البحث

التفاصيل

جديد واجب الدفاع عن الأسرى والمعتقلين المظلومين

الرابط المختصر :

جديد واجب الدفاع عن الأسرى والمعتقلين المظلومين

" تجديد النظر وترتيب الأثر في الدفاع عن المظلوم"

بقلم: أ.د. نورالدين بن مختار الخادمي

عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

مداخلة عن بعد ب:

المنتدى الشهري الأوّل للأسرى والمعتقلين: "واجب الأُمّة تجاه الأسرى والمعتقلين"

برعاية الـهيئة العالمية لحرية معتقلي الرأي ومؤسسة جسد الإعلامية

"واجب الأُمّة تجاه المعتقلين في رمضان"

الـجمعة 24 شعبان 1444هـ /17 مارس 2023

بسم الله الرحمن الرحيم

توطئة ثناء على التأسيس والإحياء:

مؤشران على نوعية الفعالية الساعية إلى إقامة واجب الأمة تجاه الأسرى والمعتقلين بسبب الرأي الحر والمعارضة للاستبداد والاضطهاد، وهما: حظ التأسيس بأجره وفضله، وحظ الإحيائية الرمضانية لقيم الكرامة والحرية والحق في التعبير والتنظم والتظاهر والدفاع عن المظلومين والمقهورين.

وبتأصيل جزئي لهذا التأسيس والإحياء يتقرر واجب الاهتمام بسائر المظلومين (الأسرى والمعتقلين والمطاردين والمهجرين والمقموعين...)، اهتماما بترفيع الوعي وتكثير الفعل وتطوير الأداء؛ من أجل التخفيف عن هؤلاء وتفريج كربهم وتمكينهم من الالتحاق بعائلاتهم ومجتمعاتهم ونشاطاتهم، وتعزيز القدرات العامة في البناء الحقوقي والتنموي والعمراني، وتطويق بيئات التنكيل والترذيل والتعطيل.

تأصيل الواجب وعيا وفعلا من أوكد أولويات التجديد والإحياء:

أحسب أنّ بيان عنوان هذه المداخلة يكون بعنصرين أساسيين؛ الأول: تحرير مفهوم الواجب تجاه المعتقلين، والثاني: تجديد الواجب المعاصر تجاه المعتقلين.

والباعث على العنصرين؛ مسارنا المعاصر الذي تعاظمت فيه الاعتقالات بسبب الرأي والموقف..، وتزايد الانسداد السياسي، ومسارات العمل اللازم في توزيعه على أكثر الفاعلين الحقوقيين، وتوسيع مجالاته وتعظيم موارده وروافده، ما يجعل المدافعة الحقوقية قوية تثبت أمام التنكيل الممنهج والاستهداف الشامل لكل نَفْس حرة كريمة ونَفَس حقوقي إنساني.

العنصر الأول: تحرير مفهوم الواجب تجاه المعتقلين:

يتناول تحرير مفهوم الواجب خمس نقاط:

* النقطة 1:

 أنّ هذا الواجب واجب وقتٍ، بالنظر إلى تزايد الاعتقالات وتداعياتها في التضييق على الحريات ومنع منجزاتها وحقوق المعتقلين وواجباتهم في الحياة الخاصّة والعامّة. وهو ما يلزم الدّفاع عن هؤلاء للحاجة المتعاظمة إلى ذلك. وقد جاء من معاني تقرير الواجب في وقته الحاجة إلى إقامته تحقيقًا لمصلحته ودرءً لمفسدة تركه، كإقامة الزواج للحاجة إليه المتعينة ببلوغ صاحبه افتقاره إليه على مستويات ذلك نفسيا وجسديا ونَسبيا واجتماعيا..

وواجبُ الوقت لا يجوز تأخيره، لِمَا في تأخيره من فوات مصالحه وآثاره...

* النقطة 2:

 أنّ هذا الواجب واجبُ عَيْنٍ وواجب كفاية؛ هو واجب عين لمن تأهل لذلك، كواجب أصحاب القرار التنفيذي في سلطة أو معارضة، وواجب القريب العائلي كالزوجة أو الزوج إذا كان المعتقل زوجا، وكذي الرّحم الأقرب فالأقرب، ما يكون دفاعه عن معتقله دفاعا مشروعا بموجب القرابة التي تحمل صاحبها جبليا وفطريا على الذبّ عنه والانتصار له.

وهو واجب كفاية عن الأُمّة بمجموعها أو هيئة من هيئاتها، كالهيئة الشعبية والوطنية (شعب أو دولة)، والهيئة الجمعياتية كالمنظمة الوطنية والحزب السياسي والقطاع المهني.  

والكفائية هنا يراد بها تقدّم جَمْعٍ من هؤلاء للتصدّي المباشر للدّفاع عن المعتقلين، لكونهم الأَوْلى من غيرهم في ذلك، لدواع قانونية أو عرفية أو اختصاصية ونحوها؛ ما يجعل تقدّمهم مقبولا ومقنعا ومثمرا، وإن كان المثبطون والمرجفون يروجون لبطلانه وعدم مردوديته، ويسوغون لخلافه بمقولات التغلب القهري والطاعة العمياء ودرء الفتن ما ظهر وما بطن...

وعامة المناصرين للمظلومين والمنافحين عن الحريات والكرامة عليهم واجبات وعي وتذكير وتعاضد معنوي وإنكار قلبي وتداع توافقي جماهيري أو قئوي؛ يحث من هم في دائرة الواجبات العينية على التقدم لذلك؛ حتى تنجو الأمة كلها من الإثم العام بسبب التهاون والترك لواجب الدفاع عن هؤلاء المظلومين بطرقه المدنية والعلمية والاتصالية والدبلوماسية والحقوقية والسياسية والنقابية والرياضية، وبمراكمة الضغط الشعبي المدني والقطاعي الذي أصبح عرفا نضاليا قويا ومؤثرا ومزعجا للظالمين وأركانهم وأعوانهم.

ونظير واجب العين والواجب تجاه المعتقلين المظلومين هو صلاة الجنازة التي إذا قام بها بعض المسلمين، فإنها تسقط عن الآخرين، ولست أدري لماذا توقف -في غالب عام- النظر الفقهي عند هذا النظير وأمثاله، ولم يلامس نظائر أخرى في المجتمع والسياسية والقوانين والفنون والعمران والحقوق، والله المستعان.

وفي حالتي الوجوب العيني والوجوب الكفائي يكون لازما على مجموع الأُمّة الدّفاع عن معتقليهم والعمل من أجل إطلاق سراحهم وتمكينهم من عائلاتهم ومجتمعاتهم. وبمعنى آخر، أنه لا يجوز ترك الدفاع عنهم لفترة؛ ما يمكن تسميته بالفراغ الدفاعي الحقوقي الذي هو في معنى الفراغ السياسي والدستوري والتعبدي، والذي يكون فيه الواجب متروكا وذنبه حاصلا ومآله وخيما.

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المسلمُ أخو المسلمِ لا يَظْلِمُهُ ولا يُسْلِمُهُ«، وقال: «المسلمُ أخو المسلمِ لا يَظْلِمُهُ، ولا يَخْذُلُهُ، ولا يَحْقِرُهُ».

قال النووي: "وأما لا يخذله: فقال العلماء: الخذل ترك الإعانة والنَّصْر، ومعناه: إذا استعان به في دفع السوء ونحوه لزمه إعانته إذا أمكنه ولم يكن له عذر شرعي".

وقال نبيّنا -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-: «مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكى منه عُضْوٌ تَداعى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والحُمّى».

* النقطة 3:

 أنّ هذا الواجب يتردّد بين واجب وسيلة وواجب مقصود، فواجب الوسيلة هو الواجب الذي يكون مقدّمة لواجب مُباشرَة الدّفاع عن المعتقلين، بالمرافعة القضائية والزيارة بالسجون والمعتقلات، ومن صور واجب الوسيلة: تذكير النّاس بواجب الدّفاع والدّعاء للمعتقلين بفك الأسر وتفريج الكربة.

* النقطة 4:

 أنّ هذا الواجب يلزم فعله، ويتعيّن الوعي به وبأدلّـته الجُزئية والكليّة، وبأنّ تركه والتهاون فيه مجلبة الإثم واللّوم، وموضع إدانة التاريخ ومساءلة الوجود.

النقطة 5:

 أنّ هذا الواجب التكليفي (في وقته، وتعلّقه بذمته، ووسيليته ومقصوديته، وحكم تركه) يتنزل في إطار حكمه الوضعي الذي يتكون من سببه الذي هو دخول وقته وقيام الحاجة إليه وانتفاء مانعه، ودخول وقته وقيام الحاجة إليه أمر جلي بالنظر إلى الزمن الحالي الذي تعاظمت فيه الاعتقالات وتكاثرت فيه المظالم، وهو ما يمكن أن نصفه بالزمن الحقوقي من حيث حفظ الحقوق من جهة الوجود بتعزيزها وتكثيرها، ومن حيث العدم بمنع الملاحقات السياسية والاعتقال التعسفي والأحكام القضائية الجائرة...

وتمثّل النقاط الخمس مكونات مفهوم الواجب الشرعي كما استقر في علوم الشريعة (علم أصول الفقه في مباحث الأحكام الشرعية والتكليفية، ومعارف فقهية وتفسيرية وحديثية أخرى).

وأحسب أن دراسة هذا النموذج وأشباهه في مجالات السياسة والمجتمع والعلاقات الدولية تمثل ضربا تجديديا عاليا لأصول الفقه وقواعده، في الدرس والبحث والإفتاء والخطاب والسياسة الشرعية والشأن العام.

العنصر الثاني: تجديد الواجب المعاصر تجاه المعتقلين:

ما أوردناه في العنصر الأول، يمثل ضربا تجديديا على صعيد المفهوم كما استقر في أنظار العلماء وملكاتهم، قبل أن تصاب عقول فقهية وفكرية كثيرة بما أصيبوا به من داء التفريق بين الفروع والأصول، وأهواء التمزيق لحقائق الشريعة العالية ومراد الخالق الأعلى.

وأحسب أنّ تجديد الواجب المعاصر تجاه المعتقلين في رمضان؛ يشمل أربع نقاط:

النقطة 1:

 تجديد مفهوم المعتقلين الذين يجب الدفاع عنهم، وهو مجموع من يُعتقَـل بسبب رأيه الفكري وموقفه السياسي وموقعه في الانتظام المدني والحزبي والحقوقي، ومن دون أن ينظر في ذلك إلى ذات المعتقل ودينه وعرقه وجنسه، فالنظر ينبغي أن يركز على موضوع الاعتقال وليس على ذات المعتقل، ومن هذا القبيل يكون الدفاع، لا عن المعتقل من حيث انتماؤه إلى الدين نفسه الذي يتدين به المدافع عنه، ولا من العرق والبلد والجنس والحزب نفسه، وإنّما يكون الدفاع عنه؛ لأنه معتقل بسبب موضوع سياسي وحقوقي لا بسبب ذاته وشخصه ولونه وجنسه... وهو ما يمكن أن نسميه بالدفاع الموضوعي المتلبس بالشخص، فيكون الدفاع عن المعتقل في رأيه وفكره وحقوقه السياسية والمدنية، والدفاع عن حقوقه الأساسية في معتقله إلى حين تحرره منه، كحقّه في النظافة والماء والكهرباء والتلفزة والرياضة والهواء والسلامة من بيئة البعوض والصراصير والفئران...

وعليه، فإنّ المعتقلين هم مجموع من اعتُقِل بسبب فكره وتعبيره وانتمائه السياسي والمدني، ومن هؤلاء المعتقلين الذين يتحدون في دينهم وعرقهم وجغرافيتهم مع دين من يدافع عنهم وعرقه وجغرافيته. ولا بأس أن ينضاف في الدفاع عن المعتقل عنصر اتحاد الدين والعرق والحزب، دون أن يكون سببا لعدم الدفاع عن غيره أو التهاون فيه، فللقرابة أثرها في أن يحمل المدافع بموجب وازع الاتحاد بين المعتقل والمدافع عنه، وأن ينضاف إلى الوازع الإنساني والفطري في ذلك كله.

النقطة 2:

 تجديد مفهوم الدفاع عن المعتقلين، الذي لا ينبغي أن يقتصر على صور متعارف عليها في الدفاع، كصورة الصنف الواحد في الدفاع (صورة 1)، مثل المحامين، وكصورة إصدار البيانات المساندة للمعتقلين (صورة 2):

ففي الصورة 1، ينبغي أن يرتقي الدفاع إلى مفهوم أوسع وأشمل وأدق، تتجدّد فيه النظرة إلى المدافعين وإلى منظومات الدفاع، فالمدافعون ينبغي أن يتسع مفهومهم ليشمل المدافعين المعروفين بالدفاع عن المعتقلين كالمحامين والمنظمات الحقوقية والأحزاب والجمعيات، وليشمل المدافعين العامين عن حقوق المعتقلين، كالفاعلين الدينيين المسلمين والمسيحين واليهود...، وغير الدينيين الذين لهم إرث حقوقي وتعاطف مع المظلومين ومنافحة بموجب المركوز الفطري والكسب الاجتماعي، وهؤلاء وأمثالهم وبخاصة الفاعلين الدينيين؛ ينبغي أن يتطور خطابهم الديني في اتجاه حقوقي وإنساني يعبّر عن جوهر الدين والموروث الديني والإرث الحضاري، وكالفاعلين الأكادميين والجامعيين والإعلاميين الذي تَستَوْعبهم المقولة الحقوقية بموجب رسالتهم الجامعية والإعلامية وما يتاح لهم في هذا الصدد.

 وممن يشملهم المفهوم الواسع للدفاع: الواقفون في الوقف الذي لهم أن يتدرجوا في إقامة الوقف الحقوقي في الدفاع عن المظلومين وتحرير رقابهم من الظلم. ومثلهم أو دونهم أهل الزكاوات في استثمار زكوي حقوقي، بمقاربات فتوى وموازنات مصلحة وتحقيق مناط واعتبر مآل. والله الكبير المتعال.

وفي الصورة 2، ينبغي أن يتسع الدفاع ليشمل نظما وسياسات ومقاربات وآليات وإحصائيات ومؤشرات في الدفاع المؤسسي المنهجي السياقي، الذي تكون البيانات والوقفات والمداخلات أحد ضروبه وعملياته. وهذا يحيلنا إلى مسارات نظر وعمل وتخطيط استراتيجي وبرامج تنفيذ ومحطات إنجاز ومراكمات ومراجعات والله المستعان.

النقطة 3: تجديد رمضان في واجب الأمة تجاه المعتقلين:

يأتي تدشين المنتدى الشهري لمعتقلي الرأي في رمضان هذا العام (1444-2023)، ليُحيلنا إلى تجديد رمضان نفسه ليواكب المناسبة ويراكم المفاعلة، وأغلب النّاس يدركون ما آلت إليه نفوس كثيرة في تنميط رمضان وتثبيط العزائم العامة بموجب ذلك التنميط الذميم والتقليد السقيم. فشهر العتق من نار الأخرى غُيّب فيه العتق من نار الدنيا وعذابات الاستبداد والاضطهاد، وشهر المدارسة القرآنية العقلية والفلسفية استحضرت فيه مكرّرات التلاوة من دون كثير دراية وسياسة وحكمة وممارسة، وشهر ليلة القدر تلاشت فيه قدرات الفعل العمراني والتنموي، وتكاثرت فيه نزعات الجبرية السالبة للحريات بموجب سلطان جائر وشعب حائر وأداء رمضاني ضامر.

وأبرز ضروب تجديد رمضان في واجب الدفاع عن المعتقلين:

  1. إحياء قيم القرآن في كرامة الإنسان والشعوب:
  • قيمة الحرية والمسؤولية والحقوق بأنواعها...
  • شواهد ذلك من القرآن... آيات ومنطوقات ومفهومات ومجامع قرآن ومعاقد بيان وطوال وقصر في المعاني المحمولة على أمثالها في المباني.
  • ذلك من التدبـر القرآني للتلاوة القرآنية في الختمة والتراويح والدرس ونحوه...
  1. إحياء قِـيَـم الدفاع عن المظلومين:
  • قيمة البيان وقول الحقّ والشهادة وعدم كتمانها..
  • قيمة العطاء والإنفاق بأنواعه، كإنفاق المال والعِلْم والحِكْمة والخِبْرة والمرافعة والتظاهر السلمي والعمل الحقوقي...
  • قيمة التضامن بموجب الزمالة، كتضامن الوزراء والجامعيين والرياضيين والفنانين والأئمة...
  1. إحياء التزكوية الرمضانية في تحقيق التقوى العمومية:
  • لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 183]... لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة: 186]...
  • التطهير من رذائل الظلم والاستبداد هو أحد ضروب التزكية والتطهير والتخلية من العذابات (عذاب السجون والتنكيل) والتحلية بالعذوبات (عذوبة الحرية والكرامة...)
  • التزكية العامة هي تهيئة البيئة العامة في تطويق الرذائل وتعطيلها وتطوير الفضائل وتفعيلها.

الختمة:

ختمة كرامة وحقوق وتحرر وتحضر، في ختمة تلاوة وتراويح ومدارسة وتسبيح. اللهم ارزقنا حسن الفهوم وصحة الأعمال وإحيائية النفوس وتثمير النصوص. بفضلك يا خير الفاتحين، آمين.

 

وكتبه أ. د. نور الدين بن مختار الخادمي

الـجمعة 24 شعبان 1444هـ الـموافق لـ 17 مارس 2023





التالي
الاتحاد يستقبل بالدوحة وزيري التعليم و الصحة للإمارة الأفغانية
السابق
افتتاح "المعهد الإيطالي للدراسات الإسلامية والإنسانية" بهدف تعزيز الحوار الثقافي وتعميق فهم الإسلام وثقافته

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع