود الفطرة بأشد درجات العقوبة، لأنها خطيئة خطرة تهدم القيم وتفكك الأسر وتقوض المجتمع، ولم نجد في قصص القرآن الكريم عن الأمم المهلكة اجتماع أكثر من لون من أنواع العذاب، إلا في إهلاك قوم لوط {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ. مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ۖ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}.
وما هذه الحجارة وأمثالها من صنوف العذاب من الظالمين ببعيد، فإذا شاع الفجور والشذوذ كان عذاب الاستئصال، لذا ينبغي أن تتضافر الجهود في مجابهة هذا السيل من الترويج للفاحشة، وحشره عمدًا في كل قضية، حتى جعلوا ملاعب الرياضة مسارح لعرض شارات الخنا والإعلان عن الرذيلة، ولما صرحت دولة قطر أنها في مدة استضافة مباريات كأس العالم 2022 أنها لن تتخلى عن ثوابتها، وعلى القادمين إليها مراعاة ثقافتها وتقاليدها، ومنعت الجهات المنظمة الفرق المتبارية من رفع شعارات الشذوذ، اعتبر المنتخب الألماني هذا تضييقًا عليهم ومنعًا لحرية التعبير، وهم الذين أخرجوا اللاعب التركي الأصل مسعود أوزيل من قريتهم، لأنه كتب متعاطفًا مع مأساة شعب الروهينجا، ولست مع من يقول بازدواجية الغرب، لأن القوم لا يعرفون إلا لونهم وثقافتهم ولا يرون إلا أنفسهم، وليس في وسع من سواهم إلا أن يتبعهم، فهم القطب الأوحد والعالم الأول، وظهرت ملامح الحقد وأمارات الحسد، التي كانت تخفيها مساحيق الحضارة الخادعة، وأنهم لا يسمحون بالتقدم والتصدر لغيرهم، ولو في ميدان اللعب، فقد بدت البغضاء من أفعالهم وأقوالهم، وما تخفيه مخططاتهم أكبر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. محمد الصغير: عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. ووكيل اللجنة الدينية بالبرلمان المصري ومستشار وزير الأوقاف السابق. حاصل على الدكتوراه في الأديان والمذاهب من كلية الدعوة جامعة الأزهر