البحث

التفاصيل

18 ديسمبر... يوم مشهود لتتويج الكرنفال الرياضي العالمي

الرابط المختصر :

18 ديسمبر ... يوم مشهود لتتويج الكرنفال الرياضي العالمي

الكاتب: فالح حسين الهاجري

 

إن من شهد ليل البارحة الختامي في مونديال قطر 2022، وكان قد شهد ليل الافتتاح الأول لا يحضره إلا أن يقول "ختامه مسك"، وأنه تتويج مضاعف ومتراكب من بشائر بعضها فوق بعض، لفريق الأرجنتين "بطل العالم"؛ بحصاده المشرّف ورفعه كأس العالم 2022، ولجمهور الأرجنتين المتلهف للفوز التاريخي المظفر الذي حققه فريقهم ولم يُخيب ظنهم، وللجماهير العالمية التي تشجع الأرجنتين، ويبقى هناك فوز من نوع آخر حظي به الجمهور العربي بشكل عام ومقوماته الاستضافة على أرض عربية، وترقي فريق المغرب إلى المرجع الذهبي، وأما الفوز الأكبر فإنه خليجي - قطري بامتياز؛ حيث حصدت قطر ما زرعته، ودأبت على نجاحه منذ اثني عشر عاماً من التخطيط والبذل والتضحية والصمود، أيّ منذ أن ربحت خيار استضافة الكأس، وهي في طور مديد من التهيئة له، وقد جاء يوم البارحة ليكمل نشوة قطف الثمرة، وليربت على أكتاف القطريين قيادةً وحكومةً وشعباً، ويطمئنهم أن جهودهم أخرجت أفضل ما في عالم الرياضة وعالم الثقافة وعالم القيم، وأنهم رسموا لوحة عالمية فريدة اكتملت يوم البارحة، يوم التتويج القطري والعربي والإسلامي والعالمي في اليوم الوطني لدولة قطر.

الفكرة التي يُلاحظها المراقب للوضع هي الاكتظاظ والتكثيف، وقد برعت قطر في انتزاع تهديد الفكرة واستخراج إيجابياتها، فإن المساحة الجغرافية المحدودة كانت تفرض تحدياتها على تنظيم المونديال الذي سيواجه ازدحاماً لا يمكن تلافيه وإدارته، والحال أن أعمال الإنشاءات الهائلة قد حولت قطر إلى ما يشبه المدن المثالية التي نسمع بها عند فلاسفة الإغريق كالمدينة الفاضلة عند أفلاطون، حيث محورت الطرق الجديدة المفتتحة، وتوزع الملاعب الثمانية العملاقة بمدرجاتها الفسيحة، وتشابك خط المترو الذي نقل جماهير المشجعين في طول البلاد وعرضها، والفنادق ذات الطاقة الاستيعابية الهائلة، والمناطق السياحية الفارهة الباذخة كميناء الدوحة وجزيرة المها ودرب لوسيل وفاندوم وغيرها من المناطق التي تشهد على حقبة سياحية جديدة في قطر غير التي نعلمها من قبل، كل هذه أسهم في ترشيد ازدحام الجماهير من المقيمين والضيوف، وتحويل التحدي إلى متعة مكثفة للسياح، وفرصة ثرية للشعب والحكومة القطرية للانتفاع منها بطرق شتى، وغدا التخوف من أهل قطر والمقيمين بأن الأرض ستضيق عليهم في أيام زحمة المونديال، وعلى العكس عادوا في أيام رحلتهم الأولى ليشهدوا هذا الكرنفال التاريخي الذي صار سيرة الشهود فيزيائياً وإعلامياً.

من تجليات تكثيف المتعة والتسلية، والمكاسب المادية والرمزية التي ظهرت في تنظيم المونديال أيضاً هو برنامج المونديال الذي وافق يومه الختامي العيد الوطني البهيج لقطر في 18 ديسمبر، ليكون الاحتفال مضاعفاً مكثف الأهداف والدوافع، وليحتفل العالم ورؤساء الدول المدعوين والجماهير الغفيرة بعيدنا الوطني، ومن سبل تكثيف المتعة التي تُعين عليها المساحة الجغرافية المحدودة لدولة قطر هو قرب المسافة بين الملاعب الثمانية، حيث كانت نصف ساعة كفيلة بوصول المشجعين لحضور المباراة القادمة من أي استاد أو تجمع كانوا فيه، وهذا فتح المجال أولا للجماهير أن تحضر معظم المباريات بشكل حي لا عبر الشاشات، ثانياً كان فرصة تسويق لأعداد هائلة من القسائم. ومما ساهم في تكثيف المتعة هو الحماس الذي ثار في المباراة الختامية بين فريقي فرنسا والأرجنتين، واحتدام التنافس الذي سببه تألق الفريقين وأداؤهما الذي حولهما لفرسي رهان، وحتى وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المباراة الختامية بأنها الأهم في تاريخ كرة القدم، وقد بقيت تتردد مشاعر الجماهير حتى الدقيقة الأخيرة بل حتى الركلة الأخيرة بين الرجاء والأمل واليأس والقنوط، وهذا الاحتدام يعظم من لذة الفوز عند الفائزين ومن هول الاحتفالات التي لم تكن لتخرج بأفضل من الحلة التي خرجت بها برعاية التنظيم القطري الذي حول الحفل لجنة من الزخارف والعروض والمراسم.

أخيراً كانت العلامة الفارقة ليوم التتويج هي اللفتة الثقافية الجميلة الجليلة التي قام بها حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى (حفظه الله)، فألبس البشت العربي لنجم الكرة الأرجنتيني والعالمي ليونيل ميسي في مشهد إعلامي ورمزي فاق الوصف، وبكلمات المعلق التونسي في قناة الجزيرة الأستاذ عصام الشوالي "شيل، شيل، شيل، شيل يا طويل العمر شيل"، وهي اللقطة القطرية التي ستحفظها الأجيال سنوات وسنوات.

وهكذا توج الأمير المفدى مونديال 2022 بتاج عربي، ورصع كأس العالم بالثقافة العربية الأصيلة، وكان دأبه بمزيد من الإصرار على الاستمساك القطري بعروة الثقافة العربية والإسلامية وإبرازها في كل محفل بدءاً من الافتتاح الذي فتح أعين العالم على ثقافتنا وقيمنا وديننا وتسامحنا، وأزال عنها غشاوة التضليل الإعلامي والصورة النمطية التي رسمتها الماكينة الغربية في أعين شعوبها، وانتهاءً بالتتويج الذي صدر بنكهة عربية، وبإخراج قطري بديع اللمسات، وهكذا وفى سمو أمير البلاد المفدى بوعده الذي قطعه وبذل الوسع وقدم الثقافة العربية والإسلامية على طبق من الرقي والحضارة والتسامح وقبول الآخر، فجزاه الله خير الجزاء وأبقاه ذخرا وفخرا، وكلنا فخر بحكومتنا وشعبنا على هذا النجاح الاستثنائي، والذي أكد في اللمسات الأخيرة بأن قطر ما بعد المونديال ليس قطر ما قبله، وستجني بلادي تعب السنين مكانة وتألقاً وحضوراً في ميادين الرياضة والسياسة والسياحة والأدب والفن والإبداع الإنساني والحضاري.





التالي
الكويت: "مبادرون لأجل فلسطين".. قانون مناهضة التطبيع إلى مجلس الأمة (قريباً)

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع