الشيخ علي القره داغي يجيب.. حكم سجدة الشكر عند وقوع النعمة أو زوال النقمة والمحنة (فتوى)
ثار الخلاف حول ما قام به الفريق المغربي لكرة القدم عند فوزهم على الفريق البلجيكي، حيث قمت بمباركة هذا العمل، في حين اعترض البعض على ذلك، فقالوا: سجدوا دون وضوء، ودون استقبال القبلة، أووو.
لذلك أوضح الحكم الشرعي لسجدة الشكر في السنة المطهرة، وعند السلف الصالح.
سجدة الشكر تتكون من البدء بـــــ " الله أكبر " ثم يسجد سجدة واحدة، ويسبح الله، ويشكر الله تعالى فيها، ويدعو بما يفتح الله عليه، ثم يرفع رأسه مكبراً، ثم يسلم دون تشهد، وجماعة منهم لم يشترطوا التسليم أيضاً.
وقد اشترط جماعة من الفقهاء ما يشترط للصلاة من الطهارة وستر العورة، واستقبال القبلة، لكن الذي يظهر رجحانه لنا هم عدم اشتراط ذلك في سجود الشكر، فلا يشترط فيها الطهارة، واستقبال القبلة، وستر العورة – ومنه الحجاب للمرأة – ولكن ذلك بلا شك هو الأفضل والأكمل. وهذا قول جماعة كبيرة من علماء السلف، واختاره ابن جرير الطبري، وابن حزم، وابن تيمية، وابن القيم، والشوكاني، والصنعاني، وجماعة من المالكية، ومن المعاصرين الشيوخ ابن باز، وابن عثيمين، وآخرون.
ويدل على ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم، قد سجد سجدة الشكر – كما سيأتي – ولم يرد منه ما يدل على وجوب استقبال القبلة ، والطهارة، ونحوهما، وكذلك الخلفاء الراشدون، وذلك مثل حديث أبي بكر بلفظ " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جاء أمر سرور، أو بُشر به خرّ ساجداً لله " رواه أبو داود (2774) وسكت عنه مما يدل على أنه حسن صالح، وقد صححه الألباني في صحيح أبي داود(2774) والأرنؤوط أيضاً، ورواه الترمذي (1578) وابن ماجه (1394) باختلاف يسير، وأحمد (20455) مطولاً.
وظاهر هذا الحديث يدل على عدم اشتراط ما سبق، لأن البيان في معرض الحاجة مطلوب.
ومن جانب آخر فإن أسباب سجدة الشكر قد تأتي فجأة وأن في تأخيرها زوالاً لمقاصدها وأسرارها.
ومن جانب ثالث أن الطهارة ونحوها مما ذكر هي من شروط الصلاة، وأن سجدة الشكر ليست صلاة، حيث لم يرد في الشرع تسميتها بالصلاة، وعندئذ يكون قياسها على الصلاة قياساً غير صحيح.
جاء في مجموع الفتاوى لابن تيمية (21/277): "فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمّ ذلك صلاة، ولم يشرع لها الاصطفاف... ولا سنّ فيها النبي صلى الله عليه وسلم سلاماً، لم يُروَ ذلك عنه، لا بإسناد صحيح ولا ضعيف).
وجاء في الشرح الممتع على زاد المستقنع (4/107-108) بعد القول بمنع سجدة الشكر في الصلاة " وما ذكره المؤلف صحيح لأنه – أي سجود الشكر – لا علاقة له بالصلاة"، ويراجع في ذلك أيضا مجلة البحوث الإسلامية (36/ 267-309).
الأدلة على استحباب سجدة الشكر:
هناك أدلة كثيرة على استحبابها، منها: أن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا أتاه الأمر يسرُّ به خر ساجداً شكراً لله تعالى.
مسائل حرب (ت 280هجري) الحديث (1075) ورواه أبو داود (2774) والترمذي (1578).
وقد روى البيهقي في الخلافيات الحديث (2204) بسنده عن عبد الرحمن بن عوف قال: دخلت المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم خارج المسجد، فتبعته، أمشي وراءه، وهو لا يشعر حتى دخل نخلاً فاستقبل القبلة، فسجد، فأطال السجود، وأنا وراءه .... فقال: إني أبشرك أن الله عز وجل يقول: "من سلّم عليك سلمتُ عليه ومن صلى عليك صليتُ عليه" وأخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 585).
قال البيهقي "هذا حديث صحيح، ولا أعلم في سجدة الشكر أصح من هذا الحديث ، وعن البراء بن عازب: أن علياً رضي الله عنه لما كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام همدان خر ساجداً ثم رفع رأسه فقال: السلام على همدان، السلام على همدان، صححه الذهبي في تاريخ الإسلام(2/690) وغيره، وروى البيهقي المصدر السابق (2216) بسنده أن أبا بكر رضي الله عنه لما أتاه خبر فتح اليمامة سجد ، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه (17/ 464) وروى كذلك (2217) بسنده عن أبي موسى الأشعري : أن علياً رضي الله عنه سجد سجدة الشكر حين وجد المخدج (وهو المعروف بذي الثديّة) مقتولاً وفيه الأوصاف التي ذكرها لأصحابه. ورواه المرزوي في تعظيم قدر الصلاة (1/ 255)،
وروى ابن أبي شيبة في مصنفه (8500) والبيهقي في السنن الكبرى (3939) بسندهم أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ به رجل به زمانة، فسجد وسجد أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وروى البخاري (4156) ومسلم (2769) أن كعب بن مالك لما بشر بتوبة الله عليه خرّ ساجداً.
وقد ذكر القاضي أبو يعلى في التعليق الكبير، ط. دار النوادر، دمشق 1435ه (1/ 313) كثيراً من الأحاديث والآثار وختمها بقوله: "وهذا كله يدل على ثبوت سجود الشكر وشهرته بينهم، وقبله قال مثل ذلك كثيرون منهم إمام الحرمين في نهاية المطلب: تحقيق د. الديب، ط أوقاف قطر.
والخلاصة:
أن سجدة الشكر مستحبة عند وقوع نعمة أو تجددها، أو دفع بلاء ومحنة، أو رؤية شخص مصاب، أو نحو ذلك من نعم الله التي لا تعد ولا تحصى، وعندئذ يكبر الشخص تكبيرة واحدة ثم يسجد، ويسبح الله تعالى، ويشكر الله تعالى ويدعو بما يفتح الله عليه، ثم يرفع رأسه مكبراً، ولا حاجة إلى السلام، عند جماعة من الفقهاء، ولو سلم لجاز لحديث البراء بن عازب السابق، ولو سجد وهو متوضىء ومستقبل القبلة ومستور العورة فهو أفضل وأتم بلا شك.
وبناء على كل ما سبق فلم يكن للمعترضين الحق في الاعتراض، بل كما قلت: إن ما فعله الفريق المغربي كان صنيعا جميلا، ودعوة رائعة، وإظهارا لتعظيم الله تعالى، فجزاهم الله خيرا.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه أ. د. علي محيي الدين القره داغي
الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين