البحث

التفاصيل

المخططات الغربية المستمرة لهدم الأسرة المسلمة

المخططات الغربية المستمرة لهدم الأسرة المسلمة

بقلم: د. كاميليا حلمي طولون

 

لا يعد استهداف الأسرة بالتفكيك والهدم قضية اجتماعية فحسب، بل يتعدى ذلك ليكون قضية سياسية بامتياز، وترتبط جذوره ارتباطًا وثيقاً بالحقبة الاستعمارية التي اجتاحت ما يسمى مجازًا بالعالم الثالث.

فبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى (1914م – 1918م)، والتي تم فيها تفتيت الدولة الإسلامية الموحدة إلى دويلات صغيرة، وفقًا لاتفاقية سايكس-بيكو (1916م)، حرصت الدول المنتصرة في تلك الحرب على تكريس احتلالها لتلك الدويلات، وأن يكون احتلالاً سلميًا، بمعنى أن تستسلم الشعوب المحتلة لواقعها ولا تقاوم المحتل. ومن أجل هذا تأسست المنظمة الدولية (عصبة الأمم) عام 1919م، بموجب (معاهدة فرساي)، وهدفها (المعلن): "تعزيز التعاون الدولي، وتحقيق السلام والأمن".[1]

ومن ثم قامت (عصبة الأمم) بتكريس الاحتلال من خلال نظام الانتداب الذي ابتدعته وأشرفت عليه، ولكنها دخلت مرحلة الانهيار في الوقت الذي اتجه فيه العالم سريعًا نحو حرب عالمية ثانية، إلى أن تم تصفيتها نهائيًا عام 1946، بعد قيام الأمم المتحدة التي ورثتها قانونًا وحلت محلها.[2] وفي هذا الشأن يقول د.حسن نافعة: "لأن الأمم المتحدة ليست إلا تعبيرًا عن رؤية ومصالح التحالف المنتصر في الحرب العالمية الثانية، مثلما كانت عصبة الأمم تعبيرًا عن رؤية ومصالح التحالف المنتصر في الحرب العالمية الأولى"[3].

وتم في يونيو 1945م تم التوقيع على (ميثاق الأمم المتحدة)، ورفعت شعار (تعزيز السلام وحقوق الإنسان).[4] ولم يكن هذا الشعار إلا مظلة لمجموعة من المعاهدات والمواثيق الدولية، وضعتها لجان الأمم المتحدة، مثل: لجنة المرأة ولجنة الطفل ولجنة حقوق الإنسان، وحملت في طياتها منظومة كاملة للقضاء على الأخلاق والقيم بشكل عام، وعلى القيم الأسرية بشكل خاص، باعتباره السبيل (السلمي) لاحتلال الشعوب، حيث يؤدي تطبيق تلك المواثيق إلى إحداث تغيير تدريجي في ثقافات الشعوب؛ لتحل قيم المجتمعات الغربية تدريجيًا محل القيم الأصيلة التي حافظت على الأسرة في مجتمعاتنا مئات بل آلاف السنين.

العمل على خفض النسل في بلادنا:

كذلك فإن خفض النسل في ما يسمى بدول العالم الثالث هدفًا استراتيجيًا هامًا بالنسبة للنظام العالمي الجديد، تكلم عنه هنري كيسنجر-مستشار شؤون الأمن القومي في إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون- في دراسة صدرت في 1974م بعنوان (تأثيرات التزايد السكاني في العالم على أمن الولايات المتحدة ومصالحها الحيوية فيما وراء البحار). وكانت خلاصتها: أن النمو السكاني في دول العالم الثالث هو مصدر قلق للأمن القومي الأمريكي؛ لما لديها من إمكانات كبيرة للتنمية الاقتصادية، كما أن اقتصاد الولايات المتحدة يتطلب كميات كبيرة ومتزايدة من المعادن من الخارج، خاصة من الدول النامية. فإذا وصل معدل الزيادة السكانية في تلك الدول إلى الصفر ستقل كثيرًا الاضطرابات، وسيستمر تدفق المعادن والموارد الطبيعية الأخرى من تلك البلاد إلى الولايات المتحدة بسهولة. وطالبت الدراسة بتقنين الإجهاض وإباحته كحل ضروري لخفض الزيادة السكانية.[5]

وهكذا يتضح لنا: أن سياسات تحديد النسل، التي يرسمها لنا النظام العالمي الجديد، تهدف بالأساس إلى الوصول بمعدل الزيادة السكانية في بلادنا إلى الصفر؛ للمحافظة على تدفق الموارد الطبيعية من بلادنا إلى بلادهم، أي أن تفنى شعوبنا كي تحيا شعوبهم.

