البحث

التفاصيل

كيف تحول البشر الى إنسان

الرابط المختصر :

التطور في الخلق من المشخص الى المجرد

آدم اسم جنس. هو أبو الإنسان وليس والد البشر، وبه بدأ التاريخ الإنساني الواعي، أي إن الإنسان العاقل المتكلم ينسب إلى سلالة آدم، وهو الحلقة بين البشر والإنسان، البشر المنتصب، لقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضلًا} (الإسراء ٧٠). اي إن كثيرًا من المخلوقات كانت موجودة من قبل خلق آدم. وكان من بين هذه المخلوقات ما يشبه بني آدم في الخلق والشكل، وفضل جنس آدم على مخلوقات الآخرين. ويفهم من قوله تعلى {ان الله اصطفى آدم ونوحا..} ان اصطفاء يحصل بين الأجناس المتشابهات.

إن قصة آدم المذكورة في كتب التفاسير الإسلامية القديمة وفي كتب العقائد أكثرها نقلت من كتب اهل الكتاب. وان روايات اهل الكتاب حول قصة آدم والخلق، مأخوذة من روايات أساطير السومرية والبابلية والآشورية باختلاف قليل. الفكرة الموجودة في ذلك الوقت حول قصة آدم سيطرت على المسمين والمفسرين، وبالتالي قلدوا أهل الكتاب حرفا بحرف بدون ان يُرتِّلوا آيات القرآن الى بعضها وبدون ان ينظروا اليها من خلال التنزيل الحكيم. وبالتقليد أغلقت العقول عند المفسرين، وبالتالي ابتعد المسلمون عن النظرة العلمية حول سنة الله في الخلق والنشوء والتطور.

انظر الى اساطير السومرية كتاب "القصص القرآني قراءة معاصرة - للدكتور محمد شحرور" سترى ان ما ذكر في العهد القديم حول خلق آدم والكون يشبه ما ذكر في اساطير السومرية والبابلية والآشورية بالمتن والمحتوى. 

 

العلم يقول: إن الخلق تشكل من عناصر ترابية مع الماء ومع العناصر الموجودة في غلاف الجويوإذا رتلنا آيات القرآن حول بداية الخلق نجد أسس العملية العلمية التي وصل اليها العلم اليوم موجودة في القرآن الكريم. 

ولذلك ننظر الى القضية من خلال آيات القرآن الكريم أولا قبل ان ننظر الى التفاسير القديمة. لأن القرآن يفسر بعضه بعضا. ولأن قول المفسرين إذا لم يستند الى المصحف ليس الا رأيا واجتهادا بشريا أو حكايات إسرائيلية.  

 

لتسهيل الفهم نقسم آيات القرآن حول الموضوع الى ثمانية اقسام: 1- آيات حول الخلق 2- حول تطور الخلق 3- حول اكتشاف اللغة 4 – حول اصطفاء آدم 5 - حول نفخ الروح 6- حول السجود لآدم 7- حول بداية الإنسانية. 8- حول جعله خليفة

1-الخلق:

فالخلق هو التصميم. ان الخلق يعني التقدير لا الإيجاد من العدم.  كما فهمها البعض. البديع: هو الإيجاد من العدم، كقوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (البقرة ١١٧) والله مصمم السماوات أيضا كقوله: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} (الانعام ١) ولكي يبين ان السماء والارض غير قديمين وانهما كانتا معا ثم انفصلتا عن بعضها قال: {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (فاطر ١)

يقال: "خلق من" كقولنا خلق الخياط القميص من القماش اي قدره قبل القطع والتفصيل. الانسان يخلق والله يخلق ولكن (فتبارك الله أحسن الخالقين) لأنه بكل خلق عليم.

الخلق ليس الايجاد من العدم (خلق الانسان من علق) فهل العلق عدم؟  (إني خالق بشرا من طين) (خلقتني من نار وخلقته من طين) (هو الذي خلق من الماء بشرا) فالإنسان حين يصنع السيارة او الصاروخ يصنعها بما وسعه لا يصنعا من العدم، يصنعها من المواد الموجودة في ظواهر الطبيعة.

فالآيات تدل ان خلق آدم ليس من العدم، بل من المواد الموجودة في الطبيعة. تحت سلّم البيولوجية التي نشأ منها سائر الحيوانات. نبدأ بالآيات من القرآن الكريم:

{يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} (مريم ٦٧). العدم هو الاسم بدون مسمى، وإذا أبدع الى الوجود يطابق المسمى. أي خُلِق الإنسان قبل أن يكون له مسمى بعد خلق الكون. وصمم الإنسان من ذرات المخلوقة في الكون. {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ افَلَا يُؤْمِنُونَ} (30 أنبياء) الجعل هو عملية التغير في الصيرورة، ودامت السيرورة في الماء الى ان صار الشيء حيا، هذه العملية أخذت آلاف السنين. {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ* ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ} (8 سجدة) بدأ الخلق من مرحلة حياة الطينية الى ان وصل الى خلقه من الماء المهين في الرحم {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ) (12 مؤمنون). من أنواع الطين المتشابهة {وإذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِين} (71 ص). {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ}  (11 صفات) من طين ملتصق ومتداخل بعضه بعضا  {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ  ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ  لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ  شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَ الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) (الحج 5) أي اذكروا نعمة الله في خلكم من مرحلة الترابية الى ما أنتم عليه اليوم  {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ* ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُخَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ* ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ} (15 المؤمنون). مراحل خلق الجنين المذكور في المصحف تتوافق الى ما وصل اليه العلم اليوم تماما {وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا} (18نوح). شبه خلق الإنسان ونشوئه بالنبات التي تتغذى وتنشأ من مواد الأرض وتنبت {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء 1) اي من خلية واحدة. (كروموزوم الذكر هو XY وكروموزوم الأنثى XX فقط. يعني الأنثى بيولوجيا مشتقة من الذكر).

{هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} (61 هود). الإنشاء ضم شيء الى شيء، عملية معقدة من عدة عناصر، والإنسان أيضا مركب من عدة عناصر، خلق الله الإنسان بضمّ بعض مواد الأرض الى بعضها، استعمركم عمركم اي بناكم وطوركم) {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ} (36 يسن) جدلية الأزواج التأثير والتأثر المتبادل بين الاشياء يفضي الى تلاؤمهما هذا هو قانون التكيف. إن الأشياء في الكون المادي لا يمكن ان تكون منعزلة بعضها من بعض. {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ} (77 يسن) {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا * وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} (54 الفرقان). {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} (32 النجم) هناك زمن طويل بين سلالة من طين وبين جعل النطفة في بطون الأمهات. من الخلية الى التكوين البشري. اي نشأة الحياة في الطبيعة اخذت بملايين السنين. 

والإنسان سوف يصل الى علم نشأة الأولى وكيفيتها بتقدم العلم والمعرفة مستقبلًا: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ} (62 الواقعة). {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِير} (20 عنكبوت). ان الله يوجه الإنسان لأن يكشف حقائق الخلق وبداية حياة الإنسان والحيوانات والنباتات. اعطى الله الإنسان قابلية الكشف وسخّر له ما في السماوات والأرض. {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّماواتِ وَمَا فِي ٱلْأَرْضِ}، اليوم علماء الآركيولوجيا يدرسونه. العلم سيحصل على كيفية الخلق وزمن نشأته. {لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ ۚ وَسَوْفَ تَعْلَمُون}َ (الأنعام 67) اليوم هذه المعلومات بالنسبة الينا انباء وغيبيات، مستقرة تنتظر تقدم العلم والمعرفة، وسوف تنكشف لنا ونعلمها مستقبلا. {خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِيبُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ} (6 الزمر).  

الثمانية المذكورة هي: (ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين) (الأنعام 143- 144)

الظلمات الثلاث: يمكن أن تكون مراحل ظلمات البحر وظلمات البيضة وظلمات الرحم. لأنه قال: {خلقًا من بعد خلق}. واما ما يقال ان للرحم ثلاث ظلمات وهي غشاء الخلاص وغشاء الرحم وغشاء البطن فإنه ليس الا ظلمة واحدة. ليس في الرحم ثلاث ظلمات. أي تم خلق الانسان وخلق الحيوانات في نفس السلم التاريخي. هناك مدة طويلة وحلقات مختلفة بين الخلق من التراب الى ما وصل الى حد البشرية. العلم يقول قبل خمس ملايين سنين البشر انتصب وانتشر في الارض. وهذا كله قبل نفخة الروح.

التطور في الخلق:

{وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} (14 نوح) التنزيل الحكيم يقول بأن الانسان خلق وفق مراحل تطورية، (خلقكم أطوارا) أي مرّ اَثناء مراحل تطوره بمرحلة لم يكن فيها منتصبًا ثم انتصب قائمًا (فسواك رجلًا) ثم أصبح منتصبا بهيئة متوازنة ومقومة. فتناسبت اعضاء جسده. حتى صار مؤهلًا لنفخة الروح حتى يصبح إنسانا، انتشر في الأرض قبل الأَنْسَنَة. اطوارا: أي حالات ومراحل مختلفة من الزمان والمكان. اي خلق الإنسان بالتطور الى الكمال. مثلا مرحلة الماء {خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا} مرحلة الطين {خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ} مرحلة التراب {خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ} مرحلة الحمء المسنون {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} مرحلة الصلصال الفخار {خَلَقَ الْإِنسَٰانَ مِن صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ} هذه المراحل كلها من بداية الخلق من البيضة حتى وصل الى الرحم. وبعد ما وصل الى الرحم له مراحل: {سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ} ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ* ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} الصلصال هو التراب اليابس. وقيل هو الطين المخلوط بالرمل، أو من صلّ الحديد صليلا إذا حدث منه صوت. جعل التراب طينا ثم جعله حمأً مسنونا ثم لازبا ثم صلصالاً. صل الماء اَي تغير لونه من صلّ اللحم إذا إنتن وتعفن واختلط بمواد اخرى. وانفصل من الماء، والفخّار الطِّين المطبوخ، مبالغة الفاخِر كالعلّام في العالم، أصله تراب ولكن بعد الطبخ صار شيئا آخر. بعد الصيرورة في الماء والطين في زمن طويل تحول البشر من شيء هو أصله طين الى شيء آخر. العملية التي جرت على البشر أخرجته من الرطوبة الماء والطين الى نشوف البر. ولكن مادته ما زالت من الطين وفيه حرارة. وفيه إشارة إلى الأطوار التي مرّت على مادة خلق الإنسان. {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا} (37 الكهف) {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ} (8 الانفطار). انتصب الإنسان على قدميه وتحررت يديه بعد التسوية والتعديل. أي جعلك مستويا راجلا على قدميك هناك خلق ثم تسوية ثم تعديل، وهذا التصور لا يعارض العلم. الإنسان مر بعد خلقه بهيئات مختلفة. بدء من كائن يمشي على أربع الى كائن يمشي منتصبا. فالتسوية هي ان يمشي على قدمين. ثم عدله. [عادله: وزنه. وتعديل الشيء تقويمه] أي تعديل صورته الفيزيولوجية. ليس تعديل اجتماعي. {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ} (20 الروم). الانتشار في الأرض حصل بعد الانتصاب والتسوية وقبل نفخ الروح حينما كان بشرا في مملكة الحيوانية. العملية {بــثُمَّ} هو للتراخي، أي هذه العملية حصلت في زمن طويل. أخذت آلاف السنين. 

 

 تعلم اللغة البشرية

وفي نفس الوقت حصل نضوج جهاز صوتي خاص به قادر على إصدار نغمات واصوات مختلفة. بعكس باقي الحيوانات التي لها نغمة صوتية واحدة. {خَلَقَ الإنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} يعني انه تعلم اللغة بواسطة قوانين الطبيعة وليس وحيا.. والبشر بتقليد الأصوات تشكلت له ذاكرة بمرور الزمن. بدأ يقلد الحيوانات والطبيعة وبدأ يُخزِّن في دماغه لغة التفاهم.

والمقصود من ذكر هذه الأشياء التنبيه على عجيب صنع الله تعالى إذ أخرج البشر من هذه الحالة المهينة وجعله نوعاً هو سيد أنواع عالم المادة ذات الحياة. 

النفخة لآدم كانت على مرحلتين (تعليم) و(تلقى) وعبر الله عن هذه المرحلة بقوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ} الاسم ليس من السُّمُوِّ (العلوّ) بل من الوَسْم اَي التمييز بين الأشياء اي بالقلم {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} اَي بالتقليم (تمييز). بربط الأصوات بالمسميات. الكلب يقلم الأشياء بالرائحة (يميزها) {كُلَّهَا} اي سمات الصوتية المميزة لكل الأشياء المشخصة الموجودة حوله.  ليس بمعنى انه تعلم جميع اللغات. الإنسان يولد كالصفحة البيضاء بدون معلومات، وكل شيء عنده مكتسب {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (النحل 78) الإنسان اليوم أيضا لا يعرف المجردات الا بالتعليم. تعليم آدم بدأ أولا بتجريد المشخص اي إطلاق رموز أسماء على الموجودات حوله، بدأ بالتسمية، يميز الأشياء عن بعضها، كما نفعل في علم الرياضيات مثلا فنقول الجاموس سنسميها (س) والبقرة (ق) والجمل (ج) والأسد (د) وهكذا.. هذه هي المرحلة التقليدية أو مرحلة التحاكك بالأشياء. هي مرحلة آدم الأول (بشر). وفيها ظهر وعي الشخص الثالث. وهذه المرحلة الاولى التقليدية التي كان يقلد الأصوات ويتعلمها من الطبيعة ومن الحيوانات أتت بعد تعليم البيان {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} (4 الرحمن). اعطاه الله حنجرة إخراج الاصوات. وربط المشخصات بأسمائها.

وهذه المرحلة هي تمهيد للمرحلة التي تليها وهي مرحلة آدم الثاني (إنسان). التي تبدأ بكلام الإنساني بما فيها الأمر والنهي والمعنى المجردة. وثانيا بدأ بتعليم المجرد {تَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ} التلقي يكون من الخارج، أي تعليم آدم المجردات جاء من الخارج، لا يكون الا هبة من الله. مثل إلهام في القلوب.  المجردات هي الاحاسيس المجردة مثل (التوبة والفرح والسعادة والحب العطاء الحنان و..) وهي اشياء لا يمكن ان تمسكها بيديك ليست مشخصات انها مجردات تطلبت نفخة ربانية.

وتعليم الانسان التجريد للمشخص كان أحد أهم ادوات آدم للخلافة في الارض، فالتجريد الذي نسميه حديثا علم الرياضيات (متماوتيك) هو اساس أي اختراعات حديثة، ولا اختراع ولا ابتكار دون تجريد. ولذلك يقول العلماء ان الرياضيات سبقت الفيزياء ومهدت لها الارض واسهمت في وجودها كعلم. فارتقى البشر ادراكيا ونمى عضويًا وأصبح إنسانًا وبالتالي هيّئه الله ليكون خليفة. (جعل)    

هنا يجب ان لا نفهم ان هذا التلقي والتعليم وحي يحتاج الى لغة مجردة. بل انما هو الهام إلهي ألهمه الله وألقاه على قلوب جنس البشر ليهيئه للإنسانية، مثل ما اوحي الى النحل {وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} (النحل 68) ولا نفهم أن الله جلس مع آدم وعلمه كما نعلم الأطفال بل يجب ان نفهمها فهما ماديًا رحمانيا. بل أصبح يميز بواسطة الحواس "السمع والبصر" ويقلد بواسطة الصوت "السمع" وبواسطة الصوت والصورة معا. هيئه الله لنفخ الروح. {ثُمَّ عَرَضَهُمْ} اَي عرض المسميات المحسوسات لا الأسماء، والا لقال: {وعرضها} ولا يرض الا المشخص. والمعاني تشكلت بالتقليم {عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} لأن للملائكة قلمهم الخاص بهم لتمييز الأشياء بعضها من بعض. (يحتمل مثل ديجيتال) {إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم} النبأة يأتي بمعنى الصوت أيضا، ومنه سمي النّبأ.  لأنه ينتقل من شخص لآخر. وليس من نَبَأَ أي أخبر عن الغيب. {بِأَسْمَائِهِمْ} اي بواسطة النبأ "الصوت" الدالة على الاسم. فربط بين الصوت والاسم وهذه المرحلة ظهر فيها التقطيع الصوتي.

 الاصطفاء

وبعد تشكل خزانة البشر في المكالمة وتراكم المعرفة بدأت مرحلة إختيار جنس من هذا البشر الذي تقدم أكثر من المعرفة لأن يختاره الله لنفخ الروح. واصطفى منهم جنس آدم: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} (33 ال عمران). فالاصطفاء هو الاختيار. ‏الاصطفاء لا يكون الا إذا وجد أكثر من جنس من البشر. يعني ان هناك نوع اخر من جنس البشر موجود واختار الله آدم من بينهم. وفُضّل على المخلوقين الاخرين وكرم به: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (70 اسراء) وصار اهلا للخطاب الإلهي وتشكل عنده وعي لتقي الأمر والنهي. وأول أمر تلقاه الإنسان من الله هو: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} الغابة او الحديقة التي فيها طعام وماء وظل. وهذا هو أول {وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا} واول النهي كان: {وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} وكان هذا الطلب اول ظاهرة من الظواهر التشريع البدائي.  وهذا الامر يتعلق بظاهرة من مظاهر الطبيعة الشائعة والبارزة لدى الانسان. وادخل الشيطان في وهم الانسان بأن هذه الشجرة فيها الخلود "الباطل" حيث كان لدى الإنسان غريزة البقاء فلعب الشيطان بهذه الغريزة حتى أدخل الوهم الى فكر الإنساني. في هذه المرحلة بدأ البشر يصبح انسانا، وكان أحد من هذه الأجناس البشري النياندرتالي. (انقرض قبل ثلاثين ألف سنة، سنشرحه في آخر المقال) عاش زمنا طويلًا جنبا الى جنب مع جنس آدم.  لقد أنشأ الله هذا الانسان من ذرية قوم آخرين. وهم البشر: (كَمَا أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ) (133 انعام). الاصطفاء تمّ بعد الهبوط الاول. فآدم هو المرحلة بين الهبوط الاول والهبوط الثاني. يشمل الذكر والانثى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (13 حجرات) والناس مفرد جمعه انسان. والآية تتحدث عن الخلق الاول. 

نفخ الروح

{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} (29 الحجر) اَي إذا أعطيته المعرفة، الروح: هي المعرفة والتشريع المرتبطان بالإنسان. بدأت عند الإنسان بتعليمه الأسماء، كبداية للفكر الإنساني المبنيّ على عدم التناقض ثمّ الانتقال إلى التجريد. لذا سُمّي الوحي روحاً في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} (الشورى 52) لأنّه أوحي إليه المعرفة والتشريع. نفخة الروح هو أمر الله. هو إعطاء المعرفة. الروح ليس لها وجود موضوعي وهي خارج الوعي الإنساني. الروح ليست سر الحياة. الموت والحياة من مخلوقات الله. بل هي سر تحول البشر الى الإنسان. هي المعلومات المعرفية والقيم الذي أعطاها الله للإنسان.  وأوامرا لله أيضا هي الروح. الصلاة روح. لأنه من أمر الله. لأنك لا ترى الصلاة إنك ترى من يصلي. والصوم روح من أوامر الله. لا ترى الصوم بل ترى من يصوم. كذلك التقوى والإحسان. الروح أوامر رب العالمين والمعرفة. وجبريل نقل شيئين: الأول الأوامر والنواهي والثاني المعرفة. النفس تموت الروح لا تموت. الحيوانات ليست لها روح. بل لها نفس وحياة وهي حية.. 

{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا * وَلَئِن شِئْنَالَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا} (86 اسراء). اَي ان الروح هي أوامر رب العالمين لان الآية التي تليها تذكرنا بالقرآن. وقوله تعالى: {وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ..}  (52 الشورى) {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ..} (2 النحل) {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ   وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْر} {فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} (17 مريم) {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ} (9 سجدة) إن آدم بعد نفخ الروح جُعِل له برامج الوعي والادراك ك{السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ} بأسماء الأشياء ابتداء من المشخص بتقليم المسميات ثم انتقل الى المجرد بمفهوم التوبة { فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} التلقي يأتي من الخارج. ادخل الله في ذهن آدم المجردات. قام الله بتعليمه وتفعيل هذه البرامج. وجاءت الأنبياء ليحققوا قفزات معرفية في مسيرة الحيات الإنسانية، وجاءت الرسل لتحقيق قفزات تشريعية، وختمت الرسل بمحمد ص. والكتب بالتنزيل الحكيم.  

النفخ: تسريع الشيئ. وهي الطفرة. بنفخ النار نسرع الحرارة فوق ما هو المعتاد. أي ادخلت المعلومات بتدخل خارجي بسرعة غير معتادة. وهي الطفرة.  

{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} (الإنسان 1) الدهر المذكور هو الزمن التطور قبل نفخ الروح، حينما كان بشراً، وبنفخ الروح صار إنسانا. وهذه المدة استغرقت ملايين السنين.

السجود لآدم

بعد الاستواء والتعديل ونفخ الروح واعطائه العلم والمعرف عرضه على الملائكة وقال: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * الَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} (بقرة 72-74) تفصلها في أية اخرى قال للملائكة اسجدوا لآدم وامر ابليس بالسجود. {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْأَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} (أعراف 12) ان الله ما قال للشيطان اسجد بل أمره بالسجود. مخالفة الأمر ممكن ولكن مخالفة القول غير ممكن.

 

بداية الإنسانية

بعد نفخ الروح والتلقي بالتوبة انتقل البشر من المشخصات الى المجردات وصارت عنده معلومات ومعرفة، بدء يقلم الأشياء ويربط بين الأسماء والمسميات، ويفهم الأوامر والنواهي وبالتالي خرج من مملكة الحيوانية البشرية وارتقى الى درجة الإنسانية قابلا للخطاب الإلهي. {فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ} (117 طه) {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ} (120 طه) الشيطان رمز الشر. أغرى آدم بشيئين: بالموت والمال. {شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ} إنه رأى الفناء والموت وما يفني من الطبيعة. الوعي بالخلود والزوال نشأ من الروح والتمييز بين الأشياء. الشيطان وعد آدم بالخلود وبشهوة التملك. هذه هي من الغرائز البشرية، والشيطان دخل من مدخل الغرائز الفطرية. فكان آدم يعرف الخلود والفناء، والا فكيف يكون الاغراء بشيء لا يعرفه وغير موجود. وقال لهما: {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} (20 الأعراف) وَصْفُ هذه الجنة يختلف عن وصف جنة الخلد، التي فيها الخلود واخفاء ظاهرة الموت. إن جنة آدم ليست جنة الخلد، بل كانت في نفس الأرض التي نعيش فيها {انَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ} (118 طه) هذه الجنة تشبه الغابات التي فيها ثمار طبيعية بحيث يأكل بدون ان يعمل. ولا تَعْرى: يمكن ان تكون من العراء لا من العريان. اي الخروج من الغابة الى الصحراء. (فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ) (145 الصافات) {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى}ٰ (طه 55) وفي الغابة يوجد مياه {وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا} وفيها الظل {وَلَا تَضْحَىٰ} (119 طه) {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} (البقرة 36) {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} {طه 115) طول العهد في الجنة جعل آدم يملّ، ولذلك قام بتجربة أكل من الشجرة ليبرهن حريته. ضيع العهد ونسي، طول العهد في نمط واحد يُمَلِّل، كقوله تعالى: {أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ} (86 طه) بنى اسرائيل ضيعوا العهد ونسوا. النسيان ليس بمعنى الغفلة، بل بمعنى لم يهتم بالعهد. كقولنا نسيت احسان أبويك. {قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ} (24 اعراف) الهبوط: هو الانتقال من حالة الى حالة. هذا هو الهبوط الأول. {إلى حين} وهذا هو الامر والنهي الأول للإنسان الابتدائي. ويلزم ان يكون مشخصا، كالشجر. خلال طول الزمن في الجنة بالطاعة ملّلت ادم. بدأ يفكر حرًا في الاختيار. قام باستعمال الحرية. عبر عن حريته. وهو بحريته خالف الطاعة الدائمة. ومن الطبيعي ان يكون له ما يخالفه (الشيطان) حتى اختار. وجود المعصية دليل على حريته. 

رب العالمين يحب ان يعصى ويستغفر. جدلية الطاعة والمعصية والتوبة. كل بني آدم خطاؤون وخير الخطاؤون التوابون. 

{فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ} (121 طه) 

وَعى فحسَّ بالمعصية فبدت لهما ما فعلوا من سوء. فبدأ يخبئ نفسه مثل سلوك الطفولي. {فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (37 البقرة). التلقي مجرد ويأتي من الخارج، حتى اليوم اللغة لا تكون الا بالتعليم من الخارج. البشر بالفطرة يقلد الأصوات ولكن اللغة يكسبها بالتعلم. الإنسان حينما يرى كلبا يقول: حاٰوْ قبل ما يقول كلب. وإذا رأى قطة يقول مِيَاوْ قبل ما يقول قطة. في الطبيعة لا توجد مجردات. الغرائز البشرية مع المعرفة ومع القيم الأخلاقية تبدأ بنفس الأنسنة. {ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها} {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ * قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ} (123 بقرة) 

هذا هو الهبوط الثاني.  إن الله قال عن آدم أبويكم ولم يقول والديكم ولذلك هو أبو الإنسانية ليس والد البشرية. إن آدم أول مخلوق تَأنْسَنَة. أو هو الفاصل بين البشر والإنسان. ‏فهذا يعني انه كان قبل آدم بشر على وجه الأرض {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَا كُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (13حجرات}

 

جعل آدم خليفة 

وبعد الانتصاب على القدمين وتحرير اليدين وتشكل الأصوات واللغة قال الله للملائكة {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}. أي سأحوله الى شكل حتى يكون أهلا للخلافة. اي ان هذا البشر تمّ تسويته وأصبح جاهزا للتغير في الصيرورة ليصبح خليفة في الأرض.

يعتقد العامة وكثير من الخاصة أن الإنسان بداية بآدم هو خليفة الله في الأرض –تعالى الله- والخلافة تعني أن يقوم الخليفة مقام الله كما يقوم الوارث بعد وفاة المورث، والوكيل بعد غياب الأصيل والخلف بعد زوال السلف وكما يخلف الوالد الجد والولد الأب والحفيد الولد وكل متأخر ومتقدم فيكون له سلطان بعد زوال سلطان من قبله.

والخلافة مأخوذة من قوله تعالى للملائكة [إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً] والفهم المذكور خطأ، والخطأ في الفهم والاستدلال جلي واضح لأن الله موجود على الدوام وحي أزلي بلا زوال، لا يعتريه عجز ولا قصور وهو سبحانه كامل، ومثله لا يحتاج إلى خليفة لأنه هو الخليفة، فهو الحي الباقي الوارث، قال تعالى [ونحن الوارثون] وفي الحديث: (اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل). إن القول بخلافة الإنسان لا يعني خلافته لله وإنما يعني خلافة الإنسان للإنسان كما في قوله تعالى {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ} [ويقول الأستاذ كابوري في كتابه البصائر: والخلافة في الأرض مكانية وزمانية يتناوب الخلفاء عليها قرنا بعد قرن جيلاً وقبيلاً. وأصل الخلافة قائم على وحدة الأجناس والأنواع ولذلك نحكم على أن الذين سبقوا آدم أنهم كانوا مثله في الإنسانية وجوهر التكوين وإن كانوا مختلفين في العلم والتكريم ونوع الوظيفة.

الذين سبقوا آدم كانوا مسله في الإنسانية وجوهر التكوين ولكن ناقصين في العلم والمعرفة من جنس آدم.     الزوج المذكور في قوله تعالى {يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّة} تعنى القرين احيانا كثيرة ولا تعنى شريكة الحياة، فقد تعنى شريك او شريكة المهمة قال تعالى {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ} (22 الصافات) هو هذا الجنس الناقص المعرفة. والإصطفاء لا يكون الا إذا كان هناك جنس أو أجناس أخر. يمكن ان يكون الجنس الذي وُجِد آثاره من قبل علماء الأثار، وانقرض من قبل ثلاثين ألف سنة (النيندرتالر) ويمكن حمل الخليفة على معناها الاجتماعية، جعله خليفة اَي أعطاه السلطة للأمر والنهي وسخر له الطبيعة. اَي أعطاه المعرفة. ووصفه بصفاته. مثل العليم والخبير والرزاق والمعطي والمانع الخ. الا لفظة الله ولفظة الرحمن. هذين خاصان بالله وحده. {قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} (الإسراء 110) {وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي} اي لك الحكم بالأمر والنهي.  {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَق}. اي لك الامر والنهي والحكم. واعطاه القوة. {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} (10 الخليفة): هي السلطة والمعرفة. جعل الخلافة في الارض: عيّنه للخلافة وحوله روحا وبدنا لان يكون اهلا للخلافة. نفس التعبير لآدم فيها صيرورة وتكريم. {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} لأنهم رأوه وكانوا يعرفونه، كان في المملكة البهيمية، وكان يسفك الدماء {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} الملائكة أرادوا ان يكونوا هم الخليفة. لأنهم نقضوا البشر بالفساد في الأرض ومدحوا أنفسهم. {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ} (الأنعام 133) القوم الآخر هو البشر قبل الاَنْسَنَة.  مفهوم الخلافة في الأرض، هو انه خلافة بما أمده الله من قدرات وإمكانيات لاستعمار الأرض واصلاحها، من خلال الإرادة الحرة التي يتجلى فيها جدل الطاعة والمعصية والخير والشر، وجدل الإرادة والمشيئة الالهية مع إرادة ومشيئة الانسان. لان الله اعطى الانسان خاصة من خاصته وهي الروح. وهي إمكانية المعرفة والتشريع جاهزًا للمعرفة. لا يوجد في المصحف دليل في قصة ادم يدل على نبوة آدم ورسالته. وهو اب البشر ليس والد البشر. والا لتعارض مع هذه الآية: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (213 بقرة). 

 

عبد الرحمن شط

11/12/2011

كولن / المانيا

 

 

 

فكرة داروين في مرحلة الخلق

إن المخلوقات نشأت من خلية واحدة، ان هذه الخلية تكونت نتيجة لتجمع مجموعة من جزئيات البروتينات الذين تكون بدوره من ترابط مجموعة من الأحماض الأمينيةثم انقسمت الخلية الأولى وتطورت وظهرت مخلوقات متعددة الخلايا وهكذا حتى ظهرت النباتات والحشرات والحيوانات الخ.  

ثم وصلت الحيوانات الى قمة تطورها الى الثديياتثم ظهر نوع من هذه الثدييات (القرودومنه تطور الإنسان

ان هناك حلقة مفقودة بين القرود والإنسان نظرا لما يتمتع به الإنسان من عقل وتفكرثم تطور الإنسان تدريجيا في مسار مختلف عن تطور باقي الحيواناتحيث تطور بعقله وذكائهلقد انطلقت نظرية داروين بعد ثلاثة سنوات من اكتشاف اول بقايا لإنسان النياندرتاليحيث عثر عام 1856 على جمجمة في وادي نياندرتال الألماني

وظن البروفسور   Johann Carl Fuhlrottان هذه هي الحلق المفقودة من نظرية داروينلكن لم يفلح

ثم العالم يوجين دوبوا وجد في إندونسيا ما قبل نصف مليون سنة 1948 وأطلق عليها اسم Homo Erectusاي انسان يمشي مستقيمًاوانه لم يقدم حلًا لنظرية داروين. 

ثم وجد العالم رايمون دارت 1924 جمجمة في مدينة Taung في افريقياالتي سماها Taung Child. وهذه 2,5 مليون سنةوظن ان هذه تجمع بين القرد والإنسانوشغل العلماء 30 سنة. ثم اكتشف انها مزورة ثم قال العالم جيرمي ديسلفا من جامعة ميتشيغان أن التصلب بالاشجار لا يوجد في حلقاته العظمية مثل الشمبانزي. حلقاته مفقودة. ثم اكتشف في نهاية الستينات العالم لويس ليكاي ان نظرية التسلسل التدريجي للبشر غير صحيحة. ثم اكتشف دونالد جونسون في اتوبيا هيكلًا يشبه الإنسان التي سماه لوسي Lusy. 3,2 مليون سنة. وبعده اكتشف في عام 1992 تقريبا 74 كم بعيدا من لوسي حولي مليون سنة أقدم من لوسيوهذا يملك سيمات مشترك بين قرد والإنسان لكنه ليس قردا. بل منتصبًا. أسقط نظرية داروين. انه كائن شبيه بالقرد. ان عمره 4,4 مليون سنةوأطلق عليه اسم أردي. أقدم ما وجد على الارض ان أردي ليس شيمبانزي وليس انسانا.

وهذه الجمجمة توضح لنا الصورة التي كنا عليها قديماكان منتصبا وما كان منحنيا مثل القردوليست له انياب مثل القردطوله 120 سنتيمتر وأصابع رجليه تسمح للتسلق على الاشجاروليس قرداًسماه الله بشرًا.  

ان علم الحديث تفترض وجود حلقات مفقودة بين القرد والانسان لتطور البشران النياندرتالي ليس جد الإنسان الحالي (Homo sabiens sabiens) انهما قريبان وينحدران من سلالة Homo eractus.  قبل نصف مليون سنة. لديه جنيات مختلفة.  اختلاف الجنيات يصل الى 3 مليون سنة

تصنيفه من الاقدم الى الأحدث.

 

1- الأسترالوبيتك   Australopithecines

2- الإنسان الماهر أو الحاذق. Homo habilis 

3- المنتصب القامة Homo erectus 

4- النياندرتالي الإنسان العاقل (إنقرض قبل 30.000 سنة) Homo nienderthalensis

5- الإنسان العاقل العاقل Homo sapiens sapiens

العلم يدرس تطور البشر بتقنيات متطورة الإنسان القديم بدأ بصناعة أداواته قبل 1,5 مليون سنة. قبل ان ينتصب في افريقياوالإنسان العاقل النياندرتالي إنتهى قبل 30,000 سنة 





السابق
زلزال سوريا وتركيا حِكم وأسرار

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع