البحث

التفاصيل

تحدید النسل في الدول الغربية

الرابط المختصر :

قد يسأل السائل: لماذا لاتطبق برامج تحديد النسل في الدول الغربية؟ والجواب أن سياسة تحديد النسل طُبقت من قبلُ -ولايزال يُطبَّق- في الدول الغربية وآتت ثمارها المرّة في هذه الدول، وهم الآن یتذوقون من مرارتها، ويريدون تطبيق هذه السياسة على العالم الثالث وخاصة على العالم الإسلامي، لأن- علی حد تعبير أحدهم- إن المجتمع الغربي قد دخل دوامة الموت، ويريد أن يجر العالم وراءه ليحتفظ على سيطرته أولاً ويكبح جماح الدول النامية ثانياً.

نعم! سياسة تحديد النسل طُبقت من قبلُ -ولايزال يُطبَّق- في الدول الغربية، ولكن ليس عن طريق المنظمات العالمية والأممية ومنظّمة الصحّة العالميّة، بل عن طریق القوانین المدنية وقوانين الأحوال الشخصية.

 الناظر في القوانین الدول الغربية یجد أن ال‍مُشرِّع الغربي يؤسس مشروعية الاتصال الجنسي بین شخصين علی التراضي أو الموافقة، ولیس –كما هو عندنا- علی الزواج الشرعي أو القانوني؛ وبعبارة أخری، إذا أراد رجل أن یعاشر امرأة معاشرة جنسية أو بالعكس، فلیس شرطاً أن يكون بينهما عقد زواج شرعي أو عرفي أو قانوني، بل مادام هناك تراضٍ بين الطرفين، فيعتبر هذا الاتصال مشروعاً وقانونياً؛ فالتراضي أو الموافقة هو الأساس القانوني للاتصال الجنسي و لیس الزواج الشرعي، وتختلف أعمار الموافقة للنشاط الجنسي حسب حکم القضاء، والحد الأدنى لسن الموافقة يتراوح بين 14 إلی 18 سنة في أوروبا، وهذا هو السن الذي يمكن من خلاله أن ينخرط الشاب/الشابة بشكل قانوني في فعل جنسي غير تجاري مع شخص أكبر سنًا، بغض النظر عن فارق السن بينهما .([1])

ومن هذا المنطلق لم يعد الزنا جريمة في أي دولة أوروبية ولایُعتَبر مخالفاً للقانون مادام يتم بالتراضي، سواء كان الزِّنا من مُحصَن (Adultery) أَو من غير مُحصن (Fornication)، وأما في الولایات المتحدة الأمريكية فاعتبارًا من عام 2022م، لم يعد الزنا جريمة جنائية إلا في 16 ولاية من إجمالي ۵۰ ولاية، وتتراوح العقوبات في هذه الولايات بين غرامة قدرها 10 دولارات إلی500 دولار أو السجن لمدة لا تزيد عن عام واحد إلى خمس سنوات، ومع ذلك الملاحقات القضائية نادرة.([2])

ومن البدهي أنه یترتب علی عدم تجريم الزنا، عدم تجریم الخیانة الزوجية (Infidelity أي أذا خان أحد الزوجین الآخر، لا یحق لأحدهما الاعتراض علی‌ الآخر أو رفع دعوی قضائية ضده، لأنها تتم برضا الطرفين. (تقنین الدِّياثة)

هذا من جانب، ومن جانب آخر إذا تم الاتصال الجنسي بین رجل وامرأة بغیر التراضي أو بالعنف، فیسمّی هذا العمل اغتصاباً (Rape) ويعتبره القانون جريمة يعاقب علیها؛ وهذا أمر محمود، ولكن المضحك المبكي أن هذا القانون يسري علی الزوجین أيضاً، بمعنی أن الزوج لو أراد أن یجامع زوجته الشرعية والقانونية بغیر رضاها، فللزوجة الحق أن ترفع دعوی الاغتصاب أو (Rape) ضد زوجه في المحكمة، فلو استطاعت أن تُثبت دعواها ضده، تكسب القضية ويُحكم علی الزوج بالسجن، والعكس صحيح.

وتظهر هشاشة هذا القانون الذي يصف الاتصال الجنسي بين الزوجين إذا كان بدون رضا أحد الطرفين بالاغتصاب، عندما عرفنا أن هناك "واجب جنسي" بين الزوجين بمجرد إبرام عقد الزواج، فالرضا متوفر من تاريخ العقد، وليس من حق أي طرف أن يـُحَرّم الطرف الآخر من المعاشرة الجنسية بدون عذر شرعي أو صحّي، لأن هناك "واجب جنسي " بين الزوجين، وهذا هو جوهر تعريف الزواج سواء في الشريعة أو في القانون الوضعي، ولکن يبدو أن المشرع الغربي، الزواج والسفاح عنده سواءٌ، فما یصدق علی السفاح، يصدق علی الزواج أيضاً.

تصوّر أن زوجاً في أوروبا جاء مُنْهَکاً إلی المنزل بعد عمل يومي، وهو بحاجة ‌إلی اتصال جنسي مع زوجته، لكن الزوجة قبل لحظات قضت وطرها من عشیقها، ولاترغب في المضاجعة مع زوجها، فحسب القانون؛ لا یحق للزوج المضاجعة مع زوجته ‌إلا إذا تطوعت ورضیت، فإذا لم ترض الزوجة وأقدم الزوج علی المضاجعة معها بغیر رضاها، فیعتبر القانون إقدام الزوج هذا جريمة اغتصاب ویعاقبه علیها.

فماذا يفعل الزوج إذن؟ الجواب أن القانون یعطي الحق للزوج أن یضاجع مع أي امرأة أجنبية شاء، بشرط أن تتم المضاجعة بالتوافق والتراضي، ومثله تماماً یصدق علی الزوجة.

هذا بالنسبة للعلاقة بين للزوجين؛ أما بخصوص الإنجاب والأولاد، فلطبیعة القوانين؛ الأبوان لهما دور ضئيل في تعليم الأولاد وتربيتهم، والدور الأكبر في تعليم الأولاد وتربيتهم تتولّاها الدولة من خلال وزارة التربية والتعليم.

والسبب يرجع ‌إلی قانون المساواة بين الجنسين الذي يشمل جميع نواحي الحياة بما في ذلك قانون النفقة؛ حيث إن الزوج في الغرب ليس وحده مسئولاً عن النفقة تجاه زوجته وأولاده بموجب القانون- إلا إذا تطوّع- ولذلك فإنّ الزّوجين يشاطران النفقة وتكاليف الحياة معاً، فبالتّالي فهما مضطران للعمل خارج البيت سواء بسواء لتغطية مصاريف المنزل. وبسبب غیاب الأبوين؛ فإن الأطفال –إن وُجد- يقضون جُلّ أوقاتهم إما في الحضانة وإما في الروضة وإما في المدرسة، وبالتالي فهم يتلقّون جُلَّ تربيتهم وتعليمهم من المربين والمربيات والمعلمين والمعلمات الموظفين عند وزارة التربية والتعليم.

قد يقول قائل: فأين المشكلة؟

المشكلة تظهر عندما تتعارض تربية الدولة مع تربية الأبوين أو تتعارض ثقافة الدولة مع ثقافة الوالدين في تربية الطفل، وهنا يُنزَع السلاح من أيدي الوالدين.

هبْ أن الطفل/المراهق يتلقى تعليماً في المدرسة يتعلق بتطبيع المثلية الجنسية أو الزنا أو اللواط أو ما شابه ذلك، ويُقنعونه أن مثل هذه الأعمال تندرج تحت حقوق الإنسان، فماذا يستطيع الأبوان فعله إذا رفضا وأنكرا مثل هذه التعليمات لطفلهما؟

      كل ما يستطيعان فعله هو النصيحة بالحكمة والموعظة الحسنة وإقناع الطفل أو المراهق بأن هذه التصرفات عندنا قبيحة وشنيعة ومنكرة ولاتتناسب مع ثقافتنا وديننا وأخلاقنا.

فلو اقتنع الولد بالنصائح وأطاع الوالدين، فبها ونعمت والأبوان محظوظان، وأما إذا لم يقتنع ورفض تعليمات الأبوين ووقف في وجههما، فهل يُلزِم القانون الولد بطاعة الوالدين وهل يعطي القانون حق الولاية للوالد على الأولاد؟

كلّا! لیس للوالد حق الولاية علی أولاده كما أن لیس للزوج حق القوامة علی زوجته، فلو عارض الأب تصرفات ابنه أو ابنته أو منَعَهم من التصرفات التی لاتتوافق مع معتقداته وثقافته، فلاحول ولا قوة للوالد في إ‌لزام ولده بما يريد، بل بالعكس؛ تحت ذريعة حقوق الطفل؛ للولد الحق أن يتقدم بالشكوى إلى السلطات الحكومية ضد أبيه أو أمه، وهنا تتدخل الحكومة لإنقاذ متربّيها من جور الوالدين!!!، فأحياناً تحكم على الوالدين -أو أحدهما- بالسجن، وفي حالات أخری تَسحب الأطفال قسراً من عوائلهم وتُسلّمهم إلی عوائل أوروبية كما هو الحال بالنسبة للخدمات الاجتماعية أو الإدارة الاجتماعية في السويد وتُعرف أيضاً بـ «السوسيال».([3])

طبعاً هذا إذا لم يبلغ الولد سن الرشد (أي ثماني عشرة سنة)، فإذا بلغ سن الرشد، فهو بالخیار؛ فلو قررت البنت مثلاً أن تبقی في بيت الأبوين، فالأب غير مكلف بالإنفاق عليها؛ لذا فهو يجبرها على أن تجد لها عملاً إذا بلغت ذلك السن، ثم إنه كثيراً ما يكلفها دفع أجرة الغرفة التي تسكنها في بيت أبيها،([4]) أما لو قرر الولد/البنت أن يغادر بیت الأبوين، فيغادره من غير رجعة ليكافح مصیره لبناء مستقبله، وليس للأهل سلطة عليه، يفعل ما يشاء ولا يحقُّ للأهل منعه من أي شيء يريده، ولا يجبر القانون الأولاد بالإنفاق علی أبويهم مهما كبُرا أو احتاجا، وقد يذهب الولد ولا يسأل عن أبويه، فالولد يعذّب أهله بتربيته صغيراً ولا ينفق عليهم كبيراً ويتركهم ولا يسأل عنهم.

هذه هي القوانین التي تنظم العلاقات بین الزوجین وبین الوالدين والأولاد في البلاد الغربية.

زوجتك لیست لك وحدك، بل هي للجميع، وبإمكانها أن تضاجع من شاءت ومتی شاءت، لأنها حرة تملك نفسها ولیس لك أن تزاحمها في حريتها، والعكس صحیح.

أولادك لیسوا لك، بل هم للحكومة، الحكومة تعلمهم وتربیهم وتنشئهم وفق نظامها ومنهجها وتخطیطها و لیس لك ناقة ولا جمل في معارضة المنهج.

      الأولاد لیسوا ملزَمين بطاعة الوالدين فحسب، بل تحت ذريعة حقوق الطفل بإمكانهم عقوق الوالدين بحكم القانون!

یا تُری في ظل هذه القوانين هل هناك مبرّر منطقي أو دافع عقلاني للزواج وتكوین الأسرة؟ طبعاً لا؛ قيل لشاب أمريكي: لماذا لا تتزوج؟ فَرَدَّ قائلاً:الذي يُؤتَى بالحليب الطازج كل يوم عند باب بيته، فلماذا يُنهِک نفسه في تربية الأبقار؟!

هذا ومع تقديم کثیر من الــحُزَم التشجيعية والتخفيزية من قبل الحکومة للإنجاب وتکوين الأسرة، ولکن إقبال الناس علی الإنجاب قليل، لأنهم یرون أنه لاجدوی من إنجاب الولد وتکوین الأسرة، ولذلك یلجأ كثیر من الغربيين إلى المساكنة بَدَل الزواج وتكوين الأسرة –والمساکنة هي أن يتفق شاب مع شابة على العيش المشترك بدون عقد شرعي- أو العلاقات الجنسية الحرة أو اقتناء الحیوانات الأليفة في المنزل مثل الكلاب والقطط، لأنهم یرون أن مشاكل اقتناء الكلاب والقطط أقل بكثیر من الزواج وتكوين الأسرة، فعلی الأقل هذه الحیوانات المسكينة لا ترفع دعوی قضائية ضد أصحابها ولا تقودهم إلی مخفر الشرطة وغیاهب السجون.

أرأيتم كیف استطاع المشرّع الغربي أن يطبق برنامج تحديد النسل من خلال القانون المدني وقانون الأحوال الشخصية؟ وهاهم الآن یریدون تطبیقه علینا من خلال الأمم المتحدة وقرارات المؤتمرات الدولية.

ومن باب الإنصاف؛ لايفهَمنَّ أحد أن ما قلناه سابقاً هو الواقع المعاش في الدول الغربية، أو يتصور أن النساء الغربيات کلهن مومسات وعاهرات وخائنات، ورجالهم کلهم زُناة وفُجّار وخونة، أو لايوجد هناک إنجاب أولاد ولا أُسرة مستقرة.

لا أبداً! نحن نتحدث هنا عن البعد القانوني للزواج وتکوین الأسرة في البلاد الغربية، ولیس عن البعد الأخلاقي ولا عن الواقع الذي یعیشه الناس؛ فلاشک أن بجانب تلک الصورة السوداویة التي ذکرناها آنفاً، هناک ملایین من الناس في هذه الدول لديهم أُسَر مستقرة وأزواج أوفياء، يعتبرون الزنا والخیانة الزوجية فاحشة ورذیلة، ويؤمنون بالقيم الأخلاقية وملتزمون بالدين والعفة والأمانة والأخلاق الحميدة والقيم الإنسانية.      

الهوامش:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) انظر: ویكیبیدیا الموسوعة الحرة [Ages of consent in Europe] علی العنوان التالي: HTTPS://EN.WIKIPEDIA.ORG/WIKI/AGES_OF_CONSENT_IN_EUROPE
[تاريخ الزيارة12/01/2023]
2) انظر: ویكیبیدیا الموسوعة الحرة علی العنوان التالي:
https://en.wikipedia.org/wiki/Adultery_laws#cite_note-78 [تاريخ الزيارة:۱2/01/2023]
3) انظر: تفاصیل الخبر علی العنوان التالي:
https://web.archive.org/web/20220201061638/https://www.centersweden.com/%D9%81%D8%B6%D9%8A%D8%A9-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D8%B9%D8%A7%D8%A6%D9%84%D8%A9-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%8A%D8%B3%D8%AD%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D9%84// 
[تاريخ الزيارة:۱4/01/2023]
4) انظر:وهبي سليمان غاوجي، المرأة المسلمة،(بيروت: مؤسسة الرسالة، د.ط، 1982م) ص180

 





التالي
حرق المركز الإسلامي بمدينة تورتونا في إيطاليا (صور)
السابق
لماذا يبتلينا الله بالمصائب الكبرى؟!

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع