تداعيات ومآلات الزلزال على الاقتصاد التركي
بقلم: د. أشرف دوابة
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
قبل أن ينشق فجر السادس من فبراير الماضي، ضرب زلزال مزدوج جنوب تركيا وشمال سورية، بلغت شدة الأول 7.7 درجات، والثاني 7.6 درجات على مقياس ريختر، تبعهما مئات الهزات الارتدادية العنيفة، في ظروف مناخية اتسمت بالبرد القارس، وكان مركز الزلزال في مدينة كهرمان مرعش التركية وامتد إلى 10 ولايات تركية أخرى، و6 محافظات سورية، وقد آثار هذا الزلزال المدمر تساؤلات عن مستقبل الاقتصاد التركي من خلال تداعياته ومآلاته.
التداعيات
لقد كان من تداعيات الزلزال أن وصل عدد ضحاياه إلى أكثر من 40 ألف قتيل، وأكثر من 100 ألف جريح، وتم إجلاء أكثر من 218 ألف شخص، ونتج عنه عدم صلاحية أكثر من 50 ألف منزل للسكنى، وتوقفت الطرق السريعة الواصلة بين الولايات المنكوبة لتصدعها، كما خرجت 4 مطارات من أصل 7 عن الخدمة، وأهمها مطار أنطاكيا الدولي، الذي يعد إحدى نوافذ التصدير الرئيسة لتركيا، وتضررت أنابيب النفط والغاز الطبيعي، فضلاً عن تضرر إمدادات الوقود ونقل الكهرباء، وتوقف ميناء إسكندرون بولاية هاتاي عن الخدمة، بعد اندلاع سلسلة حرائق به، وقدرت خسائر إغلاقه بمبلغ 679 مليون دولار، وهبط مؤشر بورصة إسطنبول بنسبة 16% خلال 3 أيام من وقوع الزلزال، كما خسرت الليرة نسبة 1.5% من قيمتها أمام الدولار الأمريكي.
وبالنظر إلى المكانة الاقتصادية للولايات العشر التي ضربها الزلزال، نجد أن عدد سكانها يبلغ 13.5 مليون شخص، وتبلغ حصتها من الناتج المحلي الإجمالي نحو 9.3%؛ أي ما يعادل 76 مليار دولار أمريكي، حسب أرقام مؤسسة الإحصاءات التركية الرسمية، وتسهم هذه الولايات بـ14% في الناتج الزراعي، و11.2% في الناتج الصناعي، و1% في قطاع السياحة، كما أنها تمثل 8.5% من إجمالي الصادرات، و6.7% من إجمالي الواردات، وتمثل ولاية غازي عنتاب وحدها 4.4% من صادرات تركيا، وولاية هاتاي 1.6%، وولاية أضنة 1.2%، حيث يوجد بهذه الولايات 151 شركة من بين أكبر 500 شركة صناعية في تركيا، وقدرت مؤسسة التصنيف الائتماني الدولية (فيتش) الخسائر الاقتصادية للزلزال بما بين 2 و4 مليارات دولار، كما قدر بنك «جي بي مورجان» التكلفة المادية لخسائر الزلزال بمبلغ 25 مليار دولار.
المآلات
مما لا شك فيه أن للزلزال تأثيراً مباشراً على الاقتصاد التركي الذي يعاني خلال الفترة الماضية من تضخم وصل لنسبة 57.7%، ودين حكومي بنسبة 42% من الناتج المحلي الإجمالي، وعجز للموازنة بنسبة 2.7%، كما أن العجز التجاري للبلاد زاد 138.4% في عام 2022 عن العام السابق إلى 110.19 مليارات دولار، بعد أن قفزت الواردات 34.3% إلى 364.4 مليار دولار، مقابل زيادة في الصادرات بواقع 12.9% إلى 254.2 مليار دولار، واتسع العجز التجاري في ديسمبر الماضي بـ52% مقارنة بالعام السابق إلى 10.381 مليارات دولار، مع زيادة الصادرات 3.1% إلى 22.92 مليار دولار، وارتفاع الواردات 14.6% إلى 33.30 مليار دولار.
ومع ذلك، فإن الاقتصاد التركي اقتصاد ذات بنيان سليم، فهو اقتصاد حقيقي وليس اقتصاداً ورقياً أو وهمياً، ومن ثم له قدرة على مواجهة الصدمات، لا سيما في ظل نمو الناتج المحلي بنسبة 11.4% في العام 2021م، و7.6%، 3.9% في الربعين الثاني والثالث من العام 2022م على التوالي، وبلوغ صادرات تركيا عام 2022م مبلغ 254.2 مليار دولار؛ لذا، فإنه رغم فداحة الزلزال وصدمته الفجائية وإصابته 11 ولاية دفعة واحدة، فإن الحكومة استوعبت الصدمة، وبعدها تمكنت من إصلاح كافة الطرق الموصلة للولايات المنكوبة، وتم تشغيل المطارات، وحتى البورصة بعد انخفاضها بنسبة 16% في الأيام الثلاثة التالية للزلزال، وبعد إيقاف التداول بها 5 أيام عاودت الافتتاح يوم الأربعاء 15 فبراير على ارتفاع بنسبة 9%.
كما أن الليرة التركية عاودت الثبات النسبي، وأطفئ حريق ميناء إسكندرون، وبدأ العمل به جزئياً، فضلاً عن تفعيل العمل في ميناء مرسين لسد النقص في ميناء إسكندرون، كما أن المنشآت الصناعية، لاسيما في غازي عنتاب، لم تتأثر كثيراً بالزلزال وتبعاته.
ومن جانب آخر، وعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإعادة بناء المساكن المهدَّمة خلال سنة، ووضع حزماً مالية لتعويض المتضررين؛ ممثلة في 15 ألف ليرة للأسر مصاريف النقل إلى منزل جديد، و2 - 5 آلاف ليرة بدل إيجار حتى استلام منازلهم الجديدة بعد عام، و10 آلاف ليرة لكل أسرة متضررة، و100 ألف ليرة مساعدة لأقارب الضحايا، فضلاً عن مصاريف وقود لمن غادروا مدنهم المتضررة، وتقديم دعم إضافي للاحتياجات الطارئة، وضخ فوري لحزمة تضامن بقيمة 50 مليار ليرة من القطاع المصرفي من قبل وزارة الخزانة والمالية التركية، وكذلك تقديم قروض وموارد إضافية مضمونة للأعمال والشركات، وحزم لدعم 22 مليون مزارع، وحوافز يستفيد منها 638 ألف دافع للضرائب.
كما أن تبرعات البث المشترك للقنوات الفضائية التركية في حملة «تركيا قلب واحد»، يوم 15 فبراير، وصلت في 7 ساعات فقط مبلغ 6.1 مليارات دولار، فضلاً عن تبرعات العديد من دول العالم وفي مقدمتها الدول العربية، وكذلك سعي الاتحاد الأوروبي لإقامة مؤتمر للمانحين بما يحول دون هجرة المزيد من السوريين.. كل هذا سوف يخفف حتماً من صدمات الأزمة.
كما أن توجه الحكومة لتعمير المناطق المنكوبة وإنفاقها في هذا المجال سيحقق انتعاشاً للقطاع العقاري الذي يرتبط بصورة متشعبة مع القطاعات الاقتصادية الأخرى، وهو ما يسهم في تحريك الطلب الفعال وينعش الاقتصاد، ويحول بين كبوته، مع مراعاة أن تتدخل الحكومة لتحفيض الضرائب على المدخلات المستخدمة في التعمير حتى لا تزيد الفقاعة العقارية المشتعلة أصلاً اشتعالاً.
إن هذه الخطوات الإيجابية تمثل خطوة في تخفيف آثار الزلزال وعلاج تبعاته، ومع ذلك فإن أقصى التقديرات تشير إلى أن معدل النمو لو قدر له أن ينخفض هذا العام فقد ينخفض بنسبة لا تتجاوز 1%، وبعد هذه الفترة القصيرة سوف يخرج الاقتصاد التركي من هذه الكبوة ويتجاوزها بما يملكه من مواطن قوة.