د. أحمد زايد
رابعاً: معالم التجديد وجوانبه عند الشيخ القرضاوي «1«
تعددت جوانب التجديد في تراث الشيخ القرضاوي بصورة ملموسة، وفي هذا المبحث نذكر طرفا من معالم وجوانب التجديد عند القرضاوي
أولاً: التجديد في فهم الإسلام
ورد في الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وسلم: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين».
والحديث إما أن يحمل على الإخبار فيكون معناه: أن الله تعالى يهيئ لهذا الدين في كل جيل حملة عدولا يقومون بواجب الدفاع عنه وتبليغه على أنصع وجه، وإما أن يحمل على الإنشاء ويكون المراد به الأمر ويكون المعنى: ليحمل هذا العلم «الدين» من كل خلف عدول من العلماء والدعاة والمجاهدين يقومون بالواجب نحوه بنفي انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين وتحريف الغالين، ويعضد هذا التفسير ورود الحديث في إحدى طرقه بلفظ: «ليحمل هذا العلم….» بلام الأمر عند ابن أبي حاتم كما أفاد السيوطي.
وهذا الحديث يبين أن وظيفة العلماء العدول المجددين تظهر في هذه الأعمال الثلاثة الجليلة:
نفي تحريف الغالين، نفي تأويل الجاهلين، نفي انتحال المبطلين
والتحريف والانتحال وسوء التأويل أعمال تشوه الفكر وتضئل الفهم وتغطي الحقيقة وتنتج سوء الفهم، وأحسب أن الشيخ من العلماء العدول الذين قاموا بواجبهم تجاه دينهم فقاموا بالواجبات الثلاث المشار إليها في الحديث المذكور.
وقضية فهم الإسلام -في نظري- أوسع جانب ظهر فيه تجديد الشيخ -رحمه الله- وعمل الشيخ في هذا الجانب يعد امتداد لما بدأه الإمام حسن البنا، ومعلوم مدى التردي الذي وصل إليه العقل المسلم في قضية فهم الإسلام، بفعل عوامل عدة منها الجهل والغزو الفكري والتقليد وشيوع الخرافات وغير ذلك مما شوه كثيرا من حقائق الإسلام في عقول المسلمين، فعمل الشيخ -رحمه الله- على أن يزيل عن الإسلام تحريفات الغالين التي هي إحدى وظائف المجددين، فكان كتابه «الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف» وكتابه «ظاهرة الغلو في التكفير» وكلا الكتابين طبعا طبعات عدة وانتشرت انتشارا واسعا بلغات متعددة وكان لها أثر بالغ في ترشيد صحوة الشباب وتوجيه الجماعات إلى الوسطية حتى إن جماعة كاملة راجعت أفكارها وعدلت مسلكها بسبب القناعة بهذا الفكر، وقد عبر قادتها عن ذلك في كتبهم التي كتبوها كمراجعات لأفكارهم السابقة.
بيان الصورة الصحيحة للإسلام
وكتب الشيخ كتبه: «الخصائص العامة للإسلام، ومدخل لمعرفة الإسلام، وشمولية الإسلام، طبيعة المجتمع المسلم الذي ننشده وفقه الأولويات» وغيرها هذه الكتب عنيت مباشرة ببيان الصورة الصحيحة للإسلام بعيدا عن الإفراط والتفريط، وقد درست هذه الكتب في جامعات ومعاهد علمية ودورات فصححت كثيرا من أفكار ومفاهيم حول الإسلام.
وقل أن تجد إماماً في الأوقاف في بلد كمصر مثلا لا يقتني هذه الكتب ولم يجعلها مواضيع خطب ودروس ومحاضرات لجمهوره، وقد ترجمت تلك الكتب بلغات شتى وطبعت مرات عديدة فكان لها أثرها البالغ في تجديد فهم الإسلام.
ثم قام الشيخ برد انتحالات المبطلين في سلسلته «حتمية الحل الإسلامي» وكتابه «العلمانية والإسلام وجها لوجه» فجلى وجه الحقيقة الإسلامية برد الشبهات التي علقت بالعقل المسلم بعد الخديعة الكبرى التي صنعها الاشتراكيون والشيوعيون والعلمانيون في بلاد الإسلام، وهذا جانب قام به الشيخ في وقت خرست فيه أصوات كثيرين أو نطقت على حياء وخجل.
»الظاهرية الجدد«
ثم حارب الشيخ بقوة في معركة تجديدية فكرية واسعة الأطناب في قضية تأويل الجاهلين حيث «الظاهرية الجدد» كما سماهم الشيخ القرضاوي، تلك المعركة التي نال الشيخ فيها ما ناله من اتهامات شنيعة في دينه وعقيدته وعقله لكن الشيخ وقف في هذه المعمعة غير عابئ بتلك السهام الطائشة التي ارتدت على أصحابها.
وكتب الشيخ لنفي تأويل الجاهلين كتبا عديدة منها: «الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف»، «كيف نتعامل السنة النبوية؟»، «الصحوة الإسلامية من المراهقة إلى الرشد»، «الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المحمود والتفرق المذموم»، وغير ذلك من فصول ومباحث في كتب عديدة ردت تأويلات الجاهلين وبينت وجه الحق.
وإن من أخطر وأهم القضايا التي أبدع فيها الشيخ وجدد النظر والفهم لها قضية »الجهاد» التي ضل في فهمها البعض وغالي الكثيرون وفرط الأكثر فجاء كتابه »فقه الجهاد» ليكون مرجعا تجديديا ضابطا لفهم هذه القضية الخطيرة وسط المتغيرات العالمية، حيث ضبط مفاهيمها وحدد أبعادها وبين جوانبها وبين ثوابتها ومتغيراتها بصورة غير مسبوقة في الفكر الإسلامي، فسد الشيخ ثغرة فقهية وفكرية كانت الأمة في أمس الحاجة إليها.
.....
* د. أحمد زايد: أستاذ مشارك في كلِّيتي الشريعة بقطر، وأصول الدين بالأزهر.