سياسات هدم الأسرة من خلال المواثيق الدولية:

تمثلت منظومة هدم الأسرة التي حملتها المواثيق الدولية لشعوب العالم في السياسات  التالية:

أولاً- رفع سن الطفولة:

رفعت اتفاقية حقوق الطفل (CRC) التي أصدرتها هيئة الأمم المتحدة عام 1989م سن الطفولة حتى الثامنة عشرة.[6] وامتثالاً لتلك الاتفاقية، قامت معظم الدول الأعضاء فيها برفع سن الطفولة إلى الثامنة عشر، حتى وإن عارض ذلك دساتير كثير من الدول التي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساس للتشريع، ومعلوم أن سن الطفولة شرعًا ينتهي بالبلوغ.

ثانياً- رفع سن الزواج الشرعي، وخفض سن الزنى:

تحظى الأنثى باهتمام خاص في المواثيق الدولية، لأنها المسؤولة عن الإنجاب، ورغم أن الفترة العمرية من البلوغ وحتى سن 18 سنة هي فترة إنجابية إلا أن الأمم المتحدة تصر على أنها ما تزال طفلة، ومن ثم أطلقت عليها في تلك العمر تسمية خاصة وهي (الطفلة الأنثى Girl Child)! وذلك كي تتمكن من اعتبار زواج الفتاة تحت سن الـ18 هو (زواج أطفال)، ومن ثم يسهل تجريمه مجتمعيًا وقانونيًا. ولن تكتفي الأمم المتحدة برفع سن الزواج حتى الـ18، بل ستتعداه لما بعد الـ 18.

 

وعلى هذا نصت جل المواثيق الدولية الخاصة بالمرأة والطفل، منها -على سبيل المثال- وثيقة القاهرة للسكان (1994م) التي نصت على مايلي: "وينبغي أن تعمل البلدان على خلق بيئة اجتماعية واقتصادية تقضي إلى إزالة جميع حالات زواج الأطفال وغيرها من أنواع الاقتران على وجه السرعة وأن تثني عن الزواج المبكر".[7]

وهذا يشير إلى توجه تلك المواثيق نحو التضييق على الزواج الشرعي بشكل عام، وعلى الزواج قبل سن الـ18 بشكل خاص؛ والسبب أن الزواج الشرعي يمثل العلاقة المستقرة التي تعتبر العامل الرئيس في الزيادة السكانية. وهذا يتعارض مع استهداف النظام العالمي الجديد خفض النسل في دول ما أسمته بالعالم الثالث، وهذا يفسر إجماع مواثيق الأمم المتحدة على محاربة الزواج الشرعي المبكر.

وفي نفس الوقت الذي تحارب فيه المواثيق الدولية الزواج الشرعي المبكر، تفرض على الحكومات تحديد سن أدنى يمكن للفتاة فيه ممارسة علاقة جنسية (رضائية)، أي بموافقتها، حيث نصت وثيقة القاهرة  للسكان على: "ينبغي على الحكومات أن تنفذ بكل حسم القوانين المتعلقة بالسن القانوني للموافقة minimum legal age of consent [8]، والسن الأدنى عند الزواج، وأن تزيد السن الأدنى عند الزواج حيثما اقتضى الأمر".[9]  ومعظم دول العالم حددت سن تلك الممارسة بين السادسة عشر والثامنة عشر.[10]

ومن أجل تشجيع إقبال الفتيات على الزنى، تضغط اللجنة المعنية بتطبيق اتفاقية سيداو على الحكومات لإلغاء عقوبة الزنى، طالما أنه (رضائي)، ففي تعليق لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة على التقرير المقدم من تركيا في 2005م، أبدت اللجنة قلقها بسبب تجريم العلاقات الجنسية الرضائية بين الشباب المتراوحة أعمارهم بين 15 و18 سنة، ومن ثم حثت اللجنة تركيا على: "إعادة النظر بتجريم العلاقات الجنسية الرضائية بين الشباب المتراوحة أعمارهم من 15 -18 سنة".[11]

ثالثاً- الاعتراف بأبناء الزنى، وإنكار أبناء الزواج الشرعي المبكر:

إمعانًا في التضييق على الزواج الشرعي في مقابل تشجيع الزنى، نصت اتفاقية سيداو على: "لا يكون لخطوبة الطفل أو زواجه أي أثر قانوني، وتتخذ جميع الإجراءات الضرورية بما فيها التشريع لتحديد سن أدنى للزواج".[12] وفي المقابل، نصت الاتفاقية على: "نفس الحقوق والمسؤوليات كوالدة، بغض النظر عن حالتها الزوجية، في الأمور المتعلقة بأطفالها، وفي جميع الأحوال تكون مصالح الأطفال هي الراجحة".[13]

فاتفاقية سيداو ترفض تمامًا الاعتراف بالخطوبة أو الزواج تحت سن 18، ومن ثم فلن يعترف القانون بكل ما يترتب عليها من حقوق للمخطوبة أو للزوجة أو أطفال يولدون في ظل هذا الزواج.

في حين إذا أنجبت المرأة من سفاح، يتوجب –وفقًا لاتفاقية سيداو- أن تحصل على نفس الحقوق هي وطفلها، من إنفاق، ونسب، وإرث، تمامًا كما للزوجة الشرعية، لا فارق بينهما.

رابعاً- تقديم خدمات الصحة الجنسية والإنجابية للأطفال والمراهقين:

يعد تعليم وتدريب المراهقين على الممارسات الجنسية المسماة بـ(الآمنة) أحد أهم وأخطر السياسات الأممية التي اعتبرتها المواثيق الدولية من «حقوق الإنسان». وتسعى الأمم المتحدة إلى فرضها على شعوب العالم كلها، مهما كان دينها أو ثقافتها، وذلك باستخدام سلاح المعونات الاقتصادية تارة، وسلاح الضغوطات السياسية تارة أخرى!

ولقد أُدخل مصطلح (الصحة الإنجابية) في وثيقتي مؤتمر القاهرة للسكان والتنمية 1994م ومؤتمر بكين 1995م، حتى يتم تعميمه على المراهقين والشباب، بعد أن كان مصطلح (تنظيم الأسرة) هو المصطلح السائد قبل المؤتمر، والذي كان محصورًا في تقديم وسائل منع الحمل للمتزوجين فقط، وربما كان إبراز وثيقة الزواج في بعض الدول الإسلامية شرطًا للحصول عليها.

فقد نصت وثيقة بكين على: "الاهتمام بوجه خاص بتلبية الحاجات التثقيفية والخدمية للمراهقين؛ كيما يتمكنوا من معالجة الجانب الجنسي من حياتهم معالجة إيجابية ومسؤولة".[14]

كما نصت على: "على الحكومات والجهات المانحة والمنظمات غير الحكومية تصميم برامج محددة للرجال من جميع الأعمار وإلى المراهقين، تهدف إلى توفير معلومات كاملة ودقيقة عن السلوك الجنسي والإنجابي المأمون والمسؤول، بما في ذلك الاستخدام الطوعي لوسائل الوقاية الذكرية"[15].

أي أن يتعلم الشباب والمراهقون أن الممارسة الجنسية باستخدام الواقي الذكري هي ممارسة (مأمونة) و(إيجابية) و(مسؤولة)، فلا بأس منها، بل أنها محبذة!

وتنعي منظمة الصحة العالمية عدم حصول جميع مراهقي (البلدان النامية) على موانع الحمل، رغم أن لهم (نشاط جنسي)!! حيث تنص في أحد تقاريرها على: "لقد زاد استعمال موانع الحمل زيادة كبيرة في البلدان النامية.. وتشير البيانات إلى أن المراهقين والبالغين غير المتزوجين والذين لهم نشاط جنسي يعانون من وجود احتياجات غير ملبّاة".[16]

وعن أهم وسائل حصول المراهقين على خدمات الصحة الإنجابية، نصت الوثائق على أن: "استخدام الخدمات الصحية عبر الهاتف المحمول للمراهقين هي أنسب وأكثر قبولا"[17].

خامساً- إباحة الإجهاض قانونا:

نظرًا للمقاومة الشديدة التي تواجهها قضية (الإجهاض) من قبل الشعوب المحافظة، اضطرت الأمم المتحدة إلى اتباع سياسة التدرج في تمريرها وتطبيقها، حيث اكتفت وثيقة القاهرة للسكان (1994م) بالنص على: "على جميع الحكومات والمنظمات الحكومية الدولية والمنظمات غير الحكومية ذات الصلة تعزيز التزامها بالحفاظ على صحة المرأة، ومعالجة الآثار الصحية للإجهاض غير المأمون .. كما يتعين تقليل اللجوء إلى الإجهاض، وذلك من خلال التوسع في خدمات تنظيم الأسرة وتحسينها.. وينبغي في جميع الحالات تيسير حصول النساء على خدمات جيدة المستوى تعينهن على معالجة المضاعفات الناجمة عن الإجهاض.. وأن تتوافر لهن على الفور خدمات ما بعد الإجهاض في مجالات المشورة والتوعية وتنظيم الأسرة، الأمر الذي من شأنه المساعدة على تجنب تكرار الإجهاض".[18] (يطلق وصف «غير الآمن» على الإجهاض إذا كان مجرما قانونا).

وبعد عشرين عامًا، وفي (برنامج عمل القاهرة للسكان ما بعد 2014م)، تطور خطاب الأمم المتحدة، وأصبح أكثر جرأةً ووضوحًا، حتى وصل إلى حد استنكار: "وجود قوانين جنائية.. تجرم العلاقات الجنسية المثلية الرضائية، والزنى، والعمل في مجال الجنس .. والحصول على خدمات الإجهاض الآمن"[19]!

سادسًا- إلغاء تجريم البغاء:

وحازت إباحة الدعارة من الأمم المتحدة على اهتمام كبير، خاصة في العقد المنصرم، حيث أصدر صندوق السكان UNFPA تقريرًا ركز فيه على ضرورة إلغاء كل ما يلي:

(1) تجريم العمل بالجنس؛

(2) تجريم الزبائن؛

(3) مصادرة الشرطة للواقيات الذكرية كأدلة على ارتكاب البغاء؛

(4) عدم حصول العاملات في مجال الدعارة على حقوق العمل وحقوق الضمان الاجتماعي، بما فيها الحق القانوني في مكان صحي وآمن لممارسة العمل وظروف معقولة للتوظيف!![20]

وقد أكد بان كيمون -الأمين العام السابق للأمم المتحدة- في خطابه إلى المؤتمر الدولي للإيدز، مكسيكو سيتي في أغسطس/آب 2008م، على ضرورة حماية أماكن الدعارة، حيث قال: "في معظم البلدان، يظل التمييز قانونيًا ضد المشتغلين بالجنس، ومتعاطي المخدرات، والرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال.. هذا يجب أن يتغير.. من غير الأخلاقي عدم حماية هذه المجموعات، كما أنه ليس منطقيًا من منظور الصحة العامة. إنه يؤلمنا جميعًا".[21]

سابعاً- إباحة الشذوذ الجنسي قانونًا:

تتبنى الأمم المتحدة سياسات واضحة للتشجيع على ارتكاب فاحشة الشذوذ الجنسي، وتدعم الشواذ في جميع أنحاء العالم بكل قوة. ويتم إدماج حقوق للشواذ جنسيًا في المواثيق الدولية من خلال مصطلح (الجندر Gender)، وهو المصطلح المفصلي الذي تدور حوله معظم الوثائق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، وقد اتسمت جلّ تعريفات (الجندر) في المواثيق الدولية بالمطاطية والمراوغة الشديدة، حيث تحاشت تعريفه تعريفًا واضحًا وصريحًا مع بدايات ظهوره، ولكن بدأت الملامح الحقيقية للمصطلح في الظهور من خلال مصطلحي (الهوية الجندرية) و(التوجه الجنسي). أي أن يصبح اختيار الانسان لهويته (ذكرًا أو أنثى أو كلاهما) حقًا من حقوق الإنسان، وكذلك حرية اختياره لنوع شريكه في العلاقة الجنسية!!

وينص تقرير (إدماج مساواة الجندر وحقوق الإنسان) على أن: "مساواة الجندر Gender equality هي الطريق التي يُنظَر بها إلى الأشخاص وينظرون إلى أنفسهم، على أنهم ذكور  masculine أو إناث feminine".[22]

ويأتي دور اللجان التي تؤسسها الأمم المتحدة لمتابعة تطبيق ما تصدره من اتفاقيات وعهود دولية، في الضغط على الحكومات لتغيير قوانينها الوطنية. فعلى سبيل المثال، أصدرت اللجنة المكلفة بمتابعة تطبيق (العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية)، تعليقها العام رقم (22)، الذي نص على: "يجب على الدول إصلاح القوانين التي تعرقل ممارسة.. الأنشطة الجنسية التي تتم بالتراضي بين البالغين (الزنى) أو هوية المتحولين جنسيًا (الشذوذ) أو التعبير عنها."[23]

وبلغ الأمر أن قام مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في سبتمبر 2016م بتعيين أول (خبير مستقل بالأمم المتحدة) مسؤول عن متابعة تنفيذ الصكوك الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وبالتحديد ما يتعلق بالتمييز بين الأشخاص على أساس (ميولهم الجنسية) أو (هويتهم الجندرية)، أي متابعة القوانين التي تعاقب الشواذ جنسيًا في البلاد المختلفة، والعمل على إلغائها، والتعاون مع الدول من أجل حماية الشواذ جنسيًا، وذلك من خلال القيام بزيارات قُطرية، وتقديم تقارير سنوية إلى مجلس حقوق الإنسان، وتوجيه النداءات العاجلة الى الدول بشأن حماية الشواذ الموجودين فيها.[24]

ثامناً- استقواء المرأة Women Empowerment :

مع تفجر الثورة الجنسية في أوروبا في السبعينيات من القرن العشرين، وطغيان المد الإباحي، وتنامي موجة العلمانية، صار الطريق ممهدًا أمام الحركات (النسوية الراديكالية) للمطالبة بتحكم المرأة الكامل في جسدها، رافعة شعار (جسدي ملكي My body is my own)، وإعلان عدائها للرجل، مبررة ذلك العداء بأن الرجل هو المسؤول عن كل معاناتها.

ثم من خلال التغلغل في لجان الأمم المتحدة بدءًا بـ(لجنة حقوق الإنسان) و(لجنة مركز المرأة) بالأمم المتحدة، تمكنت تلك الحركات من بث أفكارها وأيديولوجياتها في العالم كله عبر المواثيق الدولية التي تصدرها تلك اللجان، وما يصحبها من برامج تعليمية وإعلامية ومناشط مجتمعية تسوق ذلك الفكر بين عموم الناس.

وجاء انعقاد المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بكين عام 1995م، ليمثل مرحلة جديدة في ترسيخ مفهوم مساواة الجندر Gender Equality. وذلك بإعادة تشكيل المجتمع وجميع العلاقات بين الرجال والنساء داخله، وتقوية النساء Empowering women حتى يصبحن في شراكة تامة مع الرجال في جميع مناحي الحياة.[25]

ثم توالت المؤتمرات الدولية كل خمس سنوات لمتابعة تطبيق وثيقة بكين (بكين+5، بكين+10، بكين+15، بكين+20)، وكلها تركز على مفهوم (المساواة التامة) التي يفرضها مصطلح مساواة الجندر Gender Equality.

وبدأ تطبيق مبدأ (المساواة التامة) يسود تدريجيًا داخل المجتمعات، حتى دخل الأسرة نفسها، فبدأت (الشراكة والتناصف) تطرح كبديل للتوزيع الفطري للمسؤوليات داخل الأسرة، فلا الرجل قيمًا على الأسرة، ولا المرأة مسؤولة عن البيت وتربية الأبناء، بل التماثل والتناصف في كل الأدوار! وهذا بدوره أدى إلى هدم الكثير من الأسر، وتدمير العلاقة بين الزوجين، والتي تحولت من علاقة سكن وود ورحمة، إلى علاقة ندية تسودها روح الصراع والتنافس، والتي غالبًا ما تصل إلى نفق مظلم ينتهي بالطلاق.

وفي هذا الصدد يقول الدكتور محمد عمارة: "وفق هذه المواثيق التي فرضتها هذه الحركات الأنثوية المتطرفة على العالم، أصبح من حق المراهقين والمراهقات ممارسة الشذوذ الجنسي، والإتيان بالرفقاء والرفيقات إلى المخادع، تحت سمع وبصر الوالدين.. ومن يعترض يمكن محاكمته قانونيًّا في البلاد التي صدَّقت على اتفاقية الـ CEDAW!!. فنحن أمام دين جديد لقوم لوط الجدد!.. وكما يقول البروفسير الأمريكي ويلكنز:"إن المجتمع الغربي قد دخل دوامة الموت، ويريد أن يجر العالم وراءه"!.. وكأنما شعارهم يقول {أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النمل:56]".[26]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* المصدر: مجلة المجتمع

 

* رئيس لجنة الأسرة بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ومتخصصة في قضايا الأسرة في المواثيق الدولية.

[1]- تاريخ الأمم المتحدة، http://www.un.org/ar/sections/history/history-united-nations/index.html.

[2]- حسن نافعة، الأمم المتحدة في نصف قرن، سلسلة كتب عالم المعرفة، يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت، أكتوبر 1995، ص 18- 22 –27- 34- (بتصرف).

[3]- المرجع سابق ص 46 (بتصرف).

[4]- تاريخ الأمم المتحدة، مرجع سابق.

[5]- National Security Study Memorandum 200 (NSSM 200) -April 1974.

[6]- انظر اتفاقية حقوق الطفل 1989م، المادة (1).

[7]- تقرير المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، القاهرة، سبتمبر 1994م، الفصل السادس، 6-11.

[8]- هي السن القانونية التي تستقل فيها الفتاة بجميع قراراتها وتستطيع أن تقيم علاقة جنسية بكامل إرادتها، وهي تختلف عن سن الزواج (أنظر http://en.wikipedia.org/wiki/Age_of_consent Age of consent, Wikipedia, ).

[9] -ICPD, Chapter 4, Para. (4.21), Page:26.

[10]- Worldwide ages of consent, 7 Sept. 2012, http://www.avert.org/age-of-consent.htm.

-[11] تعليقات ختامية: تركيا، اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة، الدورة الثانية والثلاثون، 2005، ص5-6.

[12]- اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو"، 1979، المادة 16/2.

[13]- المرجع السابق، المادة 16/د.

[14]- إعلان ومنهاج عمل بكين، 1995م، بند (95).

[15]- المرجع السابق، البند (108/أ)

[16]- تقرير جمعية الصحة العالمية- منظمة الصحة العالمية، 15 نيسان/أبريل 2004، A57/13، ص 7.

[17]- مسودة الاستراتيجيات العالمية لقطاع الصحة، A69/33، تقرير من الأمانة، الملحق، ص 48.

[18]- تقرير المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، القاهرة 1994، برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، الفصل السابع، الحقوق الإنجابية والصحة الإنجابية، ألف- الحقوق الإنجابية والصحة الإنجابية، البند (8-25).

[19]- تقرير مؤتمر "برنامج عمل القاهرة للسكان ما بعد 2014، المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان"، هولندا، يوليو 2013، ص 5.

[20]- SEX WORK AND THE LAW IN ASIA AND THE PACIFIC, October 2012, UNAIDS, UNFPA, UNDP, P 1,2.

[21]- UN AIDS Guidance Note on HIV and Sex Work, UNAIDS/ 09.09E, P 2.

[22]- Integrating Human Rights and Gender Equality in Evaluations, Chapter 2, article (73), page 27.

[23]- General Comment No. 22 (2016) on the Right to sexual and reproductive health, Para.40

[24]- Independent Expert on sexual orientation and gender identity, UNITED NATIONS HUMAN RIGHTS OFFICE OF THE HIGH COMMISSIONER.

[25]- The Four Global Womens' Conferences 1975 – 1995:  Historical Perspective.

[26]- مثنى أمين الكردستاني، حركات تحرير المرأة من المساواة إلى الجندر، مقدمة الكتاب للدكتور محمد عمارة، دار القلم، القاهرة  2004، ص 8.





التالي
"الشيخ القرضاوي مدرسة متكاملة".. الإمام يوسف القرضاوي رحمه الله وجهوده في خدمة القدس والأقصى (فيديو)
السابق
أفغانستان.. قتلى وجرحى في تفجير سيارة مفخخة استهدف مسجدا تابعا لحكمتيار جنوبي كابل

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع