البحث

التفاصيل

ما الفرق بين الذنب والسيئة وبين الخطيئة والخطايا؟ وما الفرق بين المغفرة والكفارة وما بين السفح والسمح؟

الرابط المختصر :

لقد ورد الذنب في المصحف بمختلف مشتقاته في تسع وثلاثين موضعا، في ثمانية عشر منها يربط الذنب بالمغفرة. والسيئة وردت بمختلف مشتقاتها في المصحف في ستين موضعا. في خمسة عشرة منها تربط السيئة بالتكفير. وبالعكس لم يرد، اي لم يرد الذنب بالتكفير ولم ترد السيئة بالمغفرة. {...رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا َتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} (آل عمران 193)

الذنب: هي المعصية بين العبد وبين الله فقط، وليس لها علاقة بحقوق العباد.

له ثلاثة اصول. الأول: الجرم (القطع) يقال أذنب يذنب، والاسم: المذنب. والثاني: مؤخر الدواب، اي عقب كل شيء، يقال للأتباع ذنابي الذانب التابع. الثالث: كالحظ والنصيب.

وفي المصحف ورد بالمعنيين معا، وهو عمل يحمل معني المعصية (القطع) وله تبعة وذيول. فإذا ارتكب انسان الفاحشة التي حرمها الله، فقد قطع أمراً من اوامر الله، ولهذا القطع تبعة تقع على عاتق مرتكب الفاحشة. ولذلك مرتكبها مذنب مع الله، فعصيان أوامر الله، معصية يتبعها ذنب مع الله بنسبة لمرتكبيها.

واما ترك الشعائر والتكاليف كالصلاة والصوم والحج والذكاة فهي من الذنوب في حق الله تعالى ليست من السيئات. قابلة للتوبة والاستغفار، فبتركهم لا يتضرر أحد ولا يساء بأحد. الا ان في بعضها مثل الشورى والقتال فيها حقوق المجتمع من السيئات وفيها الذنب بترك أوامر الله.

السيئة: هي التي بين العبد وبين الناس. انت تسيء الى الآخر وهو له عليك ذنب.

من فعل سوأ، هي من باب القبح. نقول رجل أسوأ اي قبيح، وامرأة سوآء اي قبيحة. قال رسول الله (ص): (سوآء ولود خير من حسناء عقيم). ولهذا سميت السيئة سيئة، وسميت النار سوآء لقبح منظرها. كقوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى} (الروم 10) وضد الإساءة هو الإحسان.

فهناك علاقة بين الذنب والسيئة، الذنب تكون بدون سيئة ولكن السيئة لا تكون بدون ذنب. مثلا إذا أفطر أحد في رمضان، وهو قادر على الصيام فإنه لم يسيء لأحد بإفطاره، بل عصى الله في أمر وتكليف وهو قادر عليه (فهو يرتكب ذنبا). لأن الله يُعبد طاعةً ومعصيةً، فالإنسان يذنب بمعصيته، ولأن الله لا يحسن اليه ولا يساء اليه وهو غني عن العالمين. {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} (الإسراء 7) فالإساءة لا تكون الا من انسان للإنسان أو من إنسان لكل المخلوقات الأخرى. ولهذا فالذنوب بدون سيئات لاتكون الا مع الله تعالى. {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} ( الزمر 53) العباد يتضمن العباد المطيعين والعاصين على سواء، ويخبرنا بأن جميع الذنوب قابل للمغفرة، بدليل قوله تعالى: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} (3 غافر) باستثناء ذنب واحد وهو الشرك التجسيدي {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} (48 النساء) الإحسان يطلب من الله، {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}

السيئة والتكفير

العفو في حق العباد هو التسامح. وفي حق الله هو الاستغفار. فإذا غش زيد عمرا فقد أساء اليه، وإرتكب في حقه ذنبا، لا يزول الا بإصلاح اثار الإساءة. فإذا اراد الله ان يغفر لزيد ذنبه، فلابد من إرضاء عمرو وتعويضه عما لحقه من الإساءة الواقعة عليه. ومن هنا نفهم معنى التكفير الوارد في المصحف المرتبط بالسيئة.

فالتكفير وهو من كَفَرَ وهو التغطية مع علم سابق. مثالا: كأن اردت أن تشتري شيئا ولكن فلسك الموجودة في حسابك البنكي لا تغطي المبلغ، تذهب وتغطي حسابك وتسدده بفلس زيادة حتى يمكن شرائه. هذه هو مفهوم قوله تعالى {وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} اي فلكي يغفر الله ذنوبكم، يقوم الله بتسدية وتغطية حقوق الآخرين عنكم لإرضائهم.

فالإنسان الذي يريد ان تكفر سيئاته فاليحسن واليعمل صالحا {.. إن الحسنات يذهبن السيئات..} فالمسلم الذي يؤمن بالله (إيمان الإسلام) وبعد ذلك يؤمن بمحمد رسول الله وهو رأس الإيمان سيكفر عنه سيئاته ويغطيها تجاه الآخرين، ويتعهد ان يسدد لهم حقوقهم ويرضيهم. بدليل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} (محمد 2) وان مقولة ان الإسلام يجبّ ما قبله غير دقيق، والأصح الأيمان يجب ما قبله. وكذلك الذنوب بعد الإيمان ايضا ستغفر بدليل  قوله تعالى {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ..}.( الصف 12) فالله يبشر الذين يجيؤن بالصدق ويجهدون في برهان مصداقية كتاب الله بانهم من المتقين ومن المحسنين، لقوله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ * لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} (35 الزمر)

وهكذا نفهم ان من أساء على الآخرين يكون لهم ذنب عليه، يصبح مذنبا بحقهم. ولهذا قال موسى لربه: {ولهم عليّ ذنب فأخاف ان يقتلون} وهكذا القاضي يسأل المتهم: هل تعترف بذنبك؟ وهكذا يوم القيامة لا يعزب أحد حتى يعترف بذنبه {فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} (11 الملك)

ونرى أن ميزان الحسنات وميزان السيئات عند الله غير متساو، فهو يجزي الحسنات بعشرة أمثالها ويجازي السيئة بسيئة واحدة من رحمته. كقوله تعالى {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} (160 الأنعام) {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (القصص 84) وهذا قانون جار الى يوم القيامة، بأن الحسنات يذهبن السيئات. كقوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} (هود 114)

يمكن أن نشرحه كالتالي: الشرك بالله ذنب فقط. لا توجد فيه سيئة، لأن الله لا يساء ولا يحسن اليه،

شتم زيد عمرواً:

 ا- زيد أساء لعمرو بشتمه له.

ب- أذنب زيد بحق عمرو، لعمرو ذنب على زيد.

ج- اعتذر زيد من عمرو، كفّر زيد عن إساءته فسامحه عمرو.

غش زيد عمرواً:

ا- زيد اساء لعمر، وذلك بعملية الغش.

ب- أذنب زيد بحق عمر، لعمر ذنب على زيد.

ج- عوض زيد عمراً عن الضرر الذي لحق به، كفر زيد عن إسائته لعمر، فذهب الذنب عن عنق زيد.

والخطيئة: هو ارتكاب الذنب او السيئة عن عمد وسابق اصرار، وليس عن خطأ غير مقصود. {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (81 البقرة) {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} (8 القصص) {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} (النساء 112)

وهذا كله نراه في قصة يوسف ع. وما فعلته إمرأة العزيز تماما. وفيها الذنب والسيئة والخطيئة. {قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (يوسف 25) السوء الذي أكبر من الفاحشة، الرجل الذي أكرم مثواه وأحسن اليه في بيته. والله عصمه من السوء ولكن امرأة العزيز اتهمته بالسوء افتراء وأصرت عليه فأذنبت بحق يوسف. فهي مخطيئة {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} (29 يوسف)

والخطايا: فهي الذنوت بحق الله والسيئات بحق الناس بجهل. والخطيئة: بعمد. الخطايا كقول سحراء فرعون: {إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} (73 طه)

وهكذا نفهم الفرق بين {نغفر لكم خطيئاتكم} وبين {نغفر لكم خطياكم} وهذا يتواقف مع قوله تعالى: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (81 البقرة) علينا ان نميز الفرق بين الخَطَأِ في قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (البقرة 286) وبين الخِطْءِ في قوله تعالى {إن قَتْلَهُمْ كانَ خِطْئاً كبيراً}

 

فالخَطَأُ: هو ارتكاب ذنب او اي عمل غير مقصود كالقتل الخطأ

وَالْخِطْءُ: فهو العمل بالقرار. فالولدان حين يقتلان ولدهما انما يقتلانه عمدا وقصداً. لقد سامح الله عن الخطأ ولكن لم يسمح عن الخطء.

 

 

عبد الرحمن شط

كولن / المانيا

22/03/2011





السابق
الإسراء والمعراج ... رسائلُ باقيةٌ من وحي الذّكرى الخالدة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